اطلس:قال مركز “شمس” أن اليوم العالمي للشباب يأتي هذا العام في ظل واقع فلسطيني بالغ التعقيد، حيث يعيش الشباب الفلسطيني بين مطرقة الاحتلال الإسرائيلي المستمر بممارساته القمعية وانتهاكاته الممنهجة، وسندان الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية التي تحد من قدراتهم وإمكاناتهم. وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالشباب ويعترف بدورهم كمحرك أساسي للتغيير والتنمية المستدامة، يجد الشباب الفلسطيني نفسه أمام تحديات غير مسبوقة، تتعلق بحرمانه من أبسط حقوقه المدنية والسياسية، وانحسار فرص المشاركة الفاعلة في صناعة القرار، وتراجع مساحة الحريات العامة،وتضييق الحيز المدني الذي يعد الإطار الحاضن لمبادراتهم ومساهماتهم.جاء ذلك عبر بيان صحفي أصدره مركز “شمس” بمناسبة اليوم العالمي للشباب الذي يصادف 12/8/ من كل عام .والذي اعتمدته الجمعية العامة الأمم المتحدة بقرارها رقم(64/134)،عام2009.
وأوضح مركز “شمس” في اليوم العالمي للشباب، أن الشباب الفلسطيني يقف في مواجهة منظومة قمعية ممنهجة ينفذها الاحتلال الإسرائيلي، تستهدف وجودهم وحقوقهم وحريتهم على نحو مباشر ويومي، في انتهاك فجّ لكل المواثيق الدولية، وفي تحد صارخ للمعايير التي يدعي العالم الاحتفاء بها في مثل هذا اليوم. فالاحتلال يمارس بحقهم الاعتقال التعسفي، بما في ذلك احتجاز القاصرين ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية تفتقر لأدنى معايير العدالة، ويخضعهم للتعذيب الجسدي والنفسي، ويحرمهم من التواصل مع عائلاتهم أو محاميهم، ويعرضهم للإهانة والإذلال الممنهج. كما يتعمد استهدافهم بالقتل والتهجير خاصة في قطاع غزة ، ويفرض عليهم قيوداً صارمة على حرية الحركة والتنقل، عبر الحواجز العسكرية والبوابات الإلكترونية وإغلاق الطرق، ما يقطع أوصال المدن ويعزل القرى والمجتمعات، ويحرمهم من الوصول إلى الجامعات وأماكن العمل والمراكز الثقافية والرياضية .
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يشمل أيضاً ممارسات تضرب في عمق مستقبلهم، عبر تدمير المدارس والجامعات أو تحويلها لثكنات عسكرية، وحرمان آلاف الطلبة من استكمال تعليمهم، ومصادرة الموارد الاقتصادية والفرص التنموية، وعرقلة المشاريع الشبابية والمبادرات المجتمعية، وإغلاق المؤسسات التي تعمل على تمكينهم، في محاولة لإخماد أي نشاط جماعي أو حراك مدني يقوده الشباب. إن هذه الانتهاكات المتكررة، التي ترقى في كثير من الحالات إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لا تستهدف فقط الأفراد بل تسعى لتدمير إمكانات جيل كامل وإبقائه في دائرة العجز والتبعية.
وشدد مركز “شمس” في بيان وصل لوطن نسخة عنه، أنه ومن منطلق رسالته في تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، يرى أن قضية الشباب الفلسطيني ليست مجرد قضية تنموية أو فئوية، بل هي قضية سياسية وحقوقية بامتياز، تتطلب معالجة جذرية للأسباب البنيوية التي تعيق مشاركتهم الفاعلة في جميع مجالات الحياة. فالشباب يمثلون النسبة الأكبر من المجتمع الفلسطيني، وهم القوة القادرة على دفع عجلة الإصلاح السياسي والاجتماعي، غير أن هذه القوة تظل مكبلة إذا لم تتوفر بيئة تشريعية وسياسية ومؤسساتية تضمن حقهم في التنظيم، والتعبير، والمساءلة، والمبادرة. ومن هنا، فإن أي مقاربة حقيقية لتمكين الشباب يجب أن تنطلق من الاعتراف بهم كأصحاب حق، وليس كمجرد مستفيدين من برامج دعم مؤقتة أو مشاريع ذات أثر محدود.
وأكد مركز “شمس” على أن استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني وما صاحبه من تعطيل للعملية الديمقراطية وغياب الانتخابات، قد حرم جيلين كاملين من الشباب من حقهم في اختيار ممثليهم. كما أن ضعف الأطر الشبابية المستقلة، وغياب السياسات العامة الشاملة الموجهة للشباب، كلها عوامل ساهمت في تهميش دورهم وإبعادهم عن مواقع التأثير.
وحذر مركز “شمس” من أن استمرار هذه الأوضاع يهدد بفقدان الثقة بين الشباب ومؤسساتهم الوطنية، ويعزز مشاعر الإحباط والعزوف عن المشاركة العامة، الأمر الذي قد يفتح المجال أمام مظاهر الانعزال أو الهجرة أو التطرف. لذلك، فإن حماية الحيز المدني وتوسيعه هو شرط أساسي لضمان أن يكون الشباب شركاء حقيقيين في التنمية وصناعة المستقبل، وليسوا مجرد متلقين للخطاب أو ضحايا لسياسات التهميش. وهذا يتطلب من جميع الأطراف، الرسمية والأهلية ، مراجعة سياساتها وإجراءاتها لضمان احترام حقوق الشباب، وإزالة جميع القيود التي تحد من حريتهم في العمل السياسي والمجتمعي، ووضع خطط إصلاحية جادة لدمجهم في آليات صنع القرار على المستويات كافة.
ودعا مركز “شمس” إلى تعزيز التربية على قيم الديمقراطية والمواطنة والمساءلة منذ المراحل التعليمية الأولى، وتوفير مساحات آمنة للشباب للتعبير عن آرائهم وممارسة نشاطهم بحرية، ودعم المبادرات الشبابية المستقلة، سواء كانت ثقافية أو سياسية أو اجتماعية، بما يساهم في بناء قدراتهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على التغيير. فتمكين الشباب لا ينفصل عن تمكين المجتمع بأسره، ولا يتحقق إلا من خلال نهج شامل يدمج الأبعاد القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. سما وأن الشباب الفلسطيني، رغم كل ما يواجهه من تحديات وضغوط، يثبت يوماً بعد يوم أنه يمتلك طاقات خلاقة وقدرة على الصمود والإبداع والمبادرة، وأنه قادر على أن يكون شريكاً أساسياً في معركة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. ومن هنا، فإن مسؤولية المجتمع بكافة مكوناته، سياسية كانت أم مدنية، هي أن تفسح المجال أمام هذه الطاقات لتتفجر في مسارات إيجابية، وأن تحمي حق الشباب في أن يكونوا صناع التغيير، لا مجرد شهود عليه.
وجدد مركز “شمس” التزامه بالعمل إلى جانب الشباب ومن أجلهم، عبر برامجه ومشاريعه التي تركز على بناء قدراتهم في مجالات الحوكمة، والقيادة، والتواصل، والمناصرة، وإتاحة الفرص لهم لتطوير أفكارهم وتحويلها إلى مبادرات عملية مؤثرة. كما يؤكد المركز على ضرورة بناء تحالفات شبابية واسعة، قادرة على إيصال صوت الشباب الفلسطيني إلى المنابر الوطنية والدولية، وعلى أهمية العمل المشترك بين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية لضمان أن تكون السياسات الموجهة للشباب نابعة من احتياجاتهم وتطلعاتهم الحقيقية، وليست مجرد استجابة شكلية لمتطلبات التمويل أو الضغط الخارجي.
وحذر مركز “شمس” من أن البطالة تشكل في صفوف الشباب الفلسطيني أحد أخطر التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد استقرار المجتمع وتماسكه، فهي لا تعني فقط غياب فرصة العمل، بل تعني أيضاً إهدار الطاقات الخلاقة، وتعطيل الإبداع، وكبح الحلم الفردي والجماعي بالتطور والازدهار، وتحرم شريحة واسعة من الشباب من حقهم في العمل اللائق والحياة الكريمة، وتدفع بالكثيرين نحو الإحباط أو البحث عن فرص خارج الوطن. إن مشهد شباب مؤهلين علمياً ومهنياً يقفون على هامش الاقتصاد هو مؤشر على أزمة بنيوية تتجاوز الأرقام والإحصاءات، لتصل إلى عمق البنية الاقتصادية والسياسات العامة. وفي ظل هذا الواقع المأزوم، تتحمل الحكومة مسؤولية كبرى في وضع سياسات عملية وفاعلة لمواجهة البطالة من جذورها، عبر صياغة رؤية اقتصادية وطنية شاملة تضع الشباب في قلب استراتيجياتها، وتنتقل من المعالجات الشكلية إلى التدخلات الجوهرية التي تفتح آفاق العمل والإنتاج، من خلال خلق بيئة اقتصادية واستثمارية محفزة، وتطوير برامج تدريب وتأهيل مهني مرتبطة مباشرة باحتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي، وضمان الوصول إلى فرص العمل بعيداً عن الواسطة والمحسوبية. كما يتعين على الحكومة إطلاق مشاريع اقتصادية صغيرة مدرة للربح يقودها الشباب، مع توفير التمويل الميسر والدعم الفني والإداري والتسويقي لضمان نجاحها واستدامتها. إن تمكين الشباب اقتصادياً ليس ترفاً أو خياراً ثانوياً، بل هو واجب وطني واستثمار استراتيجي في طاقات قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد وتعزيز صمود المجتمع، وهو فعل تحرر بحد ذاته يحول الشباب من متلقين للمعونة إلى منتجين للثروة، ومن ضحايا البطالة إلى قادة للتنمية وبناة لمستقبل مزدهر، وهي مسؤولية وطنية وأخلاقية وسياسية لا تحتمل التأجيل.
كما وأوصى مركز “شمس” بتبني سياسات تحمي الحيز المدني وتعزز الحريات العامة، إضافة إلى دمج قضايا الشباب ضمن السياسات الوطنية والخطط القطاعية مع تخصيص موازنات كافية لتنفيذ برامج تمكينهم، وتفعيل آليات الحوار المنتظم بينهم وبين مؤسسات الدولة، وضمان تمثيلهم في اللجان الوطنية وهيئات التخطيط وصنع القرار. وبضرورة بناء تحالفات وشبكات شبابية مستقلة وفاعلة قادرة على التأثير في السياسات العامة ونقل صوت الشباب إلى المنابر الوطنية والدولية، والاستثمار في تدريبهم على القيادة والمناصرة والإعلام الرقمي وأدوات المساءلة المجتمعية، وتوفير مساحات آمنة لعمل المبادرات الشبابية المستقلة ودعمها مادياً وفنياً لضمان استدامتها، وتعزيز التعاون بين المؤسسات المدنية لتوحيد الجهود وتفادي التشتت في البرامج الموجهة للشباب. وبدعوة المجتمع الدولي والجهات المانحة، للوقوف أمام مسؤولياتها في الضغط على دولة الاحتلال لوقف جميع الانتهاكات الممنهجة ضد الشباب الفلسطيني، ودعم البرامج التي تعزز الحيز المدني وتوفر للشباب فرص المشاركة في صنع القرار، وضمان أن تكون المساعدات التنموية موجهة لتلبية أولويات الشباب الحقيقية من خلال التشاور المباشر معهم، والاستثمار في برامج التعليم المهني وريادة الأعمال والتكنولوجيا لتمكينهم اقتصادياً. وكما يدعو مركز “شمس” الشباب أنفسهم، للانخراط الفاعل في الحياة العامة، وتشكيل أطر ومبادرات مستقلة للدفاع عن الحقوق وتعزيز قيم الديمقراطية والمواطنة، وتطوير مهاراتهم في القيادة والتفاوض والعمل الجماعي والإعلام واستخدام التكنولوجيا الحديثة في حملات المناصرة، وقبول الآخر والعمل المشترك بما يسهم في بناء وحدة وطنية قائمة على المشاركة والاحترام المتبادل.