كتبت جنى الطباخي: جدار غير مرئي يلتهم دقائق الحياة اليومية، فيصبح الوقت رهينة طرقات مقيدة، أحلام مؤجلة ترفض زعم “درويش” حين قال سنصير يومًا ما أريد… لا الرحلة ابتدأت ولا الدرب انتهى…
كيف نصير ما نريد و ملامح الدرب ترتسم معالمها على خطوط المجهول؟ إننا يا درويش، بدأنا الرحلة ورحنا نتيه في نهايات الدرب، فكان سراباً، حسبناه ماءً لشدة ظمأنا، موعداً قد يحول بين مصير وقرار، موت وحياة، دقائق باتت ساعات ضائعة تفصلنا عن امتحان سيحدد نتاج تعب فصل كامل من المشقة والتعب!
في فلسطين، لا يبدأ الطريق متى شئنا، فوجهتنا مُختارة نترنح بينها بحثًا عن متنفس، ربما يعيدنا حيث أتينا. وجهتنا مسلوبة بين حاجز تفتيش وانتظار.
الزمن رهينة الانتظار
كنا في مدارسنا، نرسم الطريق مستقيم، مخضر، نهايته تكاد لا تتعدى صغر الورقة، نردد في درس اللغة العربية: “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” ماذا لو جعلت الحواجز التي تنبت على الطريق من السيف أنياباً تمزقنا؟ سيف الوقت باتت تقطعه أشواك الانتظار، وتدهسه نقطة تفتيش، وتعيقه بوابة مغلقة، ينتظر العبور إلى المحطة الثانية، فيدور في دوامة الوصول واللاوصول!
من الزمامير إلى الحاجز: رحلة بين طول الزمان وقصر الطريق
على أعتاب مداخل الخليل، حيث تصطف السيارات ويعلو صوت “الزمامير” محلقاً على تنهيدة سائق ظل يناظر ساعته، فيقتصر الدرب على تلك الساعات التي لا نملك فيها سوى التحديق بالحاجز، وتلك الوجوه التي ارتسمت على ملامحها ذبول الروتين، تصحو وتغفو على مزاج جندي أغلق الطريق ساعة، ثم فتحه خمس دقائق بعدما تراكمت السيارات تعيق حركة المستعمرين، وأمر أصدر في لحظة بعد انتظار طويل، إغلاق مدخل “رأس الجورة” وفتح “مدخل فرش الهوا”، فيغلق بعد حين، كلعبة ترسم وجهتنا دون إذن أو تحذير، في سبيل المرور إلى بيت لحم التي تبعد القليل من الأميال، والكثير من الأفكار والصراعات، ما بين انتظار البوابة ودقات الساعة تلتهم الأفكار أركان عقولنا، بين حاضر ضائع ومستقبل مجهول، ذكرى وحنين لشارع عادي ليس يلوثه قيد، نمضي سارحين في انتظار قرار قد يقتل تنفيذه الوقت، فرصة ضائعة تسكنها لحظة تحدد كنهها، فالوقت، هنا، يخلق مسارات جديدة يحلق فوقها واقع لم نستسلم له يوماً، وأننا لا زلنا نتبع وجهتنا بكل حزم علنا نصل مبتغانا وإن قطَعنا سيف الوقت فليلاً، نردد في أحلامنا قول درويش “ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا…”
لكن، ما بين الخليل وبيت لحم نجد أنفسنا في تساؤل ملح إن كنا مجرد حكاية تحددنا أزمان و أمزجة و أمر يرفض التبديل؟ نزرع على أعتاب الزمن المؤجل حلماً يرفض التأجيل، كطائر العنقاء يبعث من رماد انتظاره فيحلق متحدياً الحاجز ومسافة الأزمان.