غزة .. مذبحة العصر !بقلم أمين الحاج

ستمائة يوم مرت على المذبحة التي لم يعرف لها التاريخ المعاصر مثيلا، ستمائة يوم من الإبادة الجماعية المتواصلة، لا بقصف عابر أو مجزرة لحظية، بل بسياسة ممنهجة لاستئصال حياة، ومحو مدن، وإبادة شعب، واغتيال حلم في وضح النهار.
ستمائة يوم والعالم يقلب القنوات، يبحث عن نشرة طقس أو أخبار “الفنانات”، بينما كانت جثث الأطفال تتحلل تحت الركام، غزة، التي كانت تختنق تحت الحصار لعقدين، غرقت في الدماء.
ما حدث في غزة ليس حرباً، ولا حتى عدواناً “تقليدياً”، إنها مذبحة دبر لها بليل، شاركت فيها الطائرات، والسفن، والدبابات وحتى الروبوتات، و”باركتها” العواصم الغربية بصمتها، بل ودعمتها علناً بأسلحتها، ومواقفها، وخطاباتها المُضَللة.
فكل بيت هُدم، وكل طفل تفحّم، وكل أم “نكّست” رأسها عند قبر طفلها، والدماء التي روت الأرض، والمآذن التي بكت قبل أن تُقصف، والكنائس التي دمرت، كانت جميعها ثمرة هذا التواطؤ العالمي المخزي.
ستمائة يوم والمجازر تتكرر بلا انقطاع، والعدو لا “يكل” من القتل، حتى صار العيش في غزة “معجزة”.
ستمائة يوم من التهجير والتجويع، حتى صار الطحين أثمن من الذهب، ولم ترف أعين عواصم الغرب، بل ورفعت الرايات البيضاء في العواصم  الغارقة بالصمت والخذلان. أُحرق القمح، ودُمرت المدارس، وهدمت المستشفيات، وقُطعت الكهرباء والماء، وسُمم الهواء بالفسفور الأبيض، وذلك على مرأى ومسمع من منظومة دولية اكتفت بيانات الإدانة الباردة حين تتذكّر.
غزة تحولت إلى مسرح لمجزرة بطيئة، إلى اختبار يومي لإنسانية فشلت، إلى مدينة يُختبر فيها صبر السماء على الأرض، في زمن الحرب، لا يكون الحياد أخلاقاً، بل تواطؤا، فمن قال إن الجوع لا يقتل؟ في غزة، مات الرضع جوعاً قبل أن ينطقوا بكلمة “ماما”، في غزة لا يُقتل الإنسان فقط، بل يُقتل الضمير، وتُذبح الإنسانية على الهواء مباشرة.
لكن، وسط هذا الجحيم، صمدت غزة، لم تسقط، ولم ترفع الراية، فتحولت إلى شاهد حي على ما تبقى من كرامة الأمة، وإلى لعنة تطارد كل من خانها، أو صمت على آلامها، أفشلت مخططات التهجير أو التركيع، وكل خطط ترويض الفلسطيني، وكل الأكاذيب التي روجت لوهم السلام، ومشروع الدولة، سقط أوسلو، وانكشفت عورة التنسيق الأمني، وتبخرت كل النظريات التي “بشرت” بترويض شعب يعشق الحياة، لأنه يستحقها، ففي كل خيمة نزوح، وفي كل طفل فقد أطرافه،  يُهزم الاحتلال من جديد رغم الجوع، وبينما كانت نساء غزة يخبزن على الحطب، كنّ يعلّمن أبناءهن أن الكرامة لا تُشترى ولا تُوهب.
ستمائة يوم أعادت تعريف الوطن، وفضحت هشاشة الرهان على المؤتمرات والقرارات الدولية، فالدولة التي بُشّرنا بها لم تولد، ولن تولد من رحم الصمت، أو على موائد اللئام، مشروع الدولة  لفظ أنفاسه الأخيرة على أنقاض رفح، كما جباليا وبيت حانون ودير البلح.
ما بقي من الوطن لا يُختزل في خريطة، بل يُخط بدم الشهداء، بصوت الأمهات، وبعيون أطفال لم يذهبوا إلى مدارسهم منذ عامين، ولو أن دماء غزة كانت نفطاً، لتسابقت العواصم إلى إنقاذها، لكنها دماء كرامة، فاختاروا تجاهلها.
نكتب الآن لا من أجل البكاء، بل من أجل التوثيق، من أجل الغضب، من أجل أن نذكر أنفسنا والعالم أن غزة ليست مأساة مؤقتة، بل وصمة عار أبدية على جبين الإنسانية.
نكتب لأننا لا نملك ترف الصمت، ولأن صرخة غزة حُق لها أن تزلزل هذا العالم البليد، غزة، التي أرادوها ميتة، تحيا كل يوم.
ستمائة يوم وما زال في غزة من يقول لن نَرحل…………..

كل بيت هُدم، وكل طفل تفحّم، وكل أم “نكّست” رأسها عند قبر طفلها، والدماء التي روت الأرض، والمآذن التي بكت قبل أن تُقصف، والكنائس التي دمرت، كانت جميعها ثمرة هذا التواطؤ العالمي المخزي.

عن Atlas

شاهد أيضاً

هندسة التجويع مساعدات الغيتو واستغلالها كسلاح في يد أمريكا وإسرائيل

اطلس:كتب اسماعيل جمعه الريماوي: منذ اللحظة الأولى لإعلان الولايات المتحدة وإسرائيل عن إقامة “آلية إنسانية” …