فراس ياغي يكتب : الأثمان وحرب الإستنزاف والحرب الشاملة

عندما لم يتأخر حزب الله في البدء في جبهة الإسناد ل “غزة” كان يعلم معنى ومفهوم “الطوفان”، فمن طوفان الأقصى إلى طوفان الاحرار بدات معركة معالمها غير واضحة، ومعقدة ومركبة ومخاطرها عالية، لكن غزة وما تتعرض له من إبادة شاملة كانت بحاجة للاحرار ولجبهات المساندة لكي تتحرك وتشير للحلف الصهيو امريكي بانها ليست وحدها، وحاولت هذه الجبهات التي تعاني من اوضاع خاصة في بلدانها لأن تكون بالحد الادنى ورقة تفاوضية في يد حماس والمقاومة، لكنها تحولت مع الوقت الى حرب استنزاف طويلة ولها تأثير واضح على الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي لا تحتمل استمرارها

لذلك لم يكن غريبا ان تقرر اسرائيل المدعومة في عملياتها العسكرية والامنية منذ السابع من تشرين/ اكتوبر من قبل الولايات المتحدة والاطلسي، باتخاذ قرار بتوسيع اهداف الحرب بإضافة بند رابع “عودة السكان المهجرين الى بيوتهم في الشمال”، واضح من الهدف انه يشير للمشكلة والازمة التي تعصف بالداخل الإسرائيلي، وواضح من الهدف حجم المخاسر التي تعرضت لها إسرائيل خلال حرب الإستنزاف المستمرة والتي تقترب من دخول عامها الأول

صحيح ان كلفة حرب الاستنزاف كانت كبيرة ومؤلمة للمقاومة اللبنانية، وصحيح ان مجزرتي البايجر واللاسلكي الإرهابية وما تبعها من إغتيال للقادة وعلى راسهم القائد التاريخي “إبراهيم عقيل”، هي ضربات قاسية وغير مسبوقة تعرض لها حزب الله، لكن ذلك لم يؤدي لوقف جبهة الاسناد ولم يوقف الصواريخ المنهمرة وبكثافة على شمال إسرائيل، وهنا يكمن كل شيء، فالنجاحات التكتيكية التي لا تؤدي لاي انجازات إستراتيجية قد ترتد على صاحبها في الخواتيم

اما لو ذهبت المقاومة نحو الحرب الشاملة فهذا سيؤدي حتما إلى تدخل الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة في الحرب…وإسرائيل نتنياهو تدفع بقوة لجر الامريكي عبر الوصول لمفهوم الحرب الإقليمية الواسعة، بل لو كان هو متأكد من ان امريكا ستدخل بكل قوتها في الحرب لما تردد من القيام فيها منذ البداية، كما أن إيران ومحورها ليسوا ببعيدين عن رؤية روسيا والصين وتركيا، والثلاث دول تعرف ان كل ما يجري هو باتفاق نتنياهو مع الدولة العميقة في امريكا لتوجيه ضربة قاصمة للمنشآت النفطية الإيرانية والمنشآت النووية خاصة بعد وصولهم لقناعة بأن إيران اصبحت جزء لا يتجزأ من الحلف مع روسيا والصين إن كان عسكريا أو إقتصاديا، بل هي قد تصبح مصنع السلاح ايضا لروسيا بجانب الطريق التجاري نحو الهند وشرق آسيا، إلى جانب آخر هي فرصة غير مسبوقة تكون لإسرائيل ونتنياهو بالذات لتدمير لبنان وحزب الله كما تم تدمير غزة، رغم ان ذلك لم يؤدي لإنهاء المقاومة، وواضح أن قيادة الجيش الإسرائيلية والقيادة الأمنية وصلت الى قناعة بأن الداخل الإسرائيلي مستعد لتحمل كلفة حرب لعدة ايام واسابيع مقابل تحقيق هدف الحرب بعودة النازحين لبيوتهم في الشمال، لكن في ذهن نتنياهو وداعميه من الكارتيلات العسكرية في أمريكا كما يبدو أن لديهم توجه آخر، إسمه حرب إقليمية شاملة

حزب الله ومنذ البداية رفع شعار انه جبهة اسناد وهذا ادخل اسرائيل في حرب استنزاف فرضت على إسرائيل وهي لا تريدها بل لا تستطيع احتمالها، إضافة إلى أن جبهة الاسناد هي ورقة تفاوضية بيد حماس والمقاومة، ورغم الخسائر الكبيرة جدا والمؤلمة للحزب، وهو كان يتوقع ذلك، والسيد نصر الله قال “سنبقى جبهة مساندة ومهما كلف الامر من اثمان، وانه لن يتوقف حتى وقف العدوان على غزة والضفة”، هذا يؤكد الفهم الواعي للمعركة، لان الحرب الشاملة التي هي بلا سقوف ولا ضوابط ولا قواعد وفي ظل اختلال موازين القوى لن تكون بالاساس لصالح غزة، في حين أن استمرار الضغط على الجبهة الداخلية الاسرائيلية هو المهم في كل المعركة، والحرب الشاملة لن تؤدي الى تسويات تشمل جميع الجبهات بما يسمح بتحقيق اهداف حماس والمقاومة في غزة، فحجم الدمار الناتج عنها قد يؤدي لصفقات منفردة

إن مفهوم حرب الاستنزاف هو الوحيد الذي يساعد غزة، وغير ذلك سيشكل عبء جديد عليها، ولكن هذا لا يعني الخوف من الذهاب لها وبالتالي تكبيل أيدي المقاومة من الرد، لكن الرد يجب ان يكون قوي وفاعل ومؤثر وبحيث لا يؤدي للدخول في حرب شاملة بشكل فوري، مع الاخذ بعين الإعتبار أن الحرب الشاملة قادمة لا محالة.

لو تدخل حزب الله في المعركة بشكل كامل مع بداية الحرب لتدخلت كل قوات الاطلسي في الحرب، وبطريقة تؤدي لاحتلال الاطلسي للمنطقة ككل، وبالذات نصف سوريا ونصف لبنان، ولتم تدمير غزة بشكل كامل وبضربات قد تصل لشبه نووية، ولرأينا في اقل من اسبوع اكثر من نصف مليون بين شهيد ومفقود وجريح، لكن الفهم الواعي لمفهوم الطوفان هو الذي وضع إسرائيل في قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية بتهمة الابادة والتطهير العرقي، ووضع نتنياهو وغالانت مجرمي حرب في محكمة الجنايات الدولية، وتوجت بالرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية والذي دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ قرار بتأييد 124 دولة يدعو لإنهاء الإحتلال في غضون 12 شهر، عدا عن التأييد العالمي وبالذات في الداخل الأمريكي، وبمفهوم استراتيجي فإن دولة إسرائيل أصبحت وستصبح دولة منبوذة في العالم لتصل الى درجة الدولة المارقة، وكل ذلك ما كان ليحدث لو بدأت الحرب الشاملة في المنطقة منذ البداية وبحجة ان إسرائيل كانت مربكة ومتفاجئة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها، وطبعا هذا كلام افتراضي وليس واقعي، لأن إسرائيل تعني امريكا والناتو في المفهوم العسكري والأمني

حرب الإستنزاف اثمانها كبيرة ومدرسة “بحر البقر” في المحافظة الشرقية، في حرب الاستنزاف مع “مصر” عام 1970 لا تزال ماثلة، لكن مفعولها وتأثيرها اكبر بكثير من الذهاب لحرب إقليمية واسعة ستكون تدميرية لأن أمريكا بقوتها النارية التي لا تضاهى ستكون هي راس حربتها، ومع ذلك فهذه الحرب حتمية وستقوم لأن الميدان هو الحاكم وليس ما يريده الأطراف، والسؤال المطروح، هو ما مدي حجم هذه الحرب ومدى إتساعها الإقليمي؟!! وليس اذا كانت ستحدث ام لن تحدث؟ المهم ان لا تعطي المقاومة الذريعة لمن يخطط لها، وان لا ينجر للمربع الذي رسمه نتنياهو ومعه الدولة العميقة في واشنطن، لكن اذا ما بدأتها إسرائيل فبالتأكيد لن تكون هي صاحبة القرار في إنهائها

عن Atlas

شاهد أيضاً

تحييد السنوار وإعادة إدارة الحرب كتب: نسيم قبها

لقد تبين من مجمل ردود الفعل الدولية حول اغتيال السنوار، بأنها تمحورت حول الحث على …