اطلس:كتب اسماعيل جمعه الريماوي: لا تعود النكبة الفلسطينية إلى عام 1948 كحدث منقطع في الزمن، بل تحضر كجرح مفتوح ومشهد يتكرر بصيغ شتى في كل بقعة يعيش فيها اللاجئ الفلسطيني، وخصوصاً في المخيمات. في الذكرى السابعة والسبعين، لا تحتاج النكبة إلى أرشيف أو صور قديمة لتُستحضر، بل يكفي النظر إلى ما تتعرض له المخيمات من اجتياحات وقصف وتدمير وحصار، لتفهم أن النكبة مستمرة، وأن مشروع التهجير لم يتوقف لحظة واحدة. وكأن هذه البقاع التي أقيمت ذات يوم كحل مؤقت لأزمة لاجئين، قد صارت مسرحاً دائماً لمعادلة قائمة على الإبادة البطيئة، والاقتلاع الممنهج، والإذلال اليومي.
من جنين في الضفة الغربية إلى عين الحلوة في لبنان، ومن اليرموك في سوريا إلى رفح في قطاع غزة، يتكرر المشهد نفسه: اجتياحات عسكرية، طائرات ودبابات، تهجير داخلي، وخسائر جسيمة في الأرواح والمنازل والبنى التحتية. وبينما كان اللاجئ الفلسطيني ينتظر منذ عقود حلاً يعيد إليه أرضه المسلوبة، صار الآن يواجه سؤال البقاء في المخيم، أو الهروب من جحيمه إلى مجهول أكثر قسوة. وهكذا، تحولت المخيمات إلى ساحات معركة تُمارس فيها إسرائيل ومن يساندها أبشع أشكال الضغط والابتزاز الإنساني والسياسي، وكأنها تقول للفلسطيني: حتى ملاذك المؤقت لن نتركه لك.
المخيمات لم تعد مجرد مأوى للفقراء والمحرومين، بل باتت خطوط تماس وصراع مفتوح مع مشروع التصفية. في كل اجتياح تتكشف خريطة جديدة من الأهداف: ضرب اي مقاومة ، كسر الإرادة الجماعية، تفكيك الهوية الجمعية، وتحطيم ما تبقى من رمزية للثبات والبقاء. فالمخيم ليس مجرد تجمع سكني، بل هو ذاكرة ناطقة بالنكبة، وهوية متجذرة في الحلم بالعودة، ولهذا يُستهدف. ومن هنا نفهم لماذا تتحول هذه البقاع الفقيرة إلى أهداف متكررة، ولماذا تتعامل معها الآلة العسكرية الإسرائيلية كعدو وجودي.
ورغم الفقر والحصار والخذلان، ظل المخيم رقعة مقاومة، تولد فيها الانتفاضات، وتتشكل الخلايا الأولى للمواجهة، وتُربّى أجيال لم تفقد بوصلتها رغم كل شيء. غير أن الاستهداف المتواصل لهذه المساحات يجعل من صمودها أمراً بالغ الكلفة، ويضع مصير سكانها في مهب الريح، وسط عجز عربي، وتواطؤ دولي، وصمت أممي يخدم سياسة التهجير الجماعي المستمرة بوسائل أقل صخباً من النكبة الأولى، لكنها لا تقل فتكاً وتأثيراً.
ختاماً، فإن ذكرى النكبة لا تعني فقط استذكار لحظة اقتلاع أولى، بل قراءة واعية لمسلسل طويل من الاستهداف والتجريف، وفي قلب هذا المسلسل تأتي المخيمات كعناوين حية لواقع النكبة الممتد. من لم يُقتل برصاصة يُطرد بالحصار، ومن لم يهدم منزله تُحاصر أحلامه، وبين الاجتياح والتهجير تبقى النكبة مستمرة، لا كذكرى، بل كواقع يعيشه اللاجئ كل يوم، بينما يقاوم لا لكي يعود فحسب، بل لكي يبقى.