غزة تموت جوعًا وتحت القصف… والسلطة ترقص على أنقاض التسوية

كتب اسماعيل جمعه الريماوي: بينما يشهد قطاع غزة أبشع فصول الإبادة الجماعية و التجويع الممنهج لاكثر من مليوني إنسان، ويعيش أهله تحت القصف اليومي وخطر  التهجير القسري، تقف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية في موقع لا يرقى حتى إلى الصمت، بل ينزلق إلى خانة التواطؤ المكشوف. فالسلطة التي يُفترض بها أن تمثّل الشعب الفلسطيني، باتت اليوم أداة لضبطه وقمعه، وسداً أمام انفجاره في وجه الاحتلال، ولا في وجه المحتل فحسب، بل في وجه كل من يرفض سياسة التجويع ويهتف لغزة أو يدعو للمقاومة.

قوات الأمن الفلسطينية لا تتحرّك لحماية القرى من هجمات المستوطنين، ولا ترد على اقتحامات جيش الاحتلال، لكنها تظهر جاهزيتها الكاملة عندما يتعلّق الأمر بفضّ مظاهرة، أو اعتقال شاب نزل إلى الشارع هاتفاً لغزة، أو متضامناً مع أهلها المحاصرين بالموت، فالمعادلة الأمنية التي تنتهجها السلطة تقوم على ما تسميه “منع الفوضى”، وما تقصده فعلياً هو منع الشعب من أداء دوره الطبيعي في الدفاع عن قضيته، وتحويل المقاومة من حقّ إلى تهمة.
وفي الوقت الذي يُحاصر فيه أكثر من مليوني فلسطيني، ويُجبرون على خيارين أحلاهما الموت او التهجير، تسارع السلطة إلى تثبيت “الهدوء” في الضفة الغربية، وهذا الهدوء لا يُفهَم إلا في سياق منح إسرائيل هامشاً مريحاً لإتمام ما تبقى من مشروعها في غزة، وترتيب المشهد لما بعد الحرب دون أي إزعاج في الضفة الغربية.

وليس ذلك كله مفصولاً عن خيار السلطة السياسي الذي لا يزال يتمسك بـ”المفاوضات” كطريق وحيد، رغم أن هذا الطريق قد سقط منذ سنوات، ولم يبق منه سوى ركام من الأوراق والوعود الكاذبة، وفي حين يعلن الكنيست الإسرائيلي ضم الضفة الغربية رسميًا وفرض السيادة اليهودية عليها، لا تزال السلطة تتحدث عن “حل الدولتين”، وكأنها لم تر الجرافات وهي تقتلع الأرض، والمستوطنات وهي تتمدد، والمفاوضات وهي تتحوّل إلى أداة خداع دولي لتجميل الوجه القبيح للاحتلال.
فماذا تبقى للتفاوض عليه؟ لا أرض، لا حدود، لا قدس، ولا حتى حلم مبعثر بدولة، لم يتبق سوى بقايا كيان مشوّه، يُراد له أن يدير شؤون حياة الفلسطينيين اليومية كوكيل للاحتلال، لا أكثر، سلطة بلا سيادة، بلا مشروع، بلا شرعية، وبلا إرادة، تمارس دورها ببطاقة تمويل خارجي، وتعيش على أنقاض شعبها، وتُدار كملف وظيفي ضمن ترتيبات ما بعد المجازر.

وربما الأخطر أن هذه السلطة تحاول أن تسوّق عجزها على أنه “عقلانية سياسية”، وانهزامها على أنه “براغماتية”، وتنسيقها الأمني مع الاحتلال على أنه “مصلحة وطنية”، في حين أن الحقيقة التي يراها الجميع واضحة كالشمس: سلطة تتعامل مع الاحتلال كحليف، ومع المقاومة كعدو، ومع صوت الشارع كتهديد، ومع المجازر في غزة كأمر واقع لا يستحق أكثر من بيان خجول.

ما يجري اليوم ليس انقساماً سياسياً بين غزة والضفة فحسب، بل انقساماً أخلاقياً وتاريخياً بين مشروعين: مشروع مقاومة يواجه الإبادة، ومشروع سلطة يبرر العجز ويتماهى مع الاحتلال، وفي هذا السياق، فإن الصمت لم يعد حياداً، بل صار خيانة، وكل يوم تصرّ فيه السلطة على قمع المظاهرات، وملاحقة الأصوات الحرة، وتثبيت “الهدوء”، هو يوم تضيف فيه خنجراً جديداً في خاصرة القضية.

إن الشعب الفلسطيني لا يحتاج سلطة تؤمن بالاستسلام، بل قيادة تؤمن بالتحرير، لا يحتاج من يقايض دماء الشهداء على طاولة التنسيق الأمني، بل من يحمل الأمانة وينتصر لها، وإذا لم تُراجع السلطة خياراتها، وتتحرر من أوهام المفاوضات، وتلتحق بإرادة الشعب، فإنها ستسقط أخلاقياً قبل أن تسقط سياسياً، وسيدفنها الشعب في نفس الحفرة التي يُدفن فيها كل من باع القضية تحت أي مسمى.

عن Atlas

شاهد أيضاً

حمدي فراج يكتب : نكسوا اعلامكم .. جوع عربي بهيمي في ليل عربي طويل

اطلس:شعور عارم بالعجز المطبق إزاء الجوع المستشري في غزة ، يمتد على مساحة الشبع العربي …