كتب محمد خواجوئي: باتت النبرة التي يستخدمها المسؤولون الإيرانيون، خلال الأيام الأخيرة، أكثر حدّة من تلك التي سادت الأيام الأولى عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، فجر 26 تشرين الأول الماضي. إذ بعدما اتّسمت آنذاك بالهدوء والحذر، أصبحت الآن تشير إلى جهوزية أكبر لدى إيران للرد مجدداً على إسرائيل. وعلى الرغم من أن موعد الرد لم يُحدّد بعد، وما إذا كان سيتم قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية أو بعدها، وما إذا كان سيأتي من داخل الأراضي الإيرانية أم الأراضي العراقية، يبدو التصعيد المكوكي بين إيران وإسرائيل مستمراً.
وأمس، أكّد قائد «الحرس الثوري الإيراني»، اللواء حسين سلامي، أن «جبهة المقاومة وإيران ستجهزان نفسيهما بكل ما يلزم لمواجهة العدو»، وأن «المقاومة الإسلامية في المنطقة ستوجه رداً قاسياً إلى جبهة الشر». وأضاف، في رسالته بمناسبة «اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار» والذي يوافق ذكرى الاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران على أيدي الطلاب بعد الثورة، «(أننا) تعلّمنا كيف نكبّد عدونا الضربات القاصمة وأن نقف في وجه القوى الشيطانية ونصمد أمامها». ومن جهته، جزم قائد القوات البحرية للجيش الإيراني، الأدميرال شهرام إيراني، بأن «القوات المسلحة الإيرانية لن ترحم العدو في أي مواجهة كانت». وكان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي الخامنئي، قال يوم السبت، إن «الأعداء سواء الكيان الصهيوني أو الولايات المتحدة الأميركية، سيتلقّون حتماً الرد الصارم، إزاء ما يقترفونه تجاه الشعب الإيراني وجبهة المقاومة». كما أكّد أن جميع الإجراءات الضرورية «سواء أكانت عسكرية أم تسليحية أم أنشطة سياسية» هي قيد التنفيذ.
ويأتي تصريحه هذا بعد أول ردة فعل له في اليوم الذي تلا الهجوم الإسرائيلي على أهداف عسكرية في إيران، رداً على الضربة الصاروخية التي نفّذتها الأخيرة في الأول من تشرين الأول ضد إسرائيل. وآنذاك، قال إنه لا يجب «تضخيم» الهجوم الإسرائيلي أو «التقليل من شأنه»، علماً أن الضربة استهدفت، كما يقال، جزءاً من المنظومة الدفاعية، ومنشآت لإنتاج الصواريخ في إيران. وعلى رغم أن السلطات الإيرانية قلّلت ابتداء من أهمية الهجوم وأثره، وأعلنت أن الدفاعات الجوية تعاملت معه بشكل ناجح، إلا أن الحرس الثوري عاد وتوعّد بالرد مجدداً على إسرائيل. وقال المتحدث باسمه، علي محمد نائيني، لوكالة أنباء «فارس»، إن «الرد على الاعتداء الجديد للعدو، سيكون حتمياً وحازماً».
وفيما لم يوضح المرشد، في التصريح الأخير، ما إذا كان الرد الإيراني على إسرائيل، سيكون على غرار ما حدث في نيسان وتشرين الأول الماضيين، على شكل ضربة صاروخية واسعة ومباشرة انطلقت من داخل الأراضي الإيرانية أم لا، نقل موقع «أكسيوس» الأميركي، في وقت سابق، عن مصدرين مطّلعين، التقييمات الاستخبارية الإسرائيلية والتي أشارت إلى أن إيران تتهيأ لهجوم على إسرائيل من «داخل الأراضي العراقية خلال الأيام المقبلة» و»قبل الرئاسيات الأميركية» المقررة الثلاثاء المقبل. كما تحدثت بعض وسائل الإعلام، بما فيها صحيفة «نيويورك تايمز»، عن احتمال أن تشن إيران هجوماً على إسرائيل، بعد الانتخابات، زاعمةً أن «إيران قلقة من أن يخدم تزايد التصعيد في المنطقة، دونالد ترامب». وكانت إدارة الرئيس جو بايدن، حذّرت إيران، في رسالة عبر سويسرا، من تنفيذ أي هجوم آخر ضد إسرائيل. وحول ذلك، نقل «أكسيوس»، عن مسؤول أميركي وآخر إسرائيلي سابق، قولهما: «أبلغنا المسؤولين الإيرانيين بأنه في حال حدوث مثل هذا الهجوم، قد لا نتمكن من كبح جماح إسرائيل أو ضمان أن يكون الرد الإسرائيلي محسوباً ومحدوداً كما كان في المرة السابقة». وعلى المنوال نفسه، خرجت تصريحات إسرائيلية، آخرها لوزير التعليم، يوآف كيش، الذي قال أمس إنه في حال ارتكاب إيران «خطأ» واتخاذ قرار بالرد، فإن هذا يسمح لكيانه بـ»مواصلة تنفيذ استراتيجيته» في المنطقة، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.
في المقابل، نشرت الصحف الإيرانية مقالات مختلفة عن الرد الإيراني المنتظر على إسرائيل. وتطرّقت صحيفة «جام جم»، في مقال لعضو هيئة التحرير فيها، محمد قادري، إلى تصريحات المرشد الأعلى عن «أن إيران لا تنوي التسامح مع الممارسات الشريرة والعدوانية للعدو قط»، لافتةً إلى أن كلامه يجيء «في إطار التوجه الرامي إلى إرباك الحسابات الخاطئة للعدو، لكي تفهم الجبهة الغربية – الصهيونية وطبعاً حُماتها العرب، بأن إيران ومحور المقاومة، لم يصابا بالوهن والضعف في ميدان المعركة، بل إنهما جاهزان بكل ما أوتيا من قوة للدفاع عن نفسيهما أمام العدو الذي لا يلتزم بأي من القواعد الدولية والإنسانية». كما ألقت صحيفة «همشهري» الضوء على الاستراتيجية الإسرائيلية في المواجهة مع إيران، وذلك في مقال بقلم مهدي خان علي زاده.
وقالت إن «إحدى الاستراتيجيات الرئيسية للكيان الإسرائيلي في الأيام التي تلت الهجوم الإيراني، تمثلت في تعزيز وترسيخ المسار الذي اعتمدته ضد إيران بعد تنفيذ الأخيرة عملية الوعد الصادق 2»، أي إيجاد مناخ يلفه «الغموض» و»التردد» بهدف «جعل طهران منفعلة إزاء القيام بردة الفعل المناسبة». واعتبرت أن «ما يُبطل هذا المخطط الإسرائيلي، هو اعتماد استراتيجية قائمة على تغيير إدراك الطرف الآخر»؛ أي الإجراء الذي يمكن أن يُبنى على «رد صادم» يُربك الأُحجية التي وضعتها تل أبيب. والمثال الذي ضربته على ما تقدّم، يمكن أن يكون الإعلان عن «الموعد الأخير» لإنهاء حرب غزة ولبنان، وفي حالة عدم تحققه، سيعقبه تدخل ميداني وعملاني إيراني، لافتة إلى أن «هذه الاستراتيجية – التي يمكن أن تنطوي على تكتيكات مختلفة في التنفيذ – يجب أن توضع موضع التطبيق في فترة زمنية وجيزة، لكي تنتزع من الطرف الثاني إمكانية اتخاذ القرار وصنع السياسات».
من جهتها، استبعدت صحيفة «أرمان ملي»، في مقال بقلم عبد الرضا فرجي راد، اندلاع حرب إقليمية وشاملة في ردات الفعل المتتالية بين إيران وإسرائيل. وقالت في معرض إشارتها إلى السياسة الأميركية: «قد تردّ إيران، ومن ثم تردّ إسرائيل على إيران في وقت آخر، لكنّ الأميركيين لا يتدخلون في الصراع. وإن تم انتخاب ترامب بعد ثلاثة أيام من الآن، فإنه سيسعى على خلفية الوعود التي أطلقها، لممارسة الضغوط لينهي نتنياهو الحرب. لكن إن فازت السيدة هاريس في الانتخابات، فإن سياستها ستختلف بعض الشيء عن بايدن، وستواجه كما أوباما مشكلة مع نتنياهو. لذلك من المستبعد أن تسفر هذه الهجمات المكوكية عن حرب إقليمية». وتابعت الصحيفة أن «الظروف الاستراتيجية الدولية لا تسمح بذلك. فأميركا وعلى خلفية حرب روسيا مع أوكرانيا، وكذلك التنافس مع الصين، لا تريد أن تندلع هكذا حرب شاملة في المنطقة، لكي لا يستغلها منافسوها، لذلك فإن أميركا لن تسمح البتة لإسرائيل بأن تجرها إلى حرب مستمرة ودائمة».
نقلا عن صحيفة الأخبار اللبنانية