ورقة موقف قانونية بشأن تهويد الحرم الإبراهيمي وفرض السيادة الإسرائيلية عليه

اطلس:تتابع نقابة المحامين الفلسطينيين بقلق بالغ الخطوات التصعيدية التي تتخذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لفرض السيادة الفعلية على الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل المحتلة. فقد أقدمت سلطات الاحتلال مؤخراً على نقل الصلاحيات الإدارية والتنظيمية للحرم من بلدية الخليل الفلسطينية إلى ما يسمى بـ”مجلس إدارة الأماكن المقدسة اليهودية” التابع للمستوطنين في مستوطنة “كريات أربع”، وهو ما يشكل مساساً خطيراً بمكانة الحرم الإسلامية واعتداءً صريحاً على هوية المدينة التاريخية والدينية.

ويأتي هذا الإجراء في سياق سلسلة من السياسات التهويدية المتواصلة، أبرزها إغلاق الحرم أمام المسلمين خلال الأعياد اليهودية، ومنع رفع الأذان، وإجراء تغييرات معمارية في محيطه، بهدف تكريس تقسيمه الزماني والمكاني وفرض وقائع جديدة على الأرض.
إن نقابة المحامين الفلسطينيين، باعتبارها هيئة مهنية مدافعة عن سيادة القانون وحقوق الإنسان، تضع بين أيدي الجهات الوطنية والدولية هذه الورقة القانونية التي تقيّم التوصيف القانوني لهذه الأفعال وتُقدِّم توصيات عملية لمواجهتها.
أولاً: الخلفية القانونية والميدانية
📌 يقع الحرم الإبراهيمي ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وهو موقع ديني وتاريخي إسلامي خالص، مسجل على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر من قبل منظمة اليونسكو منذ عام 2017.
📌 منذ مجزرة 1994، فرض الاحتلال تقسيماً زمانياً ومكانياً للحرم، وتضاعفت الإجراءات التهويدية، وصولاً إلى التطور الأخير الذي ينذر بفرض إدارة استيطانية دائمة عليه.
📌 تأتي هذه الخطوة في سياق مشروع ممنهج لفرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، بدأ بالإعلانات السياسية، ويُترجم اليوم ميدانياً عبر التوسع الاستيطاني وتهويد الأماكن المقدسة.
ثانياً: التكييف القانوني للانتهاكات:
إن ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الحرم الإبراهيمي يُشكّل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويُعدّ جريمة حرب بموجب أحكام نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك على النحو الآتي:
📌 إن نقل الصلاحيات الإدارية للحرم الإبراهيمي إلى مجلس استيطاني يمثل تطبيقاً مباشراً لجريمة نقل سكان الدولة المحتلة إلى الأراضي المحتلة، وهو ما تحظره المادة (😎 الفقرة (2)/(ب)/(😎 من نظام روما، والتي تجرّم قيام دولة الاحتلال بنقل جزء من سكانها المدنيين، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى الأرض المحتلة.
📌 كما يشكل المساس بطبيعة الحرم كموقع ديني إسلامي واعتباره مكاناً يخضع لإدارة دينية يهودية، اعتداءً على الأماكن المقدسة، وهو ما يُعدّ جريمة حرب بموجب المادة (😎 الفقرة (2)/(ب)/(9) التي تحظر استهداف المباني المخصصة للأغراض الدينية، شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية.
📌 إلى جانب ذلك، فإن الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي دون ضرورة عسكرية وتغيير وظيفته واستخدامه الديني، يرقى إلى مستوى الاستيلاء غير المشروع على الممتلكات، وفقاً لأحكام المادة (😎 الفقرة (2)/(أ)/(4) من النظام ذاته، التي تُجرّم التدمير أو الاستيلاء واسع النطاق على ممتلكات لا تبرره ضرورة عسكرية ووقع بطريقة غير مشروعة.
📌 كما يشكل منع رفع الأذان والتضييق على دخول المصلين المسلمين إلى الحرم، في مقابل تسهيلات واضحة للمستوطنين، سياسة تمييز ممنهجة على أساس الدين، ويُعدّ ذلك انتهاكاً جسيمًا للحقوق الدينية والثقافية المنصوص عليها في المادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم باحترام أديان ومعتقدات سكان الأراضي المحتلة.
📌كذلك، فإن فرض إدارة جديدة على الحرم الإبراهيمي يعد خرقًا لمبدأ عدم تغيير الوضع القائم، إذ تلزم المادة (43) من لائحة لاهاي لعام 1907 سلطة الاحتلال بالحفاظ على النظام القائم وعدم تغييره، وهو ما يجعل هذه الخطوة انتهاكًا مباشراً لهذا المبدأ الأساسي في القانون الدولي الإنساني.
📌وفي حال ثبوت نمط من التمييز والحرمان الممنهج للفلسطينيين من الوصول إلى الحرم وممارسة شعائرهم، فإن ذلك قد يُشكّل أيضاً جريمة اضطهاد ديني أو قومي تقع ضمن الجرائم ضد الإنسانية، عملاً بأحكام المادة (7) الفقرة (1)/(ح) من نظام روما، والتي تحظر الاضطهاد ضد جماعة أو مجموع السكان لأسباب دينية أو قومية أو إثنية.
ثالثاً: موقف وتوصيات نقابة المحامين:
إن نقابة المحامين الفلسطينيين تؤكد أن هذه الإجراءات التهويدية بحق الحرم الإبراهيمي تُعد جزءاً من سياسة استعمارية ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية وفرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، في مخالفة جسيمة لأحكام القانون الدولي، وللالتزامات المترتبة على سلطات الاحتلال بموجب اتفاقيات لاهاي (1907) وجنيف الرابعة (1949)، وللقرارات الدولية التي تعتبر الحرم الإبراهيمي جزءاً لا يتجزأ من التراث الإسلامي والإنساني، ومنها قرارات اليونسكو التي أكدت على الطابع الإسلامي الخالص للحرم.
توصيات النقابة:
1. توصي النقابة بتكثيف التحرك الدبلوماسي والقانوني لدى منظمة اليونسكو لمطالبتها بإرسال بعثة تقصي حقائق إلى الموقع وتوثيق الانتهاكات.
2. تطالب النقابة مجلس حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة بالتحرك العاجل لحماية الحرم من محاولات تهويده.
3. تدعو النقابة جميع نقابات المحامين في العالم إلى إعلان التضامن مع الحق الفلسطيني المشروع في حماية مقدساته، في وجه هذه السياسات الاستعمارية.
4. كما تدعو النقابة إلى تشكيل لجنة قانونية خاصة لمتابعة الانتهاكات الواقعة على الحرم الإبراهيمي، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وفي الختام، تؤكد نقابة المحامين الفلسطينيين على أن المساس بالحرم الإبراهيمي هو اعتداء على الذاكرة الدينية والثقافية والإنسانية للشعب الفلسطيني، وتهديد مباشر للقانون الدولي، مما يحتم بذل كل جهد ممكن في المسار القانوني الدولي لحماية هذا المعلم الإسلامي التاريخي، والدفاع عن الحقوق الوطنية والدينية غير القابلة للتصرف.
تحريراً في 26/7/2025
نقابة المحامين الفلسطينيين

عن Atlas

شاهد أيضاً

تعزيز الشراكة بين النيابة العامة والهيئات المحلية لتيسير الوصول للخدمات في منظومة العدالة

اطلس:انطلقت اليوم في رام الله ورشة عمل بعنوان: تفعيل الشراكة بين النيابة العامة والهيئات المحلية …