اطلس:يتسبب التأخير في نظر الدعاوى، أو تعطيل سيرها بأضرارٍ بالغةٍ على قطاع العدالة والمواطنين، ويهدد السلم الأهليّ في المجتمع، وقد واجهت العدالة في فلسطين نكسات كبيرة تمثلت بالإغلاقات الكونية نتيجة لجائحة كوفيد-19، وما تبع ذلك من إغلاقات للمدن والمحافظات الفلسطينية، بالإضافة إلى الإضرابات النقابية، والتوترات التي طرأت على عمل مؤسسات قطاع العدالة، وكان لها أثر كبيرٌ على سير العمل في المحاكم النظامية.
وقد حاول القضاء الفلسطيني بكل الطرق الممكنة متابعة الدعاوى وعدم تعطيل سيرها، وخاصة (الدعاوى التي تنظر تدقيقاً)، فظهر ذلك الإنجاز الكبير للمحكمة العليا/محكمة النقض، التي قامت بفصل آلاف الدعاوى المنظورة أمامها. إلا أن الواقع المذكور عطل تحقيق قواعد العدالة الناجزة التي يعمل لأجلها مجلس القضاء الاعلى، ويسعى إليها بالعمل الدؤوب مع مجموع القضاة.
وما إن نهض القضاء وبدأ بالتعافي من نتائج تلك الجائحة العالمية والأحداث المذكورة؛ حتى بدأت حرب الإبادة على المحافظات الجنوبية في قطاع غزة، وتبعتها حرب غير معلنة في المحافظات الشمالية من الوطن، وخاصة محافظات جنين وطولكرم وطوباس حيث تأجلت 33586 قضية في تلك المحاكم حتى تاريخ 15/04/2025، جراء الإغلاقات القسرية للمحاكم التي تفرضها قوات الاحتلال خلال اجتياحاتها للمدن المذكورة، أو العمل بالحد الأدنى للحالات الطارئة.
وقد بلغت القضايا المؤجلة في محكمتي بداية جنين وطولكرم 8092 قضية، وفي محاكم صلح جنين وطولكرم وطوباس تأجلت 19593 قضية، بالإضافة إلى 4951 من قضايا وطلبات التسوية. هذا عدى عن عشرات آلاف الدعاوى التنفيذية والتي تعطلع اجراءات التنفيذ بها، والتي يحتاج تنفيذها الى مساعدة أو مساندة القوى الشرطية اللازمة.
وقد تأثرت قضايا الأحداث التي يوليها مجلس القضاء الأعلى اهتماماً كبيراً، نظراً لخصوصيتها وخصوصية قانون الاحداث الناظم لها، باعتبار انها طريق للاصلاح لا طريق للعقاب، فقد بلغ مجموع قضايا الأحداث المؤجلة في المحاكم المذكورة 600 قضية، مما أثّر على الضمانات التي كفلتها القوانين الدولية للأحداث ومن أبرزها الحق بالوصول إلى العدالة بصورة مستعجلة وناجزة.
وتضررت حقوق 52347 مواطناً هم أطراف الدعاوى المذكورة من واقع الاحصائيات الرسمية منذ تاريخ 30/1/2025 وحتى تاريخ 10/4/2025، مما يرفع عدد المتضررين منذ بداية العدوان على مدن الشمال إلى 66334 مواطنة ومواطناً، وعدد القضايا المؤجلة إلى 36,223 قضية.
يذكر أن محكمتي جنين وطولكرم تعملان بالحد الأدنى بسبب الظروف الأمنية الخطيرة التي فرضها الاجتياحات على المدن المذكورة، وحالة التدمير الواسعة في المدينتين التي شملت أجزاء من بنايات المحاكم، كما حدث في مدخل محكمة طولكرم، حيث قامت جرافات العدوان الإسرائيلي بهدم مدخلها، وكذلك الأمر حالة الدمار والتخريب للواجهة الأمامية لمحكمة جنين، والتي رافقها الرصاص العشوائي الذي أصاب جدرانها ونوافذها وسبب خراباً كبيرا بها. وتقع كلتا المحكتين ضمن الطرق التي تسلكها مركبات الاحتلال أثناء دخولها وخروجها من المدينتين، ومخيماتهما.
أما في محكمة صلح طوباس، وعلى الرغم من كثرة حالات الاقتحام لمدينة طوباس، إلا أن تقطيع أواصر الطرق المؤدية إلى باقي المحافظة والتي تشمل أجزاءً من الأغوار الشمالية، ولوجود حاجزين عسكريين أحدهما تم إغلاقه بشكل كامل وهو حاجز (تياسير)، وحاجز (الحمرا) الذي يشكل عبوره على محضري المحاكم وموظفيها والمتخاصمين أمام القضاء، معاناة كبيرة وإعاقات تمتدّ لساعات طويلة، مما يتسبب بفوات المواعيد، وإطالة إجراءات التقاضي بسبب عدم الحضور، خاصة أن بعض القرى والتجمعات تقع خلف تلك الحواجز دائمة الإغلاق والإعاقة.
أما في بقية محاكم المحافظات الشمالية (محافظات الضفة الغربية) يعاني المواطنون والقضاة والإداريون العاملون في المحاكم من صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحاكم نتيجة للحواجز العسكرية، وتتعرض سلامتهم للخطر بالاضافة الى حالات توقيف بعض السادة القضاة على الحواجز العسكرية المحيطة بالمدن والقرى، وتفتيش سياراتهم، وحقائبهم التي تحوي ملفات الدعاوى، بالإضافة إلى استهداف قوات الاحتلال لمنازل عدد من القضاة.
ويرى مجلس القضاء الأعلى بوجوب استمرارية العمل في كافة المحاكم مع مراعاة الظروف الامنية ضمن تلك الحالات، حيث أوكل أمر تقدير هذا الأمر لرؤساء المحاكم بعد التنسيق مع رئيس مجلس القضاء الأعلى.
كل ذلك بهدف الاستمرارية في تقديم الخدمات القضائية الشاملة لجمهور المواطنين من مراجعي المحاكم، والتي تشمل توثيق العقود لدى كتاب العدل وتسجيل الدعاوى المدنية والتنفيذية والجزائية وتوثيق المصالحات والتسويات، بالإضافة إلى عمل محاكم التسوية لما تشكله من حالة ضرورة وطنية تتعلق بملكية الأراضي، وفض المنازات المتعلقة بها.