كشفت هيئة مكافحة الفساد ووزارة الاقتصاد عن مخالفات مالية خطيرة تمارسها شركتي كهرباء الخليل وكهرباء الجنوب، تمثلت في صرف مبالغ مالية لصالح البلديات ومنح تسهيلات ائتمانية طويلة الأمد دون ضمانات.
وتشير الكتب الرسمية التي حصلت عليها وكالة “معا” ووجهتها كل من هيئة مكافحة الفساد ووزارة الاقتصاد تتهم شركات الكهرباء، بتمويل رواتب موظفي البلديات عبر سلف متكررة، في تجاوز واضح للأنظمة المالية. كما نفذت البلديات عمليات سحب أموال مباشرة من حسابات الشركات دون وجه حق.
وعليه فقد وجهت الهيئة كتبا رسمية بعنوان “إجراءات احترازية عاجلة” إلى رئيس وأعضاء مجلس إدارة شركة كهرباء الخليل، وكذلك إلى نظرائهم في مجلس إدارة كهرباء الجنوب. كما أرسلت وزارة الاقتصاد الوطني، عبر مسجل الشركات، كتباً منفصلة تحمل عنوان “إشعار قبل إصدار قرار بالعزل المؤقت” إلى ذات المجالس.
وحذرت الهيئة من أنه في حال عدم التزام مجالس الإدارتين بتنفيذ المطلوب، فسيصار إلى اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم.
كما منحت الهيئة مهلة زمنية تمتد لأسبوعين أمام مجالس الإدارة لاتخاذ الإجراءات الكفيلة باستعادة الأموال المصروفة بغير وجه حق، مؤكدة أن عدم الالتزام سيعرض المعنيين للمساءلة القانونية.
وكانت البلديات قد استخدمت الاموال من شركات الكهرباء في الخليل والجنوب لسداد رواتب موظفي البلدييات وتغطية نفقاتها على حساب سداد قيمة الكهرباء للشركة المزودة ويرى مراقبون بأنه حال التزام الشركتين بالتعليمات المرسلة، فإن تداعيات ذلك ستنعكس بشكل سلبي على رواتب الموظفين لدى هذه البلديات، فمنذ سنوات وادارات المجالس المحلية المتعاقبة كانت تحصل على سُلف من الكهرباء لتوفير رواتب للموظفين رغم مخالفة ذلك للقانون.
تلك الاجراءات تأتي للحفاظ على استقلالية شركتي الكهرباء ماليا وإداريا. لكنها قد تجعل تلك المجالس عاجزة عن توفير رواتب موظفيها.
وطالبت هيئة مكافحة الفساد مجالس ادارة شركات الكهرباء بالتوقف فورا عن القيام بأي أعمال او ممارسات تؤثر على الوضع القانوني والاداري لشركة كهرباء الخليل وشركة كهرباء الجنوب، وبالنتيجة على المصلحة العامة.
وأمهلت الهيئة مجالس الادارة، اسبوعين، لاتخاذ الاجراءات اللازمة لاستعادة الاموال التي صرفت بغير وجه حق، وتحت طائلة المسؤولية.
وقالت الهيئة في كتبها للمجلسين:” عطفا على اعمال التحقيق الأولي الجارية طرف الهيئة، والتي تشير الى ارتكاب الشركة العديد من المخالفات المالية والقانونية والادارية، والمتمثلة في قيام الشركة بصرف مبالغ مالية لصالح البلديات المساهمة بها دون وجه حق، مما يشكل مخالفة لأحكام النظام الداخلي للشركة، وايضا قيام الشركة بمنح البلديات تسهيلات ائتمانية دون وجه حق، وفي المقابل فإن التحريات تفيد بأن الشركة تواجه عجز في الوفاء بالتزاماتها المالية اتجاه الغير، الأمر الذي ينذر بالتسبب في تبديد وإهدار المال العام وتهديد المركز المالي للشركة واساءة استعمال السلطة“.
كما طالت “الاجراءات الاحترازية العاجلة” مدير عام شركة كهرباء الخليل حازم النتشة ومدير عام شركة كهرباء الجنوب فارس مجاهد.
وطالبت الهيئة مدراء الشركتين المذكورتين:” الامتناع التام عن القيام بأي اعمال او ممارسات تؤثر على الوضع القانوني والمالي والاداري للشركتين، وبالنتيجة على المصلحة العامة، بما يشمل ذلك عدم صرف أية دفعات مالية نقدية لصالح البلديات (دورا، يطا، الظاهرية) وكذلك بلدية الخليل، وعدم صرف أية مبالغ كمساهمات مجتمعية لتمويل مشاريع او نشاطات من قبل الشركة، الا بعد التنسيق مع الهيئة وذلك تحت طائلة المسائلة القانونية”.
يشار ايضا الى ان مسجل الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني، ارسل كتبا الى رئيس واعضاء مجلس إدارة كهرباء الخليل ورئيس واعضاء مجلس إدارة كهرباء الجنوب، تحمل عنوان “اشعار قبل ارسال قرار بالعزل المؤقت“.
وجاء فيه:”تبين لنا وجود مخالفات تمس جوهر التزامات الشركة القانونية والادارية، ومنها: قيام البلدية المساهمة باجراء سحوبات مالية غير قانونية، وعجز الشركة عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الغير، مما ادى الى الاضرار بمركزها المالي“.
مسجل الشركات، أمهل مجالس إدارة كهرباء الخليل والجنوب مدة 14 يوماً لتصويب اوضاعها وتقديم الوثائق والبيانات دون تأخير ومنها: التقارير المالية المحدثة لدى الشركة، كشوف الحسابات البنكية الرسمية، تقارير مدققي الحسابات المعتمدين عن السنة المالية 2024، وبيان تفصيلي بآليات توزيع الأرباح ، إن وجدت.
وتابع في كتابه:”في حال عدم الالتزام بالمطلوب حتى تاريخ 2025/4/23، فسيتم اتخاذ الاجراءات المنصوص عنها في القرار بقانون بشأن الشركات، والتي تشمل اصدار قرار بالعزل المؤقت لرئيس واعضاء مجلس إدارة الشركة، وذلك دون الحاجة الى توجيه اي اشعار او انذار اضافي”.
البلديات تطالب الحكومة بسداد ديونها المتراكمة
وتعقيبا على هذه المراسلات، قال رئيس بلدية الخليل بصفته رئيساً لمجلس إدارة كهرباء الخليل تيسير ابو سنينة:” نطالب الحكومة بأن يتم معاملة كهرباء الخليل وبلدية الخليل كملف واحد في الذمم المالية بيننا وبينهم، والبلدية تمتلك شركة كهرباء الخليل”.
وأكد استعداد البلدية لحل الملفات المالية مع الحكومة وخاصة وزارة المالية والبدء في حل الذمم المالية لدى الطرفين.
وقال في هذا السياق:” الحكومة تقول لديها ديون على بلدية الخليل وشركة الكهرباء، ونحن نقول لدينا ديون متراكمة على الحكومة، ونحن جاهزون للجلوس على طاولة الحساب، حتى يأخذ كل ذي حق حقه ونبريء الذمم، على أرضية ان بلدية الخليل وكهرباء الخليل ملف واحد”.
والمح ابو سنينة، الى انه في حال فشلت الجهود التي تبذل، فإنه سيقوم بعقد اجتماع عام مع المجتمع المحلي في الخليل، وتقديم استقالته.
من جانبه قال عضوا مجلس إدارة كهرباء الجنوب في احاديث منفصلة مع مراسلنا:” ان تلك المراسلات تأتي للضغط علينا، حيث عرضت علينا الحكومة في وقت سابق الاقتراض من البنوك وبضمانها، لسداد الديون، لكننا رفضنا هذا المقترح”..وهذا المقترح عرض ايضا على كهرباء الخليل ورفضته، فيما التزمت به شركة كهرباء القدس.
ووفقا لهما :”الديون المتراكمة على الكهرباء والبلديات، هي إرث من المجالس السابقة، وقد فاقم الامر التراجع الاقتصادي الذي تشهده فلسطين وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة بعد السابع من اكتوبر 2023، وهذا أثر كثيرا على ايرادات الكهرباء والبلديات، كما أثر على ايرادات الحكومة”.
وأضاف:” نحن مستعدون للجلوس على طاولة الحوار للحساب مع الحكومة بشرط ايجاد آليات وأدوات لزيادة تحصيل الديون للجميع، مع مراعاة الظروف الاستثنائية التي يمر بها ابناء شعبنا”.
وقالا:” في حال نفذ ما جاء في المراسلات، فإننا كممثلين عن الهيئات المحلية، لن نتمكن من دفع رواتب موظفينا بالكامل، وسيكون حالنا كحال الحكومة مع موظفيها”.
وعلم مراسلنا، بأن نقابات موظفي الهيئات المحلية في محافظة الخليل، سيعقدون اليوم الثلاثاء، اجتماعاً للخروج بتوصيات وافكار تساهم في تقليل الفجوات بين الحكومة والهيئات المحلية وشركات الكهرباء.
عضو اللجنة العشائرية العليا في فلسطين الشيخ نافذ الجعبري، قال:” نحن مع استقلالية شركات الكهرباء ماليا واداريا، ومع وقف استنزافها من قبل الهيئات المحلية، ويفترض بأن يتم في نهاية كل عام مالي توزيع ارباح شركات الكهرباء على المساهمين فيها، وهو اجراء قانوني”.
واضاف:” المراسلات، جاءت في وقت غير مناسب، وعلى الحكومة ايجاد آليات تساعد شركات الكهرباء والبلديات على زيادة التحصيل، والجميع يدرك الازمة المالية التي يمر بها ابناء الشعب الفلسطيني”.
وطالب الجعبري وزارة المالية بسداد الديون المترتبة عليها للهيئات المحلية وشركات الكهرباء…فعلى سبيل المثال يواجه المستشفى الاهلي في الخليل، أزمة مالية خانقة بسبب تراكم ديون وزارة الصحة والتي تزيد عن 220 مليون شيكل، في حين ان ديون المستشفى لشركات التوريد تزيد عن 170 مليون شيكل، وحال هذا المستشفى كحال بقية المستشفيات الخاصة في فلسطين”.
كما طالب المستشار الاقتصادي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة محافظة الخليل أحمد حسونة، بضرورة فتح حوار جدي بين الحكومة والهيئات المحلية وشركات الكهرباء، والخروج معا بآليات تسهم في سد العجز المالي الذي تعاني منه الحكومة والهيئات المحلية وشركات الكهرباء، مع الأخذ بعين الاعتبار الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه فلسطين بسبب الاجراءات التي تمارس من قبل حكومة الاحتلال.