الخنفشارية الفلسطينية: حين تكون الفوضى برنامج عمل!

اطلس:كتب غسان جابر : في بلادنا، لا تحتاج إلى ذكاء خارق لتفهم المشهد، يكفيك أن تتعرف على “الخنفشاريين”…

هؤلاء الذين إذا تكلموا حوّلوا الخرافة إلى بيان سياسي، وإذا خطبوا جعلوا الكارثة “فرصة”، وإذا فشلوا… قالوا لك: “المؤامرة أكبر من الجميع!”

لكن قبل أن نبدأ، دعونا نتفق:
الخنفشار ليس نباتًا يمنيًا ولا نوعًا من الحليب المركز.
إنها الكذبة التي اخترعها بعض الأذكياء ليفضحوا بها كذبة أكبر: ادعاء المعرفة بدون معرفة!
ومنها خرج للعالم أول “نموذج للخنفشاري”…
ثم تفرّع وتكاثر، وأسس حزبًا، ثم فصيلًا، ثم حكومة، ثم تحالفًا، ثم لجنة أزمة دائمة…
حتى أصبح الخنفشاري الفلسطيني كائنًا متعدد الرؤوس، يعيش على الشعارات، ويتغذى على الأوهام!

الانقسام الخنفشاري… ملحمة اللاشيء منذ 2007

هل تذكرون ذلك اللقاء الذي قيل فيه إن “الانقسام سينتهي قريبًا”؟
طبعًا لا تذكرونه… لأنه تكرر ٤٢ مرة على الأقل، بنفس الكلمات، ونفس الوجوه، ونفس الابتسامات الخنفشارية.
اجتماعات، مؤتمرات، ورشات، زيارات، اتفاقات، “ورقة القاهرة”، “وثيقة مكة”، “مبادرة الجزائر”، “مشروع قطر”، وبكين…
كلها تحوّلت إلى مجلدات تصلح كديكور في أي مكتب فصيل محترم.

لكن الواقع؟
غزة تُخنق، الضفة تُقمع، والقدس تُنسى… والخنفشاري السياسي مشغول في تقاسم كعكة الدولة التي لم تولد بعد.

الخنفشار الاقتصادي… وعود بصوامع في أرض لا قمح فيها!

من لم يسمع بذاك الذي وعدنا بميناء فضائي ومطار عائم في عرض البحر؟
ومن لم يضحك حين قرأ عن خطة لتصدير الكهرباء من غزة إلى العالم؟
ومن لم تُدهشه الرؤية الاقتصادية التي تبدأ بإنشاء “بنك للملابس المستعملة”، وتنتهي بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الفجل؟

الخنفشاري الاقتصادي يتحدث عن “التحول الرقمي”، وهو لا يعرف كيف يرسل بريدًا إلكترونيًا.
يحاضر عن “التمكين”، وهو عيّن ابن خالته نائبًا لمدير هيئة تمكين التمكين.
يبني المدن الصناعية على الورق، ويعقد المؤتمرات في فنادق تُطعم المشاركين أفضل مما يطعمون شعبهم!

خنفشارية الفصائل… من بندقية المقاومة إلى ميكروفون الثرثرة

يا سادة، كل فصيل يرى نفسه “الأعظم”، ويرى الآخرين إما خونة أو جهلة.
يتصارعون على شعارات التحرير، وهم لا يتفقون حتى على تاريخ المهرجان.
يرفعون شعار “نحو وحدة وطنية شاملة”، ثم ينشر كل واحد منهم بيانًا ينسف الآخر من جذوره.
كل فصيل عنده خنفشاري خاص به، مهمته أن يملأ الوقت بالكلام، والفراغ بالشعارات، والهزائم بالانتصارات الافتراضية.

خنفشارية القنوات الفضائية… محلل قرر فحسم!

وهنا نصل إلى خنفشاري من نوع آخر…
ذاك الذي يجلس في الاستوديو بكرافته وطنية، ونظرة استعلاء محلّلة،
يتحدث عن قرارات “مصيرية”، ويقول:

> “نحن في القيادة رأينا أن نذهب نحو تصعيد محسوب…”

لحظة، “نحن” مين؟!
أنت مجرد ضيف حلقة يا رجل، لا وزير ولا مستشار ولا حتى سكرتير لجنة الطوارئ.
لكنك تتحدث كأنك من رسم الخطط، وأصدر البيانات، ووافق على العمليات.

الخنفشاري الفضائي يشبه تمامًا صاحبنا الذي اخترع “نبتة الخنفشار” اليمنية.
يكذب بثقة، ويتحدث عن “نبتة” لا وجود لها، ويؤلف حولها بيت شعر، ويدعي أن داوود الأنطاكي ذكرها في تذكرته،
ثم يختم كلامه بأنه “ورد في الحديث”!

نفس الأسلوب، نفس الثقة، نفس الغرق في الخيال…
والفرق الوحيد: أن الأول كان نكته… أما الثاني، فصار واقعًا يحلل مستقبل شعب على الهواء مباشرة!

ركوب الموجة… المهارة الخنفشارية العليا!

هل حصل حدث في فلسطين؟
عدوان؟ أزمة؟ أزمة كهرباء؟
ستجد الخنفشاري هناك، قبل أن تصل الكاميرا!
يتصدر المنصات، يتحدث بلهجة حزينة، يذرف دمعة اصطناعية، ثم يختتم بجملة مثل:

> “لن نركع، وسنصمد حتى آخر قطرة من… تصريح التمويل الأوروبي!”

الخنفشاري لا يُفوّت موجة، يركبها كما هي، ثم يقفز منها عندما تغرق، ليعتلي الأخرى.
لا موقف ثابت، ولا مبدأ واضح، فقط براعة في التحوّل من متحدث باسم الشعب إلى متحدث باسم الجهة المانحة.

في الختام… من نبتة وهمية إلى واقع مفجع

الخنفشارية لم تعد قصة لضحك العابرين.
لقد صارت بنية ثقافية، سياسية، اقتصادية، إعلامية قائمة بذاتها.
تتغذى على ضعف الذاكرة، وتتسلّح بصمت الناس، وتتكاثر في الظلام مثل العفن.

لكن في المقابل…
لسنا بلا حول، ولا بلا وعي.
نستطيع أن نسمّي الأشياء بأسمائها، أن نضحك منهم، لا معهم،
أن نفضح الخنفشاري في كل مجلس، وكل قرار، وكل خبر مطاط لا يقول شيئًا.

لأن ما لم نفعله نحن…
سيُفعله أبناؤنا علينا لاحقًا… وسينظرون لنا كخنفشاريين صامتين!

عن Atlas

شاهد أيضاً

600 يوم على الإبادة.. صرخات معتقلي غزة في جحيم السجون الإسرائيلية بقلم بن معمر الحاج عيسى

في الوقت الذي ما تزال فيه آثار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ماثلة في كل …