لا رؤيا ولا استراتيجة موحدتين، ولا قيادات ترتقي الى مستوى المخاطر والتحديات، والجميع يريد ان يثبت أنه الصح المطلق، او مالك الحقيقة المطلة،وهناك من يرى في نفسه ظل الله على أرضه،ومالك لمفاتيح الجنة والنار،له الحق في التكفير والتخوين ومنح صكوك الغفران،وان الباقي متأمرين على الوطن، وطن ضاع ويضيع بين خلافاتنا الداخلية،وبين مشاكل واحتراب عشائري وقبلي وأسري،ودم يسفك كل يوم وثمنه “فنجان القهوة” السحري،وخطب عصماء عن المحبة والتسامح والكرم العربي الأصيل،تغيب في وقت المعارك العشائرية والقبلية،وتكشف عن عقليات “موغلة” في العشائرية والقبلية والجهوية، لا مساءلة ولا محاسبة ولا اعادة تربية ولا اعادة تأهيل وتثقيف،وفساد مستشري يضرب الذيل قبل الرأس،ودين يُختطف ويوظف لخدمة اجندات ومصالح وأنظمة،وشعب “مطحون” تائه اعياه الفقر والجوع وبحثه عن لقمة العيش المغمسة بالدم في ظل إحتلال يذيقه الويل في حواجز وبوابات الذل.
لا اعرف متى نستطيع الخروج من مرحلة بعد القاع،التي وصلنا اليها،ووصلت اليها كل دولنا العربية، التي لم تعد لا فلسطين ولا مقدساتها ،لا بوصلتها ولا قضيتها المركزية،دعونا من الشعارات والخطابات ودغدغة العواطف والمشاعر،فهناك من كان في خطاباته النارية،تشعر بأن تحرير فلسطين على يديه قاب قوسين او أدنى،ولتجد أنه فقط راقص على كل الحبال ،واخر همه فلسطين وشعبها وقضيتها.
حتى اسس الصراع تم العبث بها وحرفها عن قواعدها،بل الكثير من هذه الدول تتحللت من التزاماتها القومية والوطنية،وأضحى التطبيع مع اسرائيل واحد من أهدافها، دول تحتل وتدمر وتقسم وتجزأ،ومشاريع استعمارية تتقدم،ونحن متمترسين حول ماضوية قبل 15 قرناً،مذهبية مقيتة “سنة وشيعة”،وكأننا نُصر على ان نغرق في التيه والضياع، والمأساة بأن هناك فضائيات ووسائل اعلام، بإمكانياتها المالية الضخمة، تخترق وعي هذه الشعوب المطحونة،و”تفلتر” وتضخ لها معلومات واخبار وتقارير ،بهدف تعميق الإنقسامات والخلافات في صفوفها،واستمرار حرف بوصلتها ،نحن أصبحنا كمن يرى الذئب ويقص على أثره،الفصائل في زمن الثورة والمد القومي والوطني،كانت لديها رؤيا واضحة،حول معسكري الأعداء والأصدقاء،وما هو استراتيجي وما هو تكتيكي،وكان لديها ثوابت ومواقف وبوصلة لا تحيد عنها، اليوم تغيب البوصلة والرؤيا ،ونقف امام قيادات تعتاش على تاريخ وارث احزابها،وسمعة وثورية قياداتها التاريخية،لم تعد الأحزاب جاذبة للناس ولا حتى منتجة،بل هي أقرب الى منظمات ” الأنجزة” والتي باتت تخترقها وتسعى ان تكون البديل عنها،بل هناك حالة عزوف وتراجع عن الإقبال عليها،نحن نغرق في تيه الجهل والتخلف والغيبيات،والهروب من مواجهة مشاكلنا،نواجها بالأدعية،ونعود بالتاريخ الى ماضوية نتغنى بها،لا نعمل لحاضرنا ولا نرسم افاق لمستقبلنا، كلنا خبراء ومنظرين،ولكن في إطار الفعل والتطبيق، لا تجد من يريد ان يعمل أو يفعل أو يسهم في التغيير، كلنا خبراء تشخيص وطرح حلول،ولكن الكل يغيب عن تطبيق الحلول وترجمتها في أرض الواقع، لم تعد الأحزاب تستقطب النخب المجتمعية فكرية وثقافية واكاديمية واعلامية،اما النخب الفلسفية،فالفلسفة باتت حرام شرعاً ،لأنها تقود الى الكفر ،بل أصبحنا اسرى ورش العمل ولقاءات العصف الذهني ومخرجات لا يجري ترجمتها ولا تطبيقها،نتغنى بشعارات الوحدة الوطنية وننتظر ان تأتينا الحلول السحرية من الخارج، قضيتنا واحزابنا يلعب في ملاعبها الكثيرون ،من قلب تلك الأحزاب ومن خارجها، حتى بت على قناعة تامة بأن انهاء الإنقسام واستعادة الوحدة ليست في أيدينا،بل نحن دمى نتحرك خدمة لأطراف خارجية، تريد لنا ان نستمر في التيه الى يوم يبعثون ،واخشى ان نضيع كما ضاعت سوريا،وكما ضاع من قبلها العراق وليبيا والسودان ،المخططات والمشاريع الإستعمارية امريكية واوروبية غربية تتقدم في المنطقة ،ومشاريع تقسيم المقسم من أرضنا على خطوط المذهبية والطائفية والأثنية والعرقية مستمرة ومتواصلة،ونحن نصفق لها ونعتبرها انتصارات وإنجازات،ونريد دول ودساتير تتحدث عن الطوائف وحماية حقوق الأقليات، وفي مجتمعاتهم يتحدثون عن المواطنة،أي وطن للجميع بغض النظر عن العرق والدين واللون والجنس،نحن تربينا على نظام المحاصصة والعشائرية والقبلية،وحتى أن بعض الجهلة والمتخلفين والمحجور على عقولهم،يريدون الهاء الشعب عن قضاياه المركزية،نحو توافه الأمور،هل مسموح ان تعيد على اشقاء وأبناء الوطن في أعيادهم ام لا ..؟؟،نحن “نوغل” في التيه ونغرق ونحرق كل اشرعة سفننا،ومن يخرقون السفينة ويحطمون أشرعتها كثر ،ومن يعملون على الرتق أقلية، وانا أقول بكل الوضوح ” اتسع الخرق على الراتق” ونحن دمر ذاتنا،فهل نجد ثلة من المخلصين الأوفياء الذين تتقدم مصالح الوطن على مصالحهم ومصالح قبائلهم وعشائرهم وطوائفهم واحزابهم،أم سنستمر في التيه والضياع،حتى نصل مرحلة التبعثر والتفرق والتفكك والإندثار.
ومن هنا أقول بأن ما يجري في مخيم جنين،تعبير عن عمق أزماتنا،وحالة الإنهيار التي وصلنا اليها،ومهما تكن الخلافات ،لا يجوز ان تصل بنا الأمور الى الحد فرض حصار على المخيم،تحت حجج وذرائع فرض القانون والنظام ومحاسبة الخارجين عن القانون، ونحن ندرك بأن المخيم بكل أطيافه،لم يكن في يوم من الأيام حاضنة للخارجين عن القانون ،بل دوماً كان المخيم العنوان الأبرز على الصعيدين الوطني والكفاحي،ولذلك هذه معركة الخاسر فيها الوطن ،والمستفيد منها من هو على بعد عدة كليو مترات ،يستبيح المخيمات والمدن والبلدات المجاورة،يقتل ويجرح ويعتقل ويدمر ويعد لمخططات الطرد والتهجير ، ولذلك أقول احفظوا للمخيم هيبته وكرامته،واحفظوا للوطن وحدته الوطنية، إن بقي هناك وحدة وطنية،وكما يقول المأثور الشعبي العناد كفر، فإستمرار الحملة على مخيم جنين، هي خسارة كبرى ،لا يمكن ان يمحوها الزمن، ومن يعتقد بأنه في هذه الحملة يحمي مصالحه،او ما يسمونه حماية المشروع الوطني،فهو واهم،فلا أمريكا ولا اسرائيل ،ستعطي شعبنا حقوقاً او دولة،وهي تمارس التطهير العرقي والتهويد والضم ونفي وجود شعب فلسطيني،بل ما يريدونه المزيد من الفوضى والإقتتال في الشارع الفلسطيني،حتى يحققوا اهدافهم ومشاريعهم.
فلسطين – القدس المحتلة
26/12/2024
[email protected]