حين هتف العالم لغزة… وخذلها الأشقاء

كتب اسماعيل الريماوي: في كل قارات الأرض تقريبًا، من شوارع العواصم الأوروبية إلى الميادين الأمريكية، الى استراليا و جنوب أفريقيا حتى في سيول بكوريا الجنوبية إلى طوكيو في اليابان، ارتفعت الأعلام الفلسطينية وهتفت الحناجر باسم غزة، مشاهد لم تكن يومًا مجرد صور عابرة بل كانت شهادة على أن قضية فلسطين ما زالت حيّة في ضمير الشعوب، مهما ابتعدت المسافة واختلفت اللغات والثقافات، كان المشهد استفتاءً عالميًا على أن العدالة لا تعرف حدودًا، وأن المظلوم يجد من يرفع صوته عنه حتى في أقاصي الأرض.

لكن في المقابل، كانت خريطة العالم العربي على نقيض هذه الصورة تمامًا، صمت رسمي مريب وميادين فارغة، إلا من العيون المترقبة وأجهزة الأمن المستنفرة، وكأن غزة ليست جزءًا من الجغرافيا العربية ولا الدم العربي، لم تتحرك العواصم العربية إلا في اتجاه واحد هو منع أي فعل شعبي يعكر صفو التحالفات الخفية مع الاحتلال، حتى في رام الله ونابلس وبيت لحم،  الأشقاء التي يفترض أن يقتسمون مع غزة الخبز والدم، أُغلقت شوارعها أمام المظاهرات، وتحوّلت وكأنها لسيت من هذا الوطن تحرس بصمت السلطة وتكمم الأفواه.
سلطة أوسلو التي صنعت من نفسها حارسًا أمينًا لأمن الاحتلال، وجدت في هذه اللحظة فرصة أخرى لإثبات الولاء ، فالمعادلة لديها واضحة: كل ما يغضب العدو يُمنع، وكل ما يرضيه يُنفذ، وكأنها تعيش في معزل عن شعبها وعن الجرح الفلسطيني الذي يتسع كل يوم، أما النظام في دول الاعراب ، فقد تماهى مع هذا الموقف، في هروب جماعي من المسؤولية، حتى بدا المشهد وكأن غزة تعيش على كوكب آخر، كوكب لا يصل إليه صوت الاعراب إلا في بيانات جوفاء تعبرعن القلق والدعوة إلى التهدئة.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد تخاذل أو صمت، بل هو فصل جديد من فصول الانفصال الروحي والسياسي بين الأنظمة العربية وشعوبها، غزة بالنسبة لهذه الأنظمة عبء يجب التخلص منه، أو على الأقل تركه ينزف حتى يسكت إلى الأبد، أما الشعوب التي ما زالت تنبض بالضمير، فهي التي تخرج في لندن وباريس ونيويورك وسيدني وكوالالمبور وطوكيو، بينما تُكمم في عواصم العرب ، وكأن الحرية أصبحت سلعة مستوردة من الخارج، ممنوعة من التداول في أسواق العرب.
وغزة، وحدها تواجه الحصار والجوع والموت،  تصرخ وحدها ، لأن صوتها أصبح اليوم أكثر عروبة في شوارع أوروبا منه في أزقة العواصم العربية، وهذه هي مأساة الأمة، أن تنكسر البوصلة إلى هذا الحد، حتى يصبح الغريب أقرب إلى الحق من القريب .
وغدًا، حين يسألنا التاريخ أين كنتم يوم كانت غزة تُذبح أمام أعينكم، سيُكتب أن أحرار العالم حملوا علمها في ميادينهم، بينما جلست عواصم العرب على مقاعد العار، تمنع شعوبها من البكاء علنًا، وأن رام الله، التي يفترض أن تكون قلب فلسطين النابض، اختارت أن تكون بوابة مغلقة في وجه الوجع، وأن غزة، رغم وحدتها، وقفت شامخة تصنع بدمها ما عجزت عن صناعته أمة كاملة، لتصرخ في وجه الجميع: أنتم من تخليتم، وأنا من بقيت

عن Atlas

شاهد أيضاً

اسماعيل الريماوي يكتب : احتلال غزة.. تهجير.. ام بقاء سياسي.. مقامرة نتنياهو الأخيرة

اطلس:في خطوة تكشف حجم المأزق السياسي الذي يعيشه بنيامين نتنياهو، صادق الكابينت الإسرائيلي على خطة …