المسافة الفاصلة بين “السور الواقي” و”السور الحديدي”

اطلس:كتب أسامة خليفة : المخيمات أيقونة المقاومة، ولمدينة جنين ومخيمها شأن عظيم في النضال الوطني الفلسطيني، منذ بداية الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، وعبر المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، وظل شمال الضفة الغربية هاجساً أمنياً بالنسبة للعدو الصهيوني حيث تتمركز مجموعات المقاومين الفلسطينيين، ولاسيما في مخيم جنين أسطورة الصمود.

أطلقت إسرائيل في «21 كانون الثاني/  يناير 2025 » عملية اجتياح واسعة في شمال الضفة الغربية أسمتها «السور الحديدي» استهدفت على الخصوص جنين ومخيمها، وحشدت لها آلاف الجنود وسلاح الجو، بناء على هذا التحشيد الإسرائيلي، وما يقابله من الإصرار الفلسطيني على التصدي للاجتياح، وانتشار المقاومين في المخيم ومحيطه، من الممكن أن تتحول المعركة إلى حرب مفتوحة، فالمرجح أن تطول الحملة العسكرية، وقد تمتد إلى شهر رمضان الذي يشحذ طاقات الشباب الثائر، ونحن على بعد شهر تقريباً من الشهر الكريم، تخشى فيه اسرائيل من اتساع دائرة المقاومة، بل احتمال اندلاع انتفاضة شاملة في جميع أنحاء الضفة المحتلة.

توحي تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بنوايا إسرائيل التصعيدية في الضفة الغربية بعد هزيمتها وخيبتها في الحرب العدوانية على غزة، وكان وزير الدفاع الإسرائيلي «يسرائيل كاتس» قد قال الأربعاء 22 يناير/ كانون الثاني إن «عملية السور الحديدي في مخيم جنين للاجئين ستشكل تغييراً في مفهوم الأمن الذي يتبناه الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية». وأضاف كاتس أن «تنفيذ عملية واسعة النطاق للقضاء على الإرهابيين والبنية التحتية التابعة لهم في المخيم، دون أن يتكرر الإرهاب داخل المخيم مع انتهاء العملية، هو الدرس الأول من أسلوب المداهمات المتكررة في غزة». وقال قائد عملية «السور الحديدي»، إن هذه العملية مختلفة عن سابقاتها تماماً، وتتضمن نقل الخبرات من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.

شُنت أكثر الحملات وحشية على مخيمات اللاجئين (طولكرم + جنين + نور شمس + الفارعة + بلاطة)، وكان النصيب الأكبر من هجمات القوات الإسرائيلية واقتحاماته مدينة جنين ومخيمها، في نيسان/ ابريل عام 2002، شهد مخيم جنين أشد المعارك والمواجهات، وكانت ملحمة صمود بطولية في مساحة جغرافية ضيقة، ضمن ما سمي حملة «السور الواقي»، تلك الحملة العسكرية الهمجية التي انتهجت اسرائيل فيها سياسة الأرض المحروقة، وأساليب الحرب الإرهابية، وارتكبت جرائم حرب موصوفة، تعامل معها المجتمع الدولي بصمت مريب. لقد أوقعت عملية «السور الواقي» خسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف الفلسطينيين، لكنها لم تنجح في فرض هدفها السياسي أو كسر الإرادة الوطنية الفلسطينية، وفشلت في إخماد الانتفاضة أو استئصال المقاومة.

وكان أخر الحملات في الأسبوع الأخير من شهر آب/أغسطس الماضي تحت مسمى «مخيمات صيفية»، التي اعتبرت مرحلة جديدة في الصراع مع إسرائيل، تؤكد أن الحرب الهمجية التي يشهدها قطاع غزة، انتقلت إلى الضفة الغربية، حيث المحور الرئيس الذي يقوم عليه مشروع الضم بأسلوب «الحسم»، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، مما يضع عموم الحركة الوطنية، كما يضع السلطة الفلسطينية أمام استحقاقات سياسية كبرى ومصيرية.

وفي آذار/ مارس 2022، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية «كاسر الأمواج»، شملت اقتحامات لمناطق عديدة في الضفة الغربية تركزت في مدينة جنين ومخيمها، شارك فيها 25 كتيبة عسكرية، واستخدمت خلالها قوات الاحتلال الإسرائيلي الطائرات المسيرة، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 100 فلسطيني. وتلاها مباشرة  اجتياح عسكري لمخيم جنين، في أيار /مايو 2022، استشهدت خلاله الصحفية شيرين أبو عاقلة برصاص جيش الاحتلال في أثناء تغطيتها للاجتياح.

في 3 تموز/ يوليو 2023 جرت معركة «بأس جنين»، وبصمود المقاومين وبسالتهم منع العدو من تحقيق أهدافه بالقضاء على المقاومة، وفشلت الحملة العسكرية الإسرائيلية على جنين ومخيمها، بل استمرت المقاومة وتصاعدت، وفي كل يوم عمليات إطلاق نار تجاه مستوطنات وحواجز عسكرية، يضاف إليها مواجهات شعبية، لا سيما في مناطق التماس والقدس، ومظاهرات في مراكز المدن، فيما تتصاعد حالة الغليان يوماً بعد يوم وفق تطور الأحداث في الضفة وفي الحرب العدوانية على قطاع غزة.

نحو 22 عاماً وعشرة شهور تبلغ المسافة الزمنية الفاصلة بين «السور الواقي» و«السور الحديدي»، تصاعدت خلالها أعمال المقاومة بمختلف أشكالها، والمسلحة منها بشكل خاص، في أنحاء الضفة الغربية، وباتت تشكل ظاهرة ثابتة من ظواهر مقاومة الشعب الشاملة، في مواجهة تغول سلطات الاحتلال وتسريعها في تطبيق إجراءات الضم. في هذا الإطار تأتي عملية «السور الحديدي» الثلاثاء 21 كانون الثاني/ يناير 2025، لتحقيق أهداف أساسية «سياسية – عسكرية»، كما كل معارك الضفة التي سبقتها بين السورين الواقي والحديدي، في هذه العملية التي حشدت لها إسرائيل آلاف الجنود والضباط والعديد من الآليات والجرافات والطائرات الحربية والمسيَّرات، تهدف عسكرياً إلى القضاء على القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية التي تتعاظم وتتطور يوماً بعد يوم، وتعزيز هيمنتها على الضفة الغربية، تسعى اسرائيل إلى تهيئة المسرح للتوغل المتواصل والمتكرر كما جرى في الحرب على غزة، وفتح الطريق أمام اجتياح المدن والسيطرة عليها، وإزالة العراقيل أمام مشروعها في حملة الحسم. بتكرار اجتياحاتها للضفة الغربية مدناً ومخيمات اللاجئين، ولمنع وقوع ما تسميه 7 أكتوبر جديد، من خلال نقل سياسة الأرض المحروقة من قتل وتدمير وفق النموذج العزاوي إلى الضفة الغربية، حيث يعلن مسؤولون إسرائيليون أن جنين يجب هدمها مثل غزة، بحجة إزالة بعض مناطق الإرهاب أو اجتثاث الذراع الإيرانية في فلسطين. وارتكاب المجازر على يد الجيش الإسرائيلي، وفرض النزوح الجماعي والتهجير على السكان، وتشريد للاجئين في أكثر من مكان، في سياق إصرارها على تصفية حق العودة. ولم تسلم الأبنية السكنية والبنية التحتية وشبكات الكهرباء والماء والاتصالات، من قصف طائرات الاحتلال العشوائي، ومن تجريف الآليات الضخمة، وعرقلة عمليات الإسعاف والوصول إلى الجرحى، والاعتداء على المشافي، سعياً من إسرائيل إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني الحاضن بقوة للمقاومين، وما تدمير الممتلكات والبنية التحتية لشبكة الماء والكهرباء للمخيم إلا سعياً لتفريغ مخيم جنين من سكانه وتهجير الآلاف كعقاب جماعي على ما يشكله التفافهم حول المقاومين وإسنادهم بقوة وثبات، مما يرفع الروح المعنوية والقتالية ويمنح الصلابة للمقاومين، وبما يشد العزائم ويمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة.

أما من الجانب السياسي، فالحروب المتنقلة تهدف إلى تصفية المشروع الوطني الفلسطيني وأهدافه المشروعة، وإعدام للكيانية الوطنية، فلا مكان لدولة فلسطينية في الضفة الغربية، ولا انسحاب من القدس الشرقية المحتلة، ولا تفكيك للاستيطان، ولا مكان لحق العودة في أي حل، وكل الأرض الفلسطينية، ما بين النهر والبحر، هي ملك لليهود، وحدهم يملكون حق تقرير المصير عليها.

عن Atlas

شاهد أيضاً

راسم عبيدات يكتب : الحل بالسياسة وليس بالحروب والحلول العسكرية والأمنية

اطلس: الحل يكمن بالإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولة فلسطينية، دولة فلسطينية الكنيست الإسرائيلي …