الدم الفلسطيني على موائد التطبيع

اطلس:كتب اسماعيل جمعه الريماوي: غزة تُباد، هذا ليس عنواناً مُبالغاً، ولا صرخةً في فراغ، بل حقيقة تُدوَّن كل يوم على أجساد الأطفال، وعلى جدران البيوت المنهارة، وعلى وجوه الأمهات اللواتي فقدن كل شيء ، هناك لا يُعدّ الشهداء بالأرقام، بل يُدفنون جماعات تحت التراب لأن لا وقت للوداع، ولا قدرة على دفنٍ لائق، فالحرب هناك لا تمنح مهلة للحياة.

ولكن في خضم هذا الجحيم، لا يقف العرب متفرجين فقط، بل بعضهم يتقدم الصفوف، لا لنصرة المظلوم، بل ليصافح القاتل ، يتسابقون إلى موائد التطبيع كما يتسابق الذئاب إلى وليمتها، يمسحون أيديهم من دماء فلسطين بأوراق الاتفاقيات، ويضعون أختام الخيانة على ورق أبيض ملوث بلون الدم.
أي زمن هذا الذي صارت فيه المذبحة مجرّد خلفية لابتسامة رسمية؟ أي قسوة تلك التي تجعل من صراخ الأطفال في غزة موسيقى لا تُسمع في قصور العرب؟ أي سقوط أخلاقي بلغناه حين تُفتح أبواب العواصم لاستقبال من يمارس الإبادة على الهواء مباشرة؟
لم تعد الخيانة في السرّ، ولا الخذلان يختبئ وراء ستار من الأعذار، لم نعد نتحدث عن عجز، بل عن تواطؤ، عن أنظمة تسعى لإرضاء القاتل، حتى لو كان الثمن هو بقاء طفل وحيد يصرخ تحت الأنقاض ولا يجيبه أحد، أنظمة لا تخجل من حضور حفلات السفاح، بينما جثث الأطفال الفلسطينيين تتناثر كأنها أشياء لا تستحق الحياة.

غزة لا تموت فقط من القصف، بل من الخذلان ، تموت حين ترى صمت “الأشقاء” يعلو على صوت استغاثتها، تموت حين يُكافأ القاتل لا بالعقوبة، بل بالاحتفاء، تموت حين تتحوّل المقاومة إلى تهمة، والركوع إلى “حكمة سياسية”.
لكن رغم كل شيء، ما تزال غزة تقاوم، تقاتل ليس فقط الاحتلال، بل تقاوم الشعور بالغربة في أمة خانتها، وتقاوم اليأس الذي يحاول أن يتسلل إلى قلوب أبنائها، وتقاوم الجوع والخذلان ، تقاوم كي لا تموت الكرامة، وكي يبقى في هذه الأرض ما يستحق الحياة.

فيا من طبعتم مع القاتل، ويا من صمتّم عن المجزرة، ويا من حسبتم أن فلسطين ستُمحى من الذاكرة مقابل بعض الامتيازات، اعلموا أن التاريخ لا ينسى، وأن الشعوب لا تُخدَع طويلاً، وأن غزة، وإن كانت محاصرة، تحمل في وجعها ما يكفي لفضحكم جميعاً.
وإن كنتم قد نسيتم معنى الحياء، فعودوا إلى أول الدرس: “إذا لم تَستَحِ، فاصنع ما شئت”… لكن تذكروا، ما يُصنع اليوم بالخيانة، سيُحاسَب غداً بالعار، وسيُكتب في صفحةٍ سوداء من تاريخٍ لن يرحم.

عن Atlas

شاهد أيضاً

اسماعيل الريماوي يكتب : جوعٌ لا ينكسر.. غزة تموت ببطء والعالم يبتلع صمته

اطلس:اليوم من أصعب أيام الحرب، ليس بسبب القنابل التي تسقط من السماء، ولا الطائرات التي …