كتب فادي البرغوثي: حين يخرج الكبار من ظلمة الزنازين، لا يخرجون كما خرج غيرهم بل يخرجون محمّلين بما يشبه النبوءة.
هكذا أطّل نائل البرغوثي على العالم، لا كما يطلّ رجل أنهكه السجن، بل كما يطلّ ضوءٌ من قلب العتمة، حاملًا خلاصه الخاص، وقيمه التي لم تهزمها الزنازين.
المناضل نائل البرغوثي لم يكن في حديثه في “بوديكاست جسر” صوت الضحية، بل نبرة المربي الذي علّم الأيام أن تنحني أمام الإرادة، والذي علّم الجدران أن تنهار حين تصمد القيم.
قال عن كوكاكولا “لم أتذوقها في حياتي، لا لأنها مُضرّة فحسب، بل لأنها أمريكية وشركة مجرمة وأنا أقاطع المُجرمين.”
أيّ وجدان هذا الذي ظلّ نقيًا أربعًا وأربعين سنة، ورفض أن يُصافح طعمًا استعماريًا حتى لو كان في زجاجةٍ باردة في زنزانةٍ لاهبة؟
قالها وكأنه يُلقّن جيلًا بأكمله درسًا في الكرامة
“الحرية لا تبدأ من الجدران، بل من الداخل… من أن تقول لا، حتى وأنت مكبلٌ بالسلاسل.”
ولم يكن حديثه عن السجائر أقل بلاغة. لم يدخن، لأن السجائر في السجن تبيعها شركة إسرائيلية تتبع للجيش، ولأن الجيب المقاوم لا يموّل المحتل، ولو بحفنة دخان.
أراد أن يعيش جسده نقيًا كما روحه، لا يُقايض لذةً بلعنة، ولا يشتري من عدوه حتى سيجارة واحدة
المناضل، كما أراده نائل، أن يواجه الاحتلال بالسلاح وغير السلاح، حتى في التفاصيل … في الملعقة، في القميص، في فنجان القهوة، وفي طقوس الحياة التي يُصرّ الاحتلال أن يستعمرها مثلما يستعمر الأرض.
نائل البرغوثي لم يخرج ليطلب شيئًا… بل خرج ليُعلّمنا من جديد أن الكرامة ليست موقفًا مؤقتًا، بل نمط حياة.
فأن تكون حرًا… يعني أن تحرّر نفسك من كل ما يمدّ الاحتلال بحياةٍ منك