اطلس:اسرائيل كالعادة لا تحترم أية تعهدات او اتفاقيات او قوانين دولية،في ظل مؤسسة دولية منهارة لا تفعل شيء،لنصرة المظلوم أو لجهة تطبيق قرارتها لصالحه،في ظل هيمنة امريكية وأوروبية غربية على تلك المؤسسة والسطو على قراراتها ،وفي ظل أنظمة بني “خروف” العربية، فإسرائيل تعربد وتتبلطج في كل العواصم العربية،وحكام العرب يقولون لها ،إرحمينا نحن مطيعين وننفذ ما تقولينه انت و”امنا” امريكا.
اسرائيل انقلبت على تفاهمات “باكو” العاصمة الأذربيجانية التي اشرفت عليها امريكا وتركيا ومشيخات خليجية،بعد سلسلة لقاءات بين قيادات من حكومة الشرع في تل ابيب ودبي وواشنطن،جمعتهم مع قادة في المخابرات والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية،بما فيهم تساحي هنغبي،مستشار الأمن القومي الإسرائيلي.
تلك التفاهمات التي قامت على دخول قوات الشرع التي تتصرف ليس كجيوش دولة،بل كمجاميع وميلشيات ارهابية ،تحكمها عقلية ثأرية وانتقامية، اتفاق “باكو” نص على دخول قوات الشرع الى السويداء، مقابل ،أن يجري توظيف الشرع في دور عسكري وأمني لاحق ضد ما يسمونه بالعدو المشترك ايران وحزب الله والحشد الشعبي وانصار الله في اليمن،ولكن ،الفوضى وعمليات القتل والذبح الطائفي وحلق شوارب وقص لحى رجال الدين الدروز ورمي عمائمهم واهانتهم،دفع بالأمور الى دفاع اهل السويداء عن عزتهم وكرامتهم ووجودهم،واسرائيل المعنية بالفتن وخلق الفوضى وتقسيم سوريا على خطوط المذهبية والطائفية والعرقية،تدخلت وقصفت بطائراتها في رسائل تحذيرية سياسية ومعنوية مقر قيادة اركان الشرع وقصره الجمهوري،وكذلك بعض القيادات الدرزية السورية والتي لا تمثل موقف اهل السويداء لجأت لطلب المساعدة من اسرائيل .
ومن هنا بعد هذا القصف التحذيري في عمق العاصمة السورية،تدخلت اطراف اتفاق ” باكو” المتقاسمة النفوذ في سوريا امريكا وتركيا وبعض المشيخات الخليجية العربية،لكي تنسحب قوات الشرع من السويداء،وبالتالي تراجعت الثقة بهيبة حكومة الشرع،بعد جملة سلوكيات وممارسات ثأرية انتقامية،تجلت في احداث الساحل السوري ضد العلويين وضد الدروز وضد الكنائس المسيحية والمسيحيين،حيث الوعود المتكررة في محاسبة تلك المجاميع الإرهابية غير المنضبطة والمنفلتة،ولكن بات هذا الحديث شيكات بدون رصيد ،سوريا تحت مقصلة التقسيم في الجنوب وشمال شرق وغرب.
بالمناسبة السيناريو هذا شبيه بنفس السيناريو،الذي حدث في لبنان بعد تولي امين الجميل الحكم في لبنان عام 1983 بعد مقتل اخيه بشير الجميل ،الذي جاء على ظهر الدبابة الإسرائيلية،حيث شن حرب على المعقل الدرزي في جبل لبنان،متسلحاً بالإستعلاء والطائفية والإستقواء بالإسرائيلي،بعد اخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية الى خارج لبنان،ولتتوقف تلك العملية العسكرية،كما حصل الآن بعد تدخل اسرائيلي، فإسرائيل تدير لعبة التوازنات بين تلك الطوائف وتتحكم فيها.
الآن ربما لم يعد اتفاق “باكو” قائماً فالنظام سيحظر عليه ادخال اية قوات الى السويداء بأسلحة ثقيلة،وستكون محافظات الجنوب السوري،منطقة امنية اسرائيلية درعا والقنيطرة والسويداء،والجولان سيتم التنازل عنها،مقابل حماية عرش الشرع وتثبيته، على ان يجري العودة الى اتفاق “باكو” ضمن الحرب التي يخطط لها نتنياهو على حزب الله قريباً،حيث العقل في زمن التغول والتوحش،سيقود الى دمار وخراب ومجازر اوسع،وسيدفع الثمن باهظاً ،من يستمرون في اطلاق التهديدات والحديث عن نفاذ الصبر،والأيام كشافة . الشرع سيعود للحظيرة وستكون قواته البرية ” المجاهدة ” بفتوى ” جهادية” أمريكية وعربية خليجية،كما حصل في افغانستان في زمن الوجود السوفياتي في افغانستان ووجود حكومة شيوعية هناك،حيث توجه ما يعرف بالعرب الأفغان،بتمويل خليجي ،لكي “يجاهدوا” ضد حكومة افغانستان والوجود السوفياتي هناك،كما هو حال العشرية السوداء التي ضربت سوريا من عام 2011 وحتى عام 2021 ،حيث تكاثرت فتاوي الجهاد وجهاد ” النكاح” في سوريا،والتي كانت سبباً في وصول سوريا الى ما وصلت اليه الآن،بعد ان كان تمثل قلب العروبة النابض.
السكوت الأمريكي والأوروبي الغربي والإسرائيلي عن تبييض صفحة عصابات الإيغور والشيشان والأزبكستان،ودمجهم في جيش الشرع،وتوليهم مناصب عليا فيه،هو للدور القادم في حرب برية سيكونوا رأس حربتها للإنقضاض على حزب الله مترافق ذلك بقصف جوي اسرائيلي غير مسبوق على مواقع حزب الله،وبدعم لوجستي واستخباري امريكي،وكذلك تجريك القوى والتيارات المتأمركة والمتصهينة في لبنان،التي ستخرج من “جحورها” للمطالبة بنزع سلاح حزب الله،وتهديد توماس باراك المبعوث الأمريكي للبنان ،إما ان يتم نزع سلاح الحزب او يعود لبنان لبلاد الشام، المخطط بات جاهز.
وكذلك السيطرة الأمنية الإسرائيلية على محافظات جنوب سوريا،وخلق دويلة درزية في الجنوب،للتواصل مع الدويلة الكردية في الشمال،والتي ستبتلع اجزاء من الأراضي السورية والعراقية والتركية ولاحقاً الإيرانية،وايجاد الرابط بين تلك الدويلتين من خلال ما يعرف بممر او معبر داود،عبر نفق يمتد من قاعدة التنف الأمريكية المقامة على مثلث الحدود العراقية – السورية – الأردنية،وأيضاً تدمير قدرات الجيش السوري الإستراتيجي ومنعه من بناء جيش قوي او امتلاك أسلحة استراتيجية،سيجعل سوريا ساحة مكشوفة أمام اسرائيل،لكي تهاجم ايران في المستقبل .
ما يجري في قضية السويداء وحرب الجبل الثانية أن “إسرائيل” تفعل ما يلزم ليكون المجتمع السوري مبنياً على عداوات طائفية بين مكوّناته أنهار دماء وجروح لا تندمل، ودولة فئوية لا يشعر كل السوريين أنها دولتهم، وجيش سوري ينظر إليه بعض مواطنيه أنه جيش احتلال، وينظرون الى جيش الاحتلال الإسرائيلي كصديق وضامن، وكلما نالت “إسرائيل” أرضاً طمعت بمزيد من الأرض، وكلما نالت تنازلاً عن عنوان من عناوين السيادة طلبت عنواناً جديداً.
ونتنياهو البارع في تصدير ازماته الداخلية،ولكي يحقق المزيد من الإنجازات التي تتوجه ملكاً على المنطقة،ويبقى متربعاً على عرش السياسة الإسرائيلية،وينفذ المشاريع والمخططات الإسرائيلية الإستراتيجية،فحربه على لبنان ليست بالبعيدة.