اطلس:في خطوة تكشف حجم المأزق السياسي الذي يعيشه بنيامين نتنياهو، صادق الكابينت الإسرائيلي على خطة شاملة لاحتلال قطاع غزة بالكامل، خطة وُضعت لتسير على مراحل تمتد لأشهر، وليست مجرد عملية عسكرية عابرة، بل مشروع سياسي بامتياز هدفه الأول والأهم إطالة عمر نتنياهو في الحكم حتى ربيع عام 2026 والحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني المتطرف الذي يترنح تحت ضغط الشارع والانقسامات الداخلية، هذه الخطة لم تُبنَ فقط على البندقية والدبابة، بل على أدوات تهجير مدروسة، من خلال إقامة معسكرات اعتقال تحت لافتة “مدن إنسانية” بينما هي في جوهرها محطات فرز وإقصاء تهدف إلى دفع الفلسطينيين قسرا إلى الخروج من غزة نحو المجهول.
القرار فجّر انقساما في الشارع الإسرائيلي، بين من يراه ضرورة لإعادة السيطرة على غزة وبين من يخشى أن تتحول العملية إلى كابوس عسكري وسياسي، ليس خوفا على غزة وسكانها، وإنما على مصير الرهائن الإسرائيليين ومن تبقى منهم على قيد الحياة، وعلى صورة إسرائيل في العالم التي وصلت إلى الحضيض بعد صور تجويع الأطفال والدمار والمجازر المتكررة، وعلى الخسائر المتوقعة في صفوف الجيش الإسرائيلي إذا دخل في حرب استنزاف وشوارع طويلة ومعقدة، هذه المخاوف ذاتها تسيطر على قيادة الجيش التي أبدت معارضة أو على الأقل تحفظا، مدفوعة بتقديرات أن العملية قد تستنزف القوات إلى درجة تهدد الجبهة الداخلية وتفاقم العزلة الدولية.
على الجانب الأمريكي جاء الموقف ممهورا بضوء أخضر واضح من ادارة ترامب، وكأن واشنطن تضع كل بيضها في سلة نتنياهو، في شراكة واضحة في جرائم الاحتلال عسكريا وسياسيا، متجاهلة الكارثة الإنسانية التي ستلحق بغزة، بينما يقابل العرب هذا المخطط بصمت متواطئ يرقى إلى حد المشاركة في الجريمة ايضا، حيث تخنق المعابر، ويُمنع عن غزة الهواء قبل الغذاء والدواء، وفي الضفة الغربية تمارس السلطة الفلسطينية دورها المألوف، إذ تواصل أبواقها تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري، غير آبهة بمصير القطاع وسكانه، فيما يبقى التنسيق الأمني قائما على أكمل وجه لضمان “الهدوء” الذي تحتاجه إسرائيل لتنفذ ما تشاء من عمليات، بينما تستمر أوهام التسوية وحل الدولتين التي تذبحها إسرائيل عمليا في غزة عبر الدم والنار، وفي الضفة عبر التوسع الاستيطاني والضم الممنهج.
إنسانيا، يقف سكان غزة على حافة كارثة غير مسبوقة، فالدمار يبتلع كل شيء، والقتل يتواصل بلا توقف، والتجويع الممنهج يحاصر كل بيت، والنزوح القسري يمزق العائلات ويشردها في خيام مؤقتة لا تحمي من برد ولا حر، ومع دخول الخطة الإسرائيلية طور التنفيذ الكامل فإن الوضع الإنساني مرشح للتدهور نحو الموت الجماعي، إما جوعا بفعل الحصار، أو قصفا عبر آلة الحرب، أو عبر التهجير خارج فلسطين وهو الهدف النهائي الذي تسعى إسرائيل لفرضه كأمر واقع تحت غطاء العملية العسكرية.
لكن ما يغفله نتنياهو وحلفاؤه هو أن فشل هذه العملية قد يتحول إلى لحظة سقوط سياسي مدوية، فالإخفاق في تحقيق أهداف الاحتلال الكامل أو عجز الجيش عن فرض التهجير سيعني نهاية تحالفه اليميني وتفكك ائتلافه الحاكم، وقد يدفع الشارع الإسرائيلي إلى الإطاحة به تحت وطأة الغضب الشعبي وخيبة الأمل، خصوصا مع احتمال تحميله مسؤولية الخسائر البشرية في صفوف الجنود وفشل إنقاذ الرهائن، ما يجعل العملية مقامرة سياسية قد تنتهي ليس فقط بخروجه من الحكم، بل بمحاكمته سياسيا وربما جنائيا إذا تحركت ملفات الفساد والمساءلة التي يخشاها.
بهذا تتحول خطة نتنياهو من مجرد “عملية أمنية” إلى مشروع استعماري جديد يعيد إنتاج النكبة بوسائل القرن الحادي والعشرين، وسط مشهد إقليمي ودولي يكتفي بالمشاهدة، أو يشارك في رسم السيناريو، بينما تبقى غزة وحدها في مواجهة الإبادة.