ماذا لو فاز ترامب؟ وماذا لو فازت هاريس؟..هاني المصري

أولًا، وقبل كل شيء، لا بد من التأكيد أن الرهان على الولايات المتحدة، وأنها يمكن أن تتغير من الالتزام بالدفاع عن إسرائيل حتى لو ارتكبت كل أنواع الجرائم ضد الفلسطينيين وغيرها‎ رهان خاسر. فمن يراهن على غيره يخسر، فنحن في عالم لا يقوم على المبادئ والأخلاق والعدالة والقانون على الرغم من ادعائه بذلك، وإنما يقوم على المصلحة والقوة وبعد ذلك تأتي القضايا الأخرى، ومن لا يتقن أو لا يملك المصلحة أو القوة أو كلتيهما لا مكان له في هذا العالم، بل سيكون معرضًا لكل أنواع الظلم والانتهاك والتجاوز.

وينطبق القول السابق على الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم، التي تقود أكبر وأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، والدليل أنه خلال عشرات السنين، راهن الملوك والرؤساء العرب على تغير السياسة الأميركية، من الدعم المطلق لإسرائيل والشراكة العضوية والاستراتيجية إلى الاعتماد على العرب أو بعضًا منهم بدلًا من إسرائيل، أو حتى إلى جانبها، غير أن هذه المحاولات باءت بالفشل، وحصد المراهنون الخيبة والخسارة.

في هذا السياق، كان من الخطأ الفادح الذي يعيد إنتاج نفسه باستمرار على الرغم من حصاد الفشل، هو الرهان على واشنطن لحل الصراع العربي الصهيوني، وعلى قيامها بدور الوسيط النزيه، لدرجة أن الرئيس الراحل حسني مبارك، أكبر حليف وصديق للولايات المتحدة خلال ثلاثة عقود من حكمه، خرج بخلاصة “أن المتغطي بأميركا بردان”.

على الرغم من كل ما سبق ومن تكرار الخيبات الكبيرة، فإن القادة العرب، بمن فيهم القيادة الفلسطينية، يراهنون على تغير السياسة الأميركية من دون أن يفعلوا شيئًا يساعد على تغييرها، مثل رفع تكلفة دعمها المطلق لدولة الاحتلال، ويكبر الرهان عشية كل انتخابات رئاسية.

كان العرب بمعظمهم في الماضي حتى أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 يؤيدون الحزب الجمهوري، لأنه محافظ وضد المثلية والإجهاض، ولا يقيم اعتبارًا لحقوق الإنسان، ولكنهم مالوا بعد ذلك للحزب الديمقراطي بعد الحرب التي شنها الرئيس جورج بوش الابن على العرب والمسلمين، وفي ظل سيطرة المحافظين الجدد والمسيحيين الصهاينة على الحزب الجمهوري.

أما اليوم، فالعرب منقسمون، فبعضهم يؤيد مرشحي الحزب الديمقراطي لأنهم أقرب وفق اعتقادهم في مواقفهم من القضايا العربية، ومنهم من يؤيد مرشحي الحزب الجمهوري لأنهم لا يتبعون سياسة الحزب الديمقراطي التي ترمي إلى تغيير الأنظمة كما فعل الرئيس باراك أوباما الذي دعم “الربيع العربي”، ولأنهم أشد عداوة لإيران، التي يتصور بعض القادة العرب بأنها عدوتهم، وليس إسرائيل، كما كان الأمر في السابق.

ومع أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يختلفان في كثير من الأمور، فإنهما يتفقان على دعم إسرائيل.

صحيح أن العرب أخذوا دروسًا قوية عندما احتاجت السعودية إلى من يقف معها عندما تعرضت لضربات خارجية، ولم ينجدها الرئيس الديمقراطي باراك أوباما ولا الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وهذا جعل الملوك والرؤساء العرب الذين كانوا عشية الانتخابات الأميركية في السابق أكثر حماسة وتمويلًا لمرشحي الحزبين، وخصوصًا ترامب، باتوا أكثر واقعية واستعدادًا للتعامل مع أي رئيس.

لدينا فريق فلسطيني وعربي يتصور أنه إذا أثبت أنه يمكن أن يقوم بدور مهم وفاعل في توفير الأمن والاستقرار في المنطقة لصالح الاستراتيجية والمصالح الأميركية، وليس لصالح شعوبهم وبلدانهم، فهذا يؤهله للانضمام إلى نادي أصدقاء واشنطن وحلفائها الذين يعتمد عليهم. غير أن هذا الأمر يتبخر دائمًا إذا تعلق الأمر بإسرائيل، فعندها يطاح بأي أمل بموقف أميركي عادل أو متوازن، فإسرائيل هي درة التاج ولا ينافسها ولا يمكن أن ينافسها أي طرف عربي، فهي ليست مجرد حليف، وإنما جزء عضوي من المعسكر الاستعماري، لذا إذا حصلت دولة عربية على” وسام الجدارة ” فيجب عليها أن تقبل بأن الأولوية لإسرائيل، وهي صاحبة اليد العليا، وهي الدولة التي يجب أن تكون مهيمنة وتحت سطوتها يقف الحلفاء العرب.

أبعدتنا هذه المقدمة عن معالجة الموضوع الرئيسي في هذا المقال، وهو ماذا لو فاز ترامب أو فازت هاريس؟

يبدأ الجواب بالقول إذا كان العرب (وهذا ينطبق كذلك على الفلسطينيين) ضعفاء ومنقسمين، من دون برنامج مشترك ولا قيادة مشتركة ولا قائد أو بلد قائد أو سياسة فاعلة، كما هم عليه الآن، فلن يتمكنوا من الاستفادة من أي فرص يمكن أن يتيحها الفائز، سواء أكان ترامب أم هاريس، وكذلك لا يتمكنون من وقف أو تقليل الأضرار والخسائر، فهم طرف مفعول به وليس فاعلًا.

الانتخابات هذه المرة تؤثر فيها عوامل خارجية، وليس العوامل الداخلية التي كانت دائمًا هي الحاسمة. فحرب الإبادة وتداعياتها الإقليمية والدولية تؤدي دورًا مهمًا في ظل التقارب الشديد بين المرشحيْن، لدرجة أن الصوت العربي إذا توحّد يمكن أن يساهم في فوز مرشح وخسارة آخر.

إذا أخذنا نموذجيْن تتضح لنا الصورة، النموذج الأول يهود الولايات المتحدة الذين سينتخبون بأغلبيتهم كالعادة مرشح الحزب الديمقراطي لأسباب داخلية، ولكونهم يخشون من التطرف العنصري الذي وصلت إليه إسرائيل، بينما نرى في النموذج الثاني أن 67% من الإسرائيليين يفضلون فوز ترامب و17% منهم يفضلون فوز هاريس. أما مؤيدو نتنياهو، فإن 93% منهم يفضلون ترامب و1% فقط؜ يفضلون هاريس؛ أي إن إسرائيل وحكومتها اختارت وترمي بثقلها لإنجاح المرشح المفضل لديها، وهذا ظهر في تعطيل أي فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان قبل الانتخابات حتى لا تتحسن فرص هاريس في الفوز.

 

أما العرب فمنقسمون بين ثلاثة مرشحين، وبذلك يفقدون قدرتهم على التأثير، فإذا اختاروا هاريس على سبيل المثال فيمكنهم عقد صفقة معها ويحددون بعض المطالب لتلتزم بها إذا فازت، تمامًا كما يفعل اليمين الديني الصهيوني، إذ دعمت ميريام – أرملة شيلدون أديلسون – وجيفري ياس – حملة ترامب بنحو 250 مليون دولار مقابل تعهده بضم الضفة الغربية، وخاصة مناطق (ج) إلى إسرائيل، والدليل على صحة التعهد أن حملة ترامب نفت ذلك كونه يشكل مخالفة قانونية للتبرع للحملات الانتخابية، وقد سبق أن دعم الزوجان أدلسون ترامب وحزبه الجمهوري خلال الحملة الانتخابية السابقة بستين مليون دولار مقابل نقل السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب .

تعودنا أن نسمع عبارة من القوميين واليساريين سابقًا، والآن من الإسلاميين، أن مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري وجهان لعملة واحدة ولا فرق بينهما، وهذا صحيح وغير صحيح. صحيح لأن الحزبيْن ملتزمان بدعم مطلق لإسرائيل ولا خلاف بينهما على ذلك، وغير صحيح لأن هناك خلافًا ظهر خلال العقدين الأخيرين على أي إسرائيل هي التي يجب أن تدعم، فهناك تغيرات عميقة وجوهرية حدثت في السياسة الإسرائيلية ذهبت بها أبعد كثيرًا عما كانت عليه في التطرف الديني والقومي، وإقرار قوانين عنصرية غير ديمقراطية، حتى بمعنى المساس بالديمقراطية اليهودية.

تفضل هاريس الاتجاهات الأقل تطرفًا في إسرائيل، وتدعم بقاء إسرائيل كما كانت عليه في السابق، ولا تزال تؤيد التوصل إلى تسوية لصالح إسرائيل، سواء للصراع أو لحرب الإبادة، حيث تعطي بعض الحقوق والأرض والسيادة للفلسطينيين، وذلك ضمن مفهوم عند الحزب الديمقراطي بشأن ضرورة التركيز على الصين، وتبريد الملفات الأخرى، لذلك عقد أوباما الاتفاق النووي مع إيران.

كما يدعم الديمقراطيون تسوية في الشرق الأوسط تمكنهم من تخفيف تواجدهم لصالح وكلاء آخرين، من ضمنهم وعلى رأسهم إسرائيل، إضافة إلى أن هاريس تحسب بعض الحساب للتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي اتخذ مواقف متقدمة من القضية الفلسطينية. لكن كل ذلك لا يلغي أن هاريس نائبة رئيس شارك إسرائيل حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، واستمرّ طوال عهده بالحديث عن حل الدولتين من دون أن يفعل شيئًا لتطبيقه.

أما ترامب فيدعم الاتجاهات الأكثر تطرفًا وعدوانية وتوسعية في إسرائيل، كما ظهر في حديثه عن أن إسرائيل دولة صغيرة بحاجة إلى توسيع، لذا سيدعم ضم أو بقاء السيطرة على شمال قطاع غزة لإسرائيل، وأن فوز هاريس كما قال سيؤدي إلى القضاء على إسرائيل خلال عامين، وأن من حق الأخيرة ضرب المفاعل النووي الإيراني، وهو سبق وألغى الاتفاق النووي، وهذا سيزيد التوتر وعدم الاستقرار والحروب في المنطقة، لكنه لا يتعارض مع فلسفته عن تحقيق السلام عبر القوة.

 

كما اعتبر ترامب أن إدارة بايدن تقيد يد إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين، وهو لن يفعل ذلك، وهذا قد يؤدي إلى وقف الحرب والسلام، ولكن على حساب الفلسطينيين. وهو صاحب الاتفاقات الإبراهيمية وسوّق لها وأكثر قدرة لبراغماتيته على استكمالها من هاريس، وكذلك لا يجب أن ننسى أنه صاحب صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.

من المتوقع إذا فاز ترامب أن يحذف من صفقته الإشارة إلى الدولة الفلسطينية، كما قال صديقه والمقرب جدًا منه وسفيره السابق إلى إسرائيل ديفيد فريدمان، لأنه اقتنع أن الدولة الفلسطينية خطر وجودي على إسرائيل، لذا سيدعم الضم والتهجير واستمرار العدوان والإبادة.

لذا لو صوت العرب لهاريس السيئة والخطيرة لفازت، وهي أهون الشرين، وهذه الفرصة للتأثير الآن وليس في المستقبل، ووجدت لأول مرة، ولو لم تكن ولا يوجد حرب إبادة لكان من الأفضل التصويت للمرشحة جيل ستاين التي تؤيد الحقوق الفلسطينية، لأنها يمكن أن تكسر الاستقطاب الثنائي بين الحزبين الكبيرين إذا حصلت على 5% من الأصوات، حيث سيُعترف بها حزبًا ثالثًا.

ولو صوتوا لهاريس لتفادوا فوز ترامب الأكثر خطرًا وسوءًا، ليس على الفلسطينيين فقط، وإنما على العالم كله وعلى الولايات المتحدة نفسها، فهو إذا لم يفز يمكن ألا يعترف بنتائج الانتخابات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات، وتذهب بعض التقديرات أنه سيدفع نحو حرب أهلية.

إن السياسة كما يقال فن أفضل الممكنات (وليس الممكن فقط)، وهي تتطلب رؤية الفروقات الكبيرة والصغيرة، ومن لا يرى الفروقات حتى إذا كانت صغيرة عليه ألا يعمل أو يهتم بالسياسة.

ختامًا، أحذر من اعتبار موعد الانتخابات الأميركية أو موعد استلام الرئيس الجديد موعدًا حتميًا لوقف العدوان في غزة أو لبنان، فهذا مجرد احتمال من احتمالات عدة، ويتوقف أولاً وأساسًا على الميدان في فلسطين ولبنان، ومدى صمود المقاومة وقدرتها على إلحاق خسائر في صفوف الاحتلال، إضافة إلى تأثير ما سيحدث على الجبهة الإيرانية سلمًا أو حربًا، وتأثير من الفائز هاريس أم ترامب، وهل يريد بايدن الذي سيبقى رئيسًا حتى العشرين من كانون الثاني/ يناير 2025 أن يضغط على حكومة نتنياهو بعد تحرره من ضغط الانتخابات، أم أنه سيبقى يختلف معها ولكن يرضخ لها ويكتفي بتوجيه النصائح ولا يمارس الضغوط عليها؟

والأهم من كل ما سبق هو أن الطرف الفاعل هو القادر على التأثير مهما تكن نتائج الانتخابات، فهو يقدر على تقليل مخاطر فوز الأسوأ وتحويل الأزمات إلى فرص بغض النظر عن الفائز.

 

ولكن الطرف الضعيف والمنقسم والتائه ليس أمامه سوى انتظار غودو الذي لن يأتي أبدًا، بعد كل انتخابات أميركية والرهان على الفائز لعله يكون كريمًا ولا يفعل ما انتخب من أجله، وهذا مستحيل، ومن ينتظر المستحيل شأنه من يتصور أن مصير إبليس يمكن أن يكون الجنة.

About Atlas

Check Also

لنسقط الاوهام عن ترامب ونستعد للاسوأ

اطلس:كتب د.احمد رفيق عوض : يقولون انه تاجر يحب الصفقات ويكره الحروب، و يقوم إنه …