سيف عبد الجليل يكتب : الأسرى في سجونِ الاحتلال يواجهون الأهوال لكنهم لا يُكسرون

اطلس:منذ بداية هذه الحرب الوحشية على قطاع غزة والضفة الغربية في السابع من أكتوبر من عام ٢٠٢٣، والتي بدأت بعد وضع المقاومة الفلسطينية نُصب أعينها نحو تحرير الأسرى الفلسطينيين من كيد سجون الاحتلال كهدف من الأهداف التي تم إدراجها على رأس هرم أولويات المقاومة، أصبح اضطهاد الأسرى الفلسطينيين هي وسيلة من الوسائل الرئيسية البربرية لتجسيد السَّخَط والحقد الصهيوني على موقف المقاومة

ففي كل يوم منذ ذلك اليوم، أصبح هنالك حالات اعتقال للعشرات، من ضمنهم نساء وأطفال وشيوخ في كثير من الحالات، وتعذيب وتجويع وإهمال طبي وصحي وقتل ممنهج، والعديد من حالات الاغتصاب التي تم توثيقها بعدة طرق مقصودة وغير مقصودة، للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال حيث وصل عدد حالات الاعتقال منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا إلى 17000

في اللحظة الراهنة، هنالك أكثر من 10000 أسير وأسيرة بين سجون ظروفها أصعب من بعضها البعض، منهم 300 محكوم بمدى الحياة، و400 طفل، و35 امرأة، والمئات من ذوي الأحكام العالية، وقُرابة السبعون ممن قتلوا في السجون منذ بداية حرب الإبادة. وإذا حدّقنا في قطاع غزة بكل عناصره الإنسانية والجيوسياسية الآن، فسنستدل على مشهد واضح وظاهر يدل على أن قطاع غزة قد تحوّل إلى أكبر سجن ومعسكر اعتقالا وإبادة وتطهير عرقي في التاريخ… قُضبان جوية وأرضية ومائية تُبقي 2.3 مليون إنسان في الأسر والجوع والعطش والأمراض الجسدية والموت أو الإحباط والأمراض النفسية. في معسكر الاعتقال والإبادة الذي يسمّى غزة، هنالك 2.3 مليون إنسان ينتظرون حلول السماء في زمن نفذت به حلول الأرض. في سجن قطاع غزة، ليس هنالك أي شيء من الأشياء الدنيوية التي تؤنس السجين الغير فلسطيني في سجنه… لا وجبة يومية، ولا حبة دواء وكأس ماء، ولا رقود في هدوء الزنزانة، ولا راحة على الفراش والوسادة، ولا أمل مُطلق بعدم اقتحام الزنزانة أو إبقاء سقفها مرفوع عن قفصه الصدري.

ما يكابده الأسرى الفلسطينيين من أهوال سجون الاحتلال الآن أمسى متطابق لدرجة كبيرة، وأعني بذلك كل السجون، مهما اختلفت طبيعتها الهيكلية والجغرافية، وذلك يعود إلى تطابق عناصر السجّان وأساليبه المريضة. فسجن عوفر لا يختلف كثيراً عن سجن الدامون، وسجن النقب لا يختلف كثيراً عن سجن ريمون، وأي سجن من سجون الاحتلال الكثيرة لا تزيد ظروفه بشاعة عن ظروف سجن غزة الآن.

في كافة سجون الاحتلال في آخر 18 شهر، من ضمنها سجن غزة، تنتشر الأمراض الخبيثة بين الأسرى دون وقاية ولا علاج، وهناك مجاعات مدروسة تجعل حياة كل أسير على المحك، وهناك ظروف مصممة لبناء حالات عامة من الأمراض النفسية العضال، مثل متلازمة اضطراب ما بعد الصدمة. وكل هذه الانتهاكات العديدة تجتمع تحت أصل واحد، ألا وهو التجريد الذهني الفاشي من طرف المحتل لإنسانية الأسير الفلسطيني، والإصرار العقائدي على ضرورة وجود صراع متواصل بين جسده وروحه، وهيكله ووجدانه، وغرائزه وضميره، وحقه وباطله.

إضافة إلى كل الإحصائيات الدقيقة التي ذَكَرت، والتي في متناول كل إنسان في العالم، ألا إن هنالك الكثير من الأسئلة الإحصائية التي لا يُلقي لها العالم بالً فيما يخص الأسرى ونضالهم من أجل البقاء على قيد الحياة. ومن هذه الأسئلة الإحصائية المجهولة والغير مُستَكشَفة من قِبَل الإنسان؛ هل للأسير أب وأم يَتَحرّقان شوقاً لرؤيته؟ هل للأسير إخوة وأخوات ينظرون إلى بعضهم البعض في كل مرة يجتمعون وحال لسانهم يقول “ينقصنا فلان”؟ هل للأسير زوجة وأولاد ينتظرون ولي أمرهم للعودة إلى رأس عمله الإنساني الطبيعي المجرد؟ هل للأسير الفارس ملكة تنتظر مجيئه إلى بيت أبيها على حصانه لخطبتها؟ هل للأسير أصدقاء ورفقاء صاحبوه في سنوات طويلة من الذكريات الحلوة والمُرة؟ هل للأسير مواهب وهدايا إلهية يمكنه توظيفها في نَفع الإنسان؟ هل للأسير أماكن يحن شوقاً للعودة إليها أو أماكن جديدة يتوق لبناء حياة مثمرة فيها؟ هل للأسير هوايات وفنون يتمتّع في ممارستها خارج السجن؟ هل للأسير لحن مفضّل يَوَدّ عزفه على آلته الموسيقية المحبوبة يوماً ما؟ هل للأسير طعام مفضّل يتمنى أن يطبخه بيديه أو أن يأكله بيدي أحد ما في يوم ما؟ هل للأسير كينونة واسم دون رقم يُكتب على بجامته الرثة في السجن؟ هل للسجين من ينصره دون الله في ملكوته الأعلى؟… وأسئلة أخرى وثّابة فوق كونها إحصائيات وأرقام نحو البحث الجاد والمهتم في أعماق الفكر والحس والعاطفة للإنسان النزيه والشريف.

إذا إرتقى بصر الإنسان وبصيرته في النظر حول قضية الأسير الفلسطيني، فإنه سيبصر في الناحية المرادفة لهذا الكفاح الإنساني الصامد ما هو أنبل من كل أنواع الحرية التي يمكن أن يعيشها الإنسان في هذه الحياة الفانية. فعندما يَنعم الأسير الفلسطيني بحريته، فإنه لا يشعر بطعم دنيوي للمتعة التي يشعر بها باقي البشر حينما ينالوا أي نوع حرية، بل يستشعر بما هو أكثر تفرّداً وامتيازا؛ وذلك لنصره الحتمي والمؤكّد والمبشّر من القوة العليا الفوق بشرية. الأسير الفلسطيني لا يخسر، إنما في حالة انتصار أبدي لن ينعم به سجّانه ومضطهده للحظة عابرة واحدة. الأسير الفلسطيني لا يخسر، إنما بِعَيشه يقهر الظلّام، حتى لو لم يكن ذلك العيش هنيئاً… وبموته يبني جسراً يُفضي إلى الأفق الروحاني الأبدي الذي شُيّدَ من أجله. الأسير الفلسطيني لا يخسر، ولا يحتاج من المتخاذلين أن ينصرونه طالما موجود بحقٍ من ينصره ولا يخذله في أي لحظة كانت… حتى في عُمق زنزانته وفي أشد معاناته.

عن Atlas

شاهد أيضاً

اعتراف نتنياهو وجريمة التطهير العرقي في غزة

كتب إسماعيل جمعة الريماوي: في واحدة من اللحظات التي تتجلى فيها طبيعة المشروع الصهيوني العاري …