اطلس:على أحر من الجمر تنتظر وتترقب عائلة الأسير العارضة وخاصة والدته الحاجة فتحية، نبأ إبرام صفقة تبادل جديدة بين حركة “حماس” وحكومة الاحتلال التي شطبت اسم نجلها الأسير محمود علي عبد الله العارضة، مهندس “نفق الحرية”، من كافة الصفقات وعمليات التبادل السابقة.
ورغم أوجاعها وأمراضها، ما زالت الأم تقاوم ” الألم بسلاح الصبر والأمل، بعناق محمود وتحريره مع رفاقه الذين انتزعوا حريتهم من سجن جلبوع، كما وعدتنا المقاومة، لأعيش ما يكتبه رب العالمين من عمر فرحة حياتي وأزفه عريسا” كما قالت.
وأضافت الحاجة فتحية ” معايير الاحتلال الظالمة، حرمتني على مدار 24 عاماً حبيب قلبي وعمري محمود، لكن أملي بالله والمقاومة كبير، بعودته لأحضاني رغما عن الاحتلال “.
وقضت الوالدة الثمانينة ” أم محمد” سنوات طويلة من عمرها على أبواب سجون الاحتلال الذي اعتقل جميع أبنائها وكريمتها، وتقضي معضم وقتها في متابعة الأخبار والصلاة والدعاء لله كما تقول ” ليفرج كرب أهالي غزة وخلاصهم من مجازر الإبادة والحرب الظالمة، وليفرج كرب كل الأسرى الذين سرقت سجون الاحتلال الظالمة أعمارهم وزهرة شبابهم، وبينهم ابني الذي قضى 24 عاماً بعيدا عني، فلم نعرف طعم الفرح لم تدخل منزلنا مشاعر السعادة والاحتلال وسجونه تفرق شملنا”.
وتضيف “لقد تزوج أبنائي وبناتي خلال اعتقاله، وأصبح لدي أحفاد، ورغم محبتي لهم، لا يمكن لأحد أن يعوضني عن محمود أو يسد مكانه، واتضرع لرب العالمين ان يحميهم ويفرح قلوبنا بخلاصهم من هذا الظلم الذي طال أمده، وان نجتمع سويا ونفرح بكل مناسباتنا بحرية فلسطين وأسرانا، وسنبقى نردد دوما عيدنا يوم كسر القضبان وحرية آخر أسير”.
ولم تنل الامراض والعمر من ذاكرة الوالدة فتحية ، فما زالت ذاكرتها تحتفظ بأدق تفاصيل وصور ولحظات الالم والوجع التي لازمت حياتها منذ بدأ استهداف الاحتلال عائلتها التي لم يسلم احد منها من الاعتقال، وفي مقدمتهم اسيرها القائد في حركة الجهاد الاسلامي محمود العارضة، الذي حمل راية فلسطين في ريعان شبابه، حيث تعرض للاعتقال الاول عام 1992، وبعدما تحرر ، واصل مشواره بصمت حتى تمكن الاحتلال من اعتقاله ومازال قيد الأسر حتى اليوم، ولكن رغم الحكم عليه بالسجن المؤبد اضافة لـ 15 عاما، الا ان العارضة تمكن من انتزاع حريته مع رفاقه الاسرى من سجن جلبوع عبر نفق الحرية. وتقول والدته: ” ابني بطل الأبطال ، اختار طريق الجهاد بإرادته الحرة، وهو شجاع وشهم وبطل، ولا يعرف الخوف ومتمرد ، لذلك مهما قيدوه فانه قادر على كسر قيده. هم قادرون على سجنه وتقييده وحصاره، لكن قدرة رب العالمين أكبر منهم وسياتي اليوم الذي يعود فيه محمود حراً ومنتصراً”.
بعد سنوات من الصبر والتحدي على بوابات سجون الاحتلال لزيارة ابنائها الذين اعتقلوا واحداً تلو الآخر، نالت الامراض من الوالدة، حتى لم تعد قادرة على زيارة ابنها الأسير محمود، الذي لم تنل السجون من عزيمته ومعنوياته، فشارك الأسرى معارك الحرية والكرامة، واكمل دراسته الجامعية وحصل على البكالوريوس واتم حفظ القران الكريم كاملاَ.
في بلدة عرابة، ولد وتربى ونشاً محمود العارضة، وسط أسرة مناضلة ومحافظة وملتزمة، ويقول شقيقه المحرر رداد: ” تربى محمود على الاخلاق الحميدة، وتميز بالبر والحب والوفاء لعائلته ووطنه وشعبه . انه انسان عصامي ومكافح وصاحب فكر وعقيدة وايمان راسخ بقضية شعبه وعدالتها”.
ويضيف: ” تلقى تعليمه بمدارس عرابة حتى أنهى الصف التاسع، ورغم صغر سنه، الا انه كان يشارك في المسيرات والمواجهات والانشطة الطلابية فاعتقله الاحتلال في المرة الاولى بعمر 14 عاماً (عام 1992)، ورغم صغر سنه، عاش تجربة الالم والمعاناة والصمود والتحدي في سجون الاحتلال التي قضى فيها 4 سنوات ونصف “.
وبعد تحرره، لم يتمكن محمود من اكمال دراسته واستعادة حياته الطبيعية، فقد أدرجه الاحتلال ضمن قائمة المطلوبين لنشاطه في حركة الجهاد الإسلامي.
ويقول شقيقه ” لم يتوقف الاحتلال عن استهدافه ولم يفرح بطعم الحرية، فقد طارده الاحتلال حتى اعتقل مساء يوم21/9/1996″.
وأضاف: ” تسلل محمود تحت جنح الظلام لمنزلنا للاطمئنان على الوالدة والعائلة، لكن عيون الاحتلال كانت ترصده، فاقتحم العشرات من الجنود منزلنا واحتجزوا كل افراد العائلة وعزلونا حتى انتهت عملية التفتيش باكتشاف محمود واعتقاله”.
ويكمل: “بعد تخريب محتويات واثاث المنزل، اقتادوا شقيقي لأقبية التحقيق في زنازين الجلمة التي قضى فيها 3 شهور، انقطعت خلالها اخباره ولم يسمح لاحد بزيارته “.
وبعد رحلة العزل والتعذيب، بدأت محطات المعاناة الجديدة بين المحاكم التي انتهت بصدور حكم بالسجن المؤبد اضافة لـ 15 عاماً بحقه.
ويقول شقيقه رداد: ” لم ينل الحكم والاحتلال وسجونه من عزيمة ومعنويات محمود، فسطر بطولات بالصمود والتحدي واكمل مسيرته التعليمة، حيث حصل على شهادة الثانوية العامة ثم انتسب لجامعة الاقصى وحصل على شهادة البكالوريوس في اصول الفقه “.
ويضيف ” حاليا حرمه الاحتلال من إكمال دراسته العليا، لكنه استثمر كل لحظة خلف القضبان، فاكمل حفظ القران غيباً، كما تمكن من تأليف عدة كتب ودراستها من اهمها كتاب /الرواحل/ الذي يتحدث عن سيرة العلماء القدامى، وقد تمكن من اصداره ونشره ، ليؤكد للاحتلال ان إرادة الأسير أقوى من سجونه وقمعه “.
وخلال اعتقاله، لم يتوقف الاحتلال عن استهداف عائلته، فاعتقل شقيقته هدى التي قضت 3 سنوات ونصف خلف القضبان، أما شقيقيه أحمد ورداد، فخاضا تجربة الاعتقال والصمود على مدار 20 عاماً حتى تحررا، بينما شقيقه شداد قضى 4 سنوات ونصف.
ويقول رداد: “عاشت والدتي كل صنوف الالم وهي تتنقل بين السجون لزيارتنا، وقضت واستقبلت كل المناسبات والاعياد محرومة من حضورنا ومشاركتنا، لكنها صبرت وتحدت وفرحت رغم قساوة السجن والسجان بحريتنا التي ستبقى منقوصة ما دام محمود خلف القضبان “.
ويضيف ” قبل منع لزيارات، كانت كل العائلة تعاني من المنع الامني ، وعلى مدار السنوات الماضية لم تعرف عائلتنا معنى الفرح لان كل الاشقاء والشقيقات تزوجوا بغيابه وهو خلف القضبان، وما زال ابناءنا ممنوعين من زيارة عمهم وخالهم لانهم مرفوضين امنياً ايضا “.
ومنذ انتزاعه حريته من سجن “جلبوع” عبر نفق الحرية برفقة عدد من الاسرى، يتعرض محمود للعقوبات خاصة العزل، وحالياً يقبع في زنازين سجن”نفحة”.
ويقول شقيقه” أخباره مقطوعة منذ الحرب على غزة حيث تمنع الزيارات، ونتمنى أن لا نحتاج اليها مجدداً، وأملنا ان ينال حريته في الصفقة القادمة”.