اطلس:من البوسنة إلى لبنان، ومن بيروت إلى غزة، تتكرر ذات الخدعة الدموية: سلّموا سلاحكم لأجل السلام، ثم استعدّوا للذبح بدم بارد، لا تشتكوا او تصدروا صوتا عندما نذبحكم موتوا بصمت، ولا تزعجوا العالم بموتكم، هذه ليست مبالغة خطابية، بل خلاصة وقائع تاريخية موثقة، يعاد اليوم إنتاجها على أرض فلسطين المحتلة، وبالذات في قطاع غزة والضفة الغربية، تحت شعارات “نزع سلاح المقاومة” و”إعادة الإعمار مقابل الهدوء”.
إسرائيل، ومن معها من أنظمة التطبيع وسلطة أوسلو معهم ، لا يطلبون من الفلسطينيين إلا شيئًا واحدًا: أن يكونوا ضحايا بلا سلاح، أن يُذبحوا كما ذُبح مسلمو البوسنة في سربرنيتسا، حين أُخذت منهم البنادق باسم “القوات الدولية” و”السلام”، ليُسلَّموا بعدها لجزارهم الصربي بلا مقاومة، وتُرتكب واحدة من أبشع المجازر في القرن العشرين.
اليوم، السيناريو ذاته يُطبّق في فلسطين، بوقاحة أكبر، في الضفة الغربية، يُمنَع أي فتى فلسطيني من حيازة سكين مطبخ، فيُعتقل بتهمة “نية مقاومة”، بينما تُوزّع حكومة الاحتلال آلاف البنادق على المستوطنين، وتشجعهم على تشكيل ميليشيات مسلحة تحرق القرى وتطرد الأهالي وتحاصر الامنيين، من الذي يُجرّد؟ ومن الذي يُسلَّح؟ ومن هو المقصود بالإبادة القادمة؟
أما في غزة، فالحصار والتجويع والتدمير ليس هدفه فقط كسر المقاومة عسكريًا، بل تفريغها من سلاحها، وتجريم امتلاك القوة، وإعادة إخضاع القطاع ضمن معادلة “السلام مقابل النزع”، وما يجري الآن من ضغط دولي وإقليمي، بل وعربي، يصبّ في اتجاهٍ واحد: إقناع الفلسطيني بأن المقاومة عبء، وأن السلاح خطر عليه هو، لا على عدوه.
لكن كل من يفهم التاريخ يدرك العكس، فحين خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982، تحت وعود “الحماية الدولية”، تُرك المخيم الفلسطيني أعزلًا، ليرتكب شارون وميليشياته في صبرا وشاتيلا مذبحة استمرت لثلاثة أيام، مذبحة بلا مقاومة، ولا كاميرا، ولا سلاح.
فهل يريدون لغزة المصير ذاته؟ وهل المطلوب من الضفة الغربية أن تستيقظ ذات يوم على قوافل طرد جماعي ومذابح يقودها المستوطنون المسلحون بغطاء رسمي؟ وهل كُتب على الفلسطيني أن يُسلِّم سلاحه في كل مرة كي يُباد باسم “الواقعية السياسية”؟
ليس السلاح عبئًا، بل شرف وضرورة، إنهم لا يخشونكم لأنكم تفاوضون، بل لأن في أيديكم ما يُقاوم، من يريد أن يحمي الدم الفلسطيني، عليه أن يدافع عن بندقية المقاومة قبل أن يبكي على جثث الأبرياء، لأننا إن لم نفهم ما جرى في البوسنة وبيروت، فسنفهمه متأخرين جدًا.. في غزة أو نابلس أو جنين.. حين يُصبح الوقت متأخرًا، والذبح حاصلًا.