بيداغوجيّة الاستدراك في التعليم.. من الفعل الطارىء إلى منهجية وازنة

كتب: نسيم قبها حتى يتم رفع التوهّم المتولّد من إنشاء سابق في أيّ سياق كان، يدخل الاستدراك كحالة تنقيبيّة للتتجلّى الرؤيا والرؤية على حدّ سواء في الهدف المبتغى لعمليّة الرفع التربوي المقصودة ، وهنا في الحقل التربوي المنشود ،  فإن الإستدراك في العملية التعلمية لا ينزاح عن كونه عملية تربوية بيداغوجية مقصودة، وهي علاجية لشيء مفقود أو مبتور في المنهاج والمقررات، وفورية في لحظة استدراك ما لم يتم استدراكه سابقا في تطبيق الخطة المدرسية العامة نتاجا لأحداث خارجة عن إرادة المنظومة التربوية .
إن استدراك التعليم يلي عمليات التقويم المختلفة التي صبّت في تقييم ما فات من مقرّرات ولبنات تعلمية، كان من المفترض أن تكون متتالية في بناء الفصول الدراسية حسب المنهاج وخطته المرسومة، وكل ذلك يهدف إلى تذليل الصعوبات والمعوّقات الشخصية لدى الطلبة المستهدفون ،  ومعالجة الثغرات الطارئة وغير العادية في دراستهم نتيجة حالات ظرفية مروا بها أو غيابات قاهرة  ، مما جعلهم يتأخرون جزئيا ولا ينسجمون تناغما مع المستوى المطلوب أفقيا ، ويعانون نقصا تحصيليا بنائيا يؤثر سلبا في صعودهم التربوي الطبيعي التلقائي.
وفي عالمنا العربي فإن الحالة التعلميّة المبتسرة في كل من فلسطين واليمن ولبنان وسوريا والسودان وليبيا ، والتي تختلف كميّا في تعمّقاتها نتاجا طبيعيا لحالات الحرب والظروف السياسية والإجتماعية والإقتصادية ، والتي نهشت من البناء التربوي وفيه ، بشكل ملحوظ على المعلم والمتعلم والمنظومة كلها ، كل ذلك يجعل من الضرورة بمكان ، أن تقوم هذه الدول بالانتقال من الاستدراك التربوي التعلّمي اللحظي، إلى استدراك طويل المدى والأمد .
لقد باتت الظروف غير الطبيعية في هذه الدول وغيرها ، هي الظرف الطبيعي في ثبات تعطّل التعليم الناتج عن النزاعات والحروب ، مع التباين في ظرف كل دولة بشكل عام، ما يعني أننا نتحدث عن ضرورة استدراك في التعليم مبنيّ على خطة ثلاثية أو خمسية بحدها الأدنى من أجل تلافي العشوائيات في لملمة الفاقد التعليمي ، و من أجل ديمومة العملية التعليمية وعدم انقطاعها انقطاعا غير قابل للتوصيل والوصل .

ولأن المنظومات التربوية في العالم الطبيعي  تهدف إلى توفير الظروف الملائمة للمتمدرسين جميعا ، من أجل الحصول على قدر كاف من الارتواء
في التحصيل الدراسي الموسوم بالمنهاج السنوي حسب خطط وزارات التربية في تلك البلدان ، كان عليها وضع المناهج الدراسية المناسبة وفق مقاربات بيداغوجية منهجية حديثة تستجيب للتغيرات الحاصلة في الانقطاعات المدرسية التي تهطل على دول عربية وأجنبية نتاجا للحروب او الصراعات التي تكمش وتخربش العملية التربوية أو تبيدها بشكل كلّي أو جزئي ، الأمر
الذي يعني تزوّد تلك الدول بوسائل منهجيّة مساعدة على الفعل التربوي الناجح والفعّال ، وكذلك بأساليب المراجعة المستمرة والمقصودة
والآنية ،بقصد تقييم وتقويم الفعل التربوي للمعلم والمتعلم ،للكشف عن مواطن الاختلالات التعلمية التي يجب أن نستدركها قبل فوات الأوان ، والتي ليس منها بدّ .

ويجب أن يكون واضحا لواضعي السياسية التربوية ، بأن برامج التعليم الاستدراكي تختلف باختلاف المدرسة، والمنطقة، والدولة ، ويعتمد البرنامج  بشكل أساسي وأولا وأخيرا  على احتياجات الطلبة وما فاتهم في الفصل السابق أو الفصول السابقة ، إذ قد تختار بعض المدارس برامجا  تعليميّة  عبر الإنترنت مثلا ،  إن كان ذلك  ( متاحا)  ، ويشرف عليه المعلم المعني وفق خطة وزارته التي يجب أن تكون على نقطة اتصال إيجابية مع المدارس ، حيث تتواجد العديد من البرامج التعليمية عبر الإنترنت ، و التي تتيح للطلبة التعلم وفقاً لسرعتهم الخاصة مثلا ، وتركّز  فقط على المجالات التي يوجد لديهم ضعف بها ، أو بحاجة لتحسين مخزونهم المعرفي المرتبط وثوقا بالمنهاج الدراسي ،  ومن ثم يتم تقديم البيانات الخاصة بمدى تقدمهم إلى المعلم ، والذي بدوره يقدّم ذلك للمشرف ، وبالتالي للوحدة المركزية في الوزارة المختصة . كما قد تقرر بعض برامج التعلم الاستدراكي الأخرى تعديل مناهجها الدراسية كلّها ،  ومصادرها للتعلم ، بحيث يقوم المعلم بتدريسها للطلبة؛ مما يتطلب جمع بيانات كل طالب على حدة لتحديد نقاط قوته والنقاط التي بحاجة لتحسين ، وبالتالي يتم تعديل برنامج التعليم الاستدراكي لكل طالب على حدة، بالرغم من أن هذه الاستراتيجية المتّبعة تكون غير موحدة ومتباينة، إلا أنه يمكن تعديلها بسهولة وفقاً لكل طالب وبالتعاون مع المشرف التربوي الذي يكون اداة الوصل بين المدرسة والمنظومة التربوية الرسمية .
يجب ان يكون واضحا بأن مهمة التدريس الاستدراكي يتولاها معلمون تلقوا تدريب خاص في هذه المنهجيّة ، على أن تكون في الغرفة الصفية ما أمكن ذلك ، مع إمكانية نقل المدرسة كبناء إلى ظل شجرة ، أو إلى ملعب وساحة عامة ، و ينبغي تفضيلا بعدد أقل من الطلاب في الفصول الدراسية العادية إن كانت الكميّة التراكمية الاستدراكية تسمح بذلك طبعا  ، وهذا يساعد في منح كل طالب مزيدًا من الاهتمام والدعم وبالتالي النتيجة ، حيث تميل هذه البرامج إلى أن تكون مفيدة للغاية للطلاب الذين يعانون من فجوات في تعلمهم بسبب الغياب المتكرر أو صعوبة التركيز؛ لكن قد لا يحرز بعض الطلاب تقدمًا كبيرًا في البرامج العلاجية الاستدراكية ، وقد يكون هذا علامة على إعاقة التعلم لظرف غير طبيعي ، كما قد يحتاج الطلاب ذوو الإعاقة مثلا  إلى مزيد من التعليمات المتخصصة للنمو الأكاديمي والطبيعي في المدرسة ، وهذا أيضا يجب ان يكون في حسبان الجهات المشرفة على التعليم .

About Atlas

Check Also

لنسقط الاوهام عن ترامب ونستعد للاسوأ

اطلس:كتب د.احمد رفيق عوض : يقولون انه تاجر يحب الصفقات ويكره الحروب، و يقوم إنه …