زينب الغنيمي تكتب من غزة: في غزّة فقط: مُعجزة العودة للحياة بعد الموت!

شهد قطاع غزة خلال الأشهر التي تكاد تُطبق على الستّة عشر أحداثًا ووقائع كثيرة وثّقتها الصحافة والمواطنات والمواطنين بالصوت والصورة والكلمة، بدءًا من أولى ساعات العدوان الصهيوني الهمجي وحتى يومنا هذا، حيث باتت معاناة الناس قصصًا وحكايا سيتردّد صداها للأجيال القادمة، سواء كان على مستوى القتل الوحشي الذي وصل حدّ تبخّر الأجساد وتمزّقها أشلاءً وحملها في أكياسٍ أو عُلبٍ لتُدفن في قبرٍ واحد، أو على مستوى تدمير البنى التحتية والفوقية، وتجويع الناس، والتهجير القسري والإذلال، وقسوة الشعور بالقهر بأنّا كنّا وحدنا في مواجهة كُلّ ذلك وبلا نصير.

ولكن بالوصول إلى المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار عمّ الفرح وانطلق عُرس عودة شلّال البشر ممّن نزحوا ونزحن قسرًا نحو الجنوب، حيث عاد ما يُقارب نحو سبعمائة ألفٍ الى مناطق غزة وشمالها، هذا عدا عن عودة عشرات الألوف إلى منازلهم ممن اضطروا للنزوح الداخلي سواء في مدن وقُرى الجنوب أو في مدينة غزة وشمالها.

كان الإحساس وما زال يفوق كُل وصف، وممّا تتوَّج على قمّة هذه الأفراح كان ظهور المئات من الأموات وعودتهم أحياءً على الأرض يُرزقون.

قالت إحدى الأمهات التي عاشت حُزنًا لا يُوصف على مدار عامٍ كامل، أنه أُغمي عليها عند رؤيتها لابنها في اليوم التالي لوقف إطلاق النار، وعند إفاقتها أخذت تتحسّسه كي تُصدّق بأنّه على قيد الحياة! وبالفعل، فإنّ أسماء أشخاصٍ كُثر ممّن فُقد أثرهم وسُجّلوا كشهداء عادوا للحياة مجدّدًا. هذه الوقائع تنفرد بها غزة دونًا عن المدن، وكأنّ الشائعة القديمة عن تحرّك شواهد القبور في غزّة أصبحت حقيقة، فيخرج منها الموتى أحياء، والتي دوّنها شاعرنا الراحل محمود درويش في قصيدة الخروج من ساحل المتوسّط “أرى صفا من الشهداء يندفعون نحوي”!

لقد حطّت الحرب المسعورة رحالها مؤقتًا، ما يزال الوجع يضرب برغم الفرح، فالعائدات والعائدون باتوا فرقتين، إحداهما اكتمل رِضاهم وهدوءهم النفسي إذ وجدوا البيوت أو بعضها في حالةٍ جيدة، فأقاموا فيها آمنين، أمّا الفرقة الأخرى وهي الأكثر تعدادًا فللأسف قد أضاعوا الطريق وما يزالون منهمكين في البحث عن بقايا ومواقع منازلهم التي جرّفتها آليات الاحتلال الصهيوني، واختفت معها جُثث أحبّتهم المفقودين والمفقودات، أو تحلّلت مع تعاقب الفصول والشهور تحت دمار المنازل. هؤلاء، يُدمي حالهم القلوب، ورغم فرحهم وفرحهنّ بالعودة لمُدنهم وقُراهم إلا أنّهم ما زالوا في حالة نزوحٍ بين مراكز الإيواء والمخيّمات، يذوقون من ويلات التشرّد دون معرفة ماذا سيحدث في اليوم التالي، وهل سيكون هناك أملٌ في تغيير الحال بأحسن منه، أم لا أمل تبقّى لهم!

وتبقى الأسئلة كبيرة وإجاباتها عالقة، كما هو الأمر مع مُعضلة ماذا سيحدث في اليوم التالي للوقف النهائي للعدوان؟

“زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار”

عن Atlas

شاهد أيضاً

بسام زكارنة يكتب : نقل الإسرائيليين إلى أمريكا وأوروبا بدلًا من تهجير الفلسطينيين: تصحيح للظلم التاريخي

في محاولة جديدة للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، طرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب اقتراحًا …