م. شوكت الراميني يكتب : المؤتمر الوطني الفلسطيني بين نظرية التآمر والمطلب الوطني الشعبي

في ظل المحاولات المستمرة لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتشريده، عبر حروب الإبادة والتطهير العرقي المتواصلة والمتصاعدة، ومختلف التلاوين الحربائية الناعمة والعنيفة لإذابة شعبنا وتشتيته، أصبح عقد حراك، وحراكات شعبية مطلبًا وطنيًا تلقائيًا، سواء أخذت هذه الحراكات شكل مؤتمرات أو تجمعات أو أطر مختلفة التشكيلات، وطالما هناك استعصاء في الحالة الوطنية الفلسطينية وتشتت الوضع القيادي الرسمي وانقسام الوطن.

فالمؤتمر الوطني الفلسطيني واحدًا من تلك الاستجابات الشعبية الكثيرة، وصوت ضميري منطقي، وهذه الحراكات ان لم تكن موجودة تلقائيا وهذا يعني انغلاق أفق الحالة الوطنية في البناء الفوقي والشعبي العريض ،  لا سمح الله ، فكان علينا ايجادها ، انها ضرورة استراتيجية وليست مجرد خيار سياسي لم لم يدرك ذلك .
فاذا تأكدنا من التزام تلك المؤتمرات والحراكات الشعبية… إلخ، بكونها تجمعات شعبية منظمة مستقلة، تسعى من خلال انعقادها ونشاطها المبدئي، ورسائلها المركزية الباحثة عن السعي للحث على إنشاء قيادة وطنية موحدة، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتوسيعها، كممثل شرعي وحيد لشعبنا، فهذه الرسائل تطمننا ولا تخيفنا.
يشكل المؤتمر الوطني وكافة التجمعات والمؤتمرات والتحركات الشعبية المنظمة أدوات ضغط منظمة لتحقيق أهداف شعبنا المشروعة ،انها تجربة راقية وآليات قيمة تتلاءم مع خصوصية الوجود الفلسطيني في أصقاع الأرض وخصوصية اللحظة، ووعيًا بعدم رغبة شعبنا في تنفيذ أي انفجار جماهيري غير قابل للضبط وهو عن وعي عميق لا يريده ولا يسعى له إلا قهرًا .
فمنظمة التحرير الفلسطينية ووحدانية تمثيلها له، هي أهم منجزاته الكبرى في سياق تجذير وجوده، ونتاج لكفاحه الطويل التراكمي، المتوج بالثورة المعاصرة وعلى رأسها حركة فتح ، والتي خاضها بالدم والأرواح والتضحيات النفيسة وعبر أجيال متعاقبة، وغني عن القول هنا أن تلك المنظمة ملكه وأداته المطلقة وهو صاحب الولاية عليها ، ولا يحق لأي كان السيطرة المطلقة عليها ، أو خطفها ،أو تجميدها ،أو إذابتها دون موافقته وقراره، واستباق ذلك بتلك الإجراءات قبل تحرره الحقيقي المطلق وبناء دولته المستقلة.
فالمؤتمر الوطني الفلسطيني وما ماثله، والالتزام بقاعدة المبادئ والمرتكزات والثوابت الفلسطينية، والتشبث بالاستقلالية والنأي عن أي أجندات خارجية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، والايمان العميق بوحدانية تمثيل م. ت. ف للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، والإيمان بوحدة الأرض الفلسطينية وشعبها وامتلاكه التاريخي لتلك الأرض ومقدساتها، وتحريم الاقتتال الداخلي، والإيمان بالتعددية والحوار والأساليب السلمية طرقًا للعلاقات الداخلية وحل الخلافات، تشكل محطة ومحطات وطنية شرعية لا تآمريه، وروافع فعالة لإعادة وحدة الصف الفلسطيني وتجديد قيادته، خاصة بين القوى الوطنية والإسلامية، وإعادة بناء وتوسيع وتحديث منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها وتطويرها، وإطلاق طاقاتها الكامنة والظاهرة، وإنهاء الانقسامات الداخلية التي أضعفت القدرة الجمعية على مواجهة المخططات الإسرائيلية والدولية الرامية إلى فرض واقع جديد، أخطر وأكثر إجرامية وأوسع مدى.ويعبر كل ذلك تمسك شعبنا بقضيته واستمرار كفاحه العنيد ، مما يدعو للمفخرة والتقدير والمداخلة في التصويب ،لا التخوين الوقائي الدائم ،على قاعدة انت خائن حتى يثبت استشهادك، والا فدلونا على السبيل والوسيلة! فحلوا الاستعصاء وحدكم، أو افتحوا أبواب الوطن وقاعاته واحموا المتحاورين، وكونوا (الأجندة الخفية) لتلك الحراكات ،فلا تدفعوا شعبكم الى جغرافيا الأنظمة ، ثم تلوموهم، وتطلقوا النيران عليهم .
إن الانقسام المزمن، والتفرد في القيادة، والنمطية الواحدة في التفكير والتخطيط ، وعدم التجرؤ على مغادرة صندوق الأفكار والسياسات ، أثر على تآكل الشرعية الفلسطينية، محليًا وإقليميًا ودوليًا، وتدني مستوى التقدير لها .
فتصدح حناجر شعبنا، وتخفق قلوبهم، وتتعالى في السماء ابتهالاتهم، أملًا في صبح يوحدهم ويوحد قياداتهم، فشعبنا حقًا يأمل بقيادة شرعية موحدة ضمن خطوات توافقية، تحظى بقبول واسع بين مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية، ليعزز بها صموده في الداخل والخارج، ويبلور عبرها استراتيجيته الوطنية الموحدة، القائمة على المقاومة السياسية والقانونية، وتكامل الأدوات الكفاحية التي شرعها القانون الدولي. فلا بد من تكامل مع المستجدات الدولية التي أفرزتها المواجهة الوجودية المجيدة في طوفان الأقصى، والتي خاضها الشعب الفلسطيني موحدًا دون قيادة مركزية موحدة، مدشنًا يومًا مشهودًا للاستقلال الوطني، مهما طال أو قصر زمانه، فقضيتنا الفلسطينية لم تعد قضية محلية، بل قضية تحررية عالمية، ومحورًا أساسيًا في استقرار الشرق الأوسط والعالم. فكيف لنا أن نضيع هذه الإنجازات الممهورة بأقصى العذابات والتضحيات الهائلة؟ وكيف لنا ان نمنع سيل المخططات التصفوية وتكالبها علينا .فنداء شعبنا عبر كل تلك المؤتمرات الشعبية وحراكاتها، والمؤتمر الوطني الفلسطيني مثالاً، هو السعي لقيادة فلسطينية جديدة وموحدة، ومنظمة تحرير فلسطينية فاعلة، لتحقيق أهدافه وتصويبها الواعي ، ولا تعني المطالب بقيادة جديدة بالضرورة عزل القيادة الحالية أو تنحيتها وانقلاباً عليها ، بل تعمل على مد جسور الحماية المطلقة لها، وتشجيعها على التخلص من كل أثقالها المقدرة، وإيجاد البدائل عن مكبلات حركتها، وتأمين شبكة وطنية حامية وجامعة لخطواتها  المنشودة .
يأمل شعبنا أن تسرع (القيادة الجديدة الموحدة) ورؤاها في تشجيع إعادة النظر لكثير من الدول المتحفظة والمنحازة والمعادية للقضية الفلسطينية في سياساتها، مستفيدة من التحولات الجيوسياسية العالمية وآفاق مآلها وتفاعلاتها الجارية الآن. وإن الوحدة المنشودة والقيادة الموحدة المحدثة، تعد كسرًا وإحباطًا للخطة الإسرائيلية القائمة على تفريق الفلسطينيين، وإضعاف تقديرهم، عبر تشتيت مركز قيادتهم، كما هي تحاول أن تفعل وفعلت وساعدت على إعاقة قيام أي قيادة موحدة في قطاع غزة والضفة الغربية منذ سنوات، وبغض النظر عن هوية تلك القيادة الموحدة السياسية التفصيلية، طالما أنها تعكس الشخصية الوطنية لوجود شعب واحد لوطن واحد اسمه فلسطين، وتؤمن بضرورة استقلاله وانتزاع دولته وتحررها.
إن نجاح الفلسطينيين في تنظيم أنفسهم وتوحيد قيادتهم وموقفهم، وانقاذ منظمتهم ، سيمكنهم من تقديم خطاب موحد للعالم، يُظهر ويعزز القضية الفلسطينية كقضية تحرر عالمية ، ويصعد الضغط الشعبي الدولي لصالحهم.
فالقيادة الموحدة المنشودة وفي ظل منظمة التحرير الموحدة، قادرة على تنويع تحالفاتها، وعدم الارتهان لأي طرف والانصياع لمطالبه المجحفة، وبناء علاقات دولية أعمق وأوسع وأكثر جدية، مع القوى الصاعدة كالصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، مستفيدة من التحولات في العلاقات الدولية وارتهاناتها، وتغير قواعد الأولويات والتحالفات والتقاطعات المصلحية. وقادرة تلك القيادة أيضًا على إعادة الاعتبار للمقاومة الشعبية والدبلوماسية كأدوات مؤثرة في الكفاح الفلسطيني، كتحرك تكاملي مع أشكال المواجهات المقاومة.
إن هذا المؤتمر وأي مؤتمرات شعبية وطنية مستقلة، في حال تحقيق أهدافها، ستنقذ المشروع الوطني من الضياع، وتعيد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العالمي، وتجعلها في قلب التفاعلات العالمية، وتدفعها إلى توافقات إيجابية في جدول تشابكات الأقطاب العالمية المتصارعة وحواراتها المرتقبة. وسيجعلها حجر الزاوية في أي تصور مستقبلي لاستقرار المنطقة والعالم. فلا استقرار عالمي دون حل عادل للقضية الفلسطينية، ولا حل عادل بدون قيادة فلسطينية موحدة و م. ت. ف قوية ، فهل قيادتنا مستجيبة ونحن فاعلين .
السلطة الوطنية وخلفيات المعارضة الحادة
تواجه السلطة الوطنية الفلسطينية انتقادات واسعة باتهامها بعرقلة جهود توحيد منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل قيادة وطنية موحدة، رغم تعاقب الاتفاقيات والتوافقات، وذلك لعدة أسباب رئيسية تتعلق بالمصالح السياسية، والتوازنات الإقليمية والدولية، والخوف من فقدان السيطرة على القرار الفلسطيني. ومن هذا المنطلق، تسعى السلطة إلى الحفاظ على الاحتكار السياسي والتمثيل الدولي بقيادة حركة “فتح”، وترى أن أي توسيع للمنظمة ليشمل قوى سياسية أخرى، خاصة الفصائل المعارضة، قد يضعف من نفوذها داخل المنظمة، ويمنح قوى أخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي تأثيرًا أكبر في القرار الفلسطيني.
وتخشى القيادة الحالية كذلك من إعادة هيكلة المنظمة بطريقة تقلل من صلاحياتها أو حتى تضعف السلطة الفلسطينية نفسها لصالح كيان قيادي جديد أكثر تمثيلًا وتأثيرًا، يتمثل في منظمة تحرير فلسطينية موحدة، موسعة، ومجددة. وكما تعاني السلطة من التزامات دولية وضغوط خارجية قوية من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية لمنع أي تغيير جذري في هيكل القيادة الفلسطينية، وإبقائها على حالها، وللأسف انتظاراً لحين اتخاذ قرار تصفيتها. فإعادة الهيكلة تعني دخول فصائل تصنفها بعض الدول على أنها “إرهابية” (مثل حماس والجهاد الإسلامي)، مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات مالية ودبلوماسية على السلطة الفلسطينية، ووقف الدعم المالي من الجهات المانحة.
وتحافظ السلطة على اتفاق أوسلو، وتخضع لصورة وظيفية نمطية حددت إسرائيل جزءًا رئيسيًا منها، واختزلتها في التنسيق الأمني، ومنحتها قوة ادارية وتنظيمية لاحتياجات شعبنا، وجردت الاتفاقية من كل أهدافها السياسية الكبيرة وألغتها وتجاوزتها نحو الضم والتهويد والتهجير فحولت حالة السكون كجوهر للاتفاق .
وإعادة الهيكلة لمنظمة التحرير تثير مخاوفها من فرض دمج للقوى العسكرية والأمنية للفصائل الأخرى ضمن الأجهزة الرسمية، مما قد يؤدي إلى فقدان السيطرة الأمنية والسياسية لصالح أطراف غير مرغوب فيها.  وبعبارة أخرى، يُظن أن أي قيادة موحدة ستؤدي إلى إعادة توزيع السلطة والموارد، مما قد يضعف سيطرة ” السلطة” على المؤسسات الفلسطينية، ناهيك عن اعتماد السلطة الفلسطينية على التمويل الدولي الذي يأتي ضمن إطار سياسي معين، وأي تغيير في تركيبة القيادة الفلسطينية قد يؤدي إلى إعادة توزيع المساعدات المالية أو حتى فقدانها بالكامل. يضاف إلى ذلك، نمو شبكات اقتصادية ومصالح تجارية ترتبط بالنخب السياسية التابعة للسلطة، وهذه النخب لا ترغب في أي تغيير يخلّ بميزان القوى الاقتصادية داخل الأراضي الفلسطينية وتشابكاته، واستقرار الحالة .
ولا ترغب السلطة، حتى اللحظة، في تغيير اعتمادها على النهج التفاوضي مع إسرائيل كما هو معلن مكرراً، رغم توقف المفاوضات منذ زمن طويل، وترك إسرائيل الطرف الفلسطيني جالسًا على طاولة المفاوضات وحيدًا. وانطلاقاً من هذه الرؤية السياسية، تخشى السلطة من أي تغيير في إطار القيادة أو من تفعيل للمنظمة وأطرها، لاحتمالية تغيير هذا المسار. فكل ما يخشى منه في حالة التغيير قد وقع بالفعل ليس بسبب الشعب الفلسطيني، ولكن بالتخطيط الاسرائيلي المتدحرج ، وبالتسارع الذي يفرضه التيار الصهيوني الديني الفاشي المتحكم بالسلطة في اسرائيل.
أما أمريكيا والدول الغربية وإسرائيل، فتُوحي بتفضيل بقاء السلطة على هيئتها الحالية ، من منظور تكتيكي مؤقت، متخذة من هذا الواقع أداة لمنع الوحدة، رغم عداء اسرائيل المطلق لفتح وحماس ، وأي تشكيل وجودي يعبر عن شيء اسمه فلسطين ، فلا فتحستان ولا حماسستان .
منظمة التحرير والقيادة الموحدة… الأهداف والبرنامج التحرري
إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية وتشاركية، وقيادة موحدة، هو سعي شعبي وطني عارم، تعززه تضحيات شعبنا الهائلة في قطاع غزة والضفة الغربية وكل أماكن تواجده ، وتدفع باتجاهه المصالح الوجودية والضمير الوطني. ويأتي المؤتمر الوطني الفلسطيني وما شاكله انعكاسًا إطاريًا لتلك المطالب الجامحة ورغبة في تحقيقها، وأداة استجابة للتصدي لحرب الإبادة والتهجير الجائرة بحق شعبنا، وسعيًا لضم كافة القوى والفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج ضمن إطار المنظمة التنظيمي، لتعظيم مقومات صمود شعبنا  وهزيمة التهجير والاذابة ،وتقريبه من تحقيق انتصار تاريخي مأمول.
وفي هذا الإطار، يسعى شعبنا وقواه الحية إلى ضمان انتخابات دورية للمجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي، وإشراك جميع التيارات والفصائل فيهما، وتجديد القيادة، وصياغة استراتيجية وطنية موحدة للمقاومة والتحرر، والجمع بين المقاومة الشعبية، والقانونية، والدبلوماسية لمواجهة الاحتلال، وإنهاء التنسيق الأمني معه، وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية نحو المواجهة الفعالة، وتجميد أي اعتراف بالمحتلين، والمطالبة بإقامة الدولة واستقلالها كشرط مسبق لأي مناقشة تفصيلية، وإيجاد بدائل داعمة للصمود واستحداث مصادرها. كما تهدف إلى مواصلة ممارسة السلطة الوطنية لدورها على الأرض، وإدارة شؤون شعبنا، ودعم صموده، والدفاع عنه، وتجذيره في أرضه. نعم، إن هذه الأهداف في بعض بنودها تمثل هندسة عكسية لبعض مخاوف السلطة،
ولكنها هي مشروعه الوطني المقاوم . ويُؤمل من القيادة الموحدة المنشودة تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية لدعم الحق الفلسطيني، وعدم الارتهان للموقف الأمريكي أو الضغوط الغربية، والتأكيد على حق تقرير المصير، وعودة اللاجئين، وإنهاء الاحتلال والاستيطان، ورفض أي مشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية مثل التهجير و”صفقة القرن”، وأي حلول مؤقتة لا تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، كإجراء مسبق لأي تفاهمات محتملة، كما أشرنا سابقًا.
وستعمل تلك القيادة المرتقبة على إعادة تعريف العلاقة مع الاحتلال، والتحول من إدارة الأزمة إلى فرض معادلات جديدة عبر المقاومة الشعبية والمدنية والدبلوماسية، وكل ما يتيحه القانون الدولي. وستبادر بفاعلية إلى فرض عقوبات قانونية على الاحتلال في المحاكم الدولية، وملاحقة قادته على جرائم الحرب، كما ستدعو إلى المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل محليًا وعربيًا ودوليًا. وستدير وتحمي وتفعّل وتنمّي دور الفلسطينيين في الشتات، وفي المخيمات الفلسطينية كحاضنة وطنية للقرار الفلسطيني.
كذلك، ستعزز دور الجاليات الفلسطينية في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية للضغط على الحكومات الغربية لدعم الحق الفلسطيني، والمبادرة في دعم وإنشاء منصات إعلامية فلسطينية عالمية لمخاطبة الرأي العام الدولي، والتصدي للرواية وللدعاية الإسرائيلية. كما ستعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير الضفة وغزة وفق رؤية وطنية موحدة، والاتفاق على برنامج سياسي يجمع بين المقاومة الشعبية والمفاوضات المشروطة، وتضع خطوطًا حمراء لأي تنازلات، وتعيد بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية بعيدًا عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإعادة هيكلتها لتكون أداة لحماية الفلسطينيين وليس قمعهم.
وستعمل القيادة الموحدة على إطلاق انتفاضة شعبية واسعة في الضفة الغربية ضد الاستيطان والجدار الفاصل والتهجير، بالتزامن مع فعاليات دولية مساندة تُسقط خطة ترامب للترحيل، وتوسع دائرة المقاطعة الاقتصادية للاحتلال، وتدعو لسحب الاستثمارات من الشركات الداعمة له. كما ستوظّف الأدوات القانونية لرفع دعاوى أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الاحتلال، من إبادة جماعية وتطهير عرقي مورست تاريخيًا ضد الفلسطينيين، والمطالبة بتحميل الاحتلال التعويضات اللازمة عن كل ذلك.
وستحتل المساهمة في إنشاء اقتصاد فلسطيني مستقل مركز اهتمامها، وستعمل على إصلاح المؤسسات الفلسطينية لتكون أكثر شفافية وخدمةً للمواطنين، وتطوير نظام تعليمي فلسطيني يعزز الهوية الوطنية، ويرسّخ مفهوم التحرر. كما ستساهم في تمكين الشباب الفلسطيني سياسيًا واقتصاديًا لضمان مشاركته الواسعة في مشروع التحرر، وستنسج تحالفات مع الدول الصاعدة مثل الصين وروسيا والهند ودول أمريكا اللاتينية والدول الإفريقية لكسر الهيمنة الأمريكية على ملف القضية الفلسطينية.
كما ستستثمر في دعم الدول العربية والإسلامية لصالح الضغط على إسرائيل في المحافل الدولية، وتوفير القدرات المالية اللازمة، وتنمية مصادر رديفة لذلك، وستنضم إلى مزيد من المنظمات الدولية لتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وستواجه التطبيع العربي مع الاحتلال، وتكشف مخاطر التطبيع غير المشروط على القضية الفلسطينية وعلى الدول العربية نفسها، وستستخدم كل مصادر القوة لمواجهة الرواية الإسرائيلية وتثبيت الحق الفلسطيني
لماذا إعادة البناء والتوجيه؟
منظمة التحرير الفلسطينية بحاجة إلى إعادة بناء شاملة تعيد إليها قوتها التمثيلية، وتضمن فاعليتها ورياديتها، عبر ضمان مشاركة جميع القوى والفصائل والشخصيات الوطنية والشعبية والمهنية فيها، مع ضرورة تحديث أنظمتها وقوانينها بما يتناسب مع التحديات المعاصرة. فالمنظمة الموحدة هي وحدة القوة، ولا شك أنها شاخت ووجب إعادة بنائها وتطويرها في محاور عدة.
فإعادة هيكلة مؤسساتها ضرورة ملحة، إذ يجب إصلاح المجلس الوطني الفلسطيني ليشمل ممثلين عن جميع القوى والفصائل الفلسطينية، والمجتمع المدني، والشتات، كما أُشير سابقًا، وتفعيل المجلس المركزي الفلسطيني ليكون هيئة رقابية فاعلة على اللجنة التنفيذية للمنظمة، مع ضرورة إعادة هيكلة اللجنة التنفيذية بحيث تمثل كل التيارات الوطنية، وعدم احتكارها من قبل فصيل معين. كما ينبغي إعادة هيكلة الصندوق القومي الفلسطيني ليكون أكثر شفافية، ويخضع لرقابة المؤسسات المنتخبة، وضمان إجراء انتخابات ديمقراطية شفافة ضمن رؤى محددة تتوافق مع الوجود الفلسطيني.
ومن الضروري أيضًا صياغة نظام انتخابي جديد يضمن تمثيلًا حقيقيًا للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، مع الحرص على إجراء انتخابات دورية لكل هيئات المنظمة، وعدم احتكار المناصب من قبل فصيل أو أفراد محددين. كما يجب إقرار آليات قانونية تضمن عدم تعطيل الانتخابات أو تأجيلها بذرائع سياسية، وإصلاح الأجهزة الرقابية ومكافحة الفساد، عبر تشكيل هيئة رقابية مستقلة لمتابعة أداء القيادة، وضمان عدم الفساد المالي أو الإداري، ونشر تقارير مالية دورية عن أداء منظمة التحرير، ومصادر تمويلها ونفقاتها، ووضع آليات لمنع تضارب المصالح داخل مؤسسات المنظمة، وتقييد الجمع بين المناصب التنفيذية والتشريعية.
أما على صعيد تحديث القوانين والأنظمة الداخلية، فينبغي تثبيت قيم الميثاق الوطني الفلسطيني مع التمسك بالثوابت الفلسطينية، وضمان عدم تغيير الميثاق دون استفتاء وطني شامل يشارك فيه الشعب الفلسطيني، إضافة إلى إقرار دستور لمنظمة التحرير الفلسطينية، وصياغة دستور داخلي ينظم صلاحيات المؤسسات والعلاقات بينها بشكل واضح، مع تحديد مدد زمنية واضحة لشغل المناصب القيادية لضمان تداول السلطة داخل المنظمة، ووضع آليات لمحاسبة القيادة ومنع الانفراد بالقرار الوطني. كذلك، لا بد من إقرار قانون لمشاركة الفلسطينيين في الشتات، ووضع آلية لإشراكهم في القرارات الوطنية من خلال ممثليهم المنتخبين، وإنشاء مؤسسات داخل المنظمة تعبر عن قضايا الفلسطينيين في الخارج، وتضمن دعمهم السياسي والاقتصادي وحمايتهم من الاعتداءات.
وفيما يخص الإصلاحات السياسية والاستراتيجية، فإن إعادة صياغة العلاقة مع السلطة الفلسطينية وتحديد دورها كأداة تنفيذية مناطقية لمنظمة التحرير، وليس بديلًا عنها، بات أمرًا حتميًا وضرورياً، مع التأكيد على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإعادة توحيد القرار الوطني تحت مظلتها، ومراجعة اتفاقيات أوسلو والاتفاقيات الأمنية والاقتصادية التي تضر بالمصلحة الوطنية.
أما على صعيد تبني استراتيجية مقاومة شاملة، فيجب اعتماد استراتيجية وطنية موحدة تشمل المقاومة الشعبية والدبلوماسية والقانونية لمواجهة الاحتلال، وإقرار قانون يمنع التنسيق الأمني معه، وتطوير برنامج اقتصادي مستقل يعزز من صمود الفلسطينيين ويقلل من تبعيتهم الاقتصادية.
ومن الضروري استنهاض الإعلام والعلاقات الدولية، عبر إطلاق إعلام وطني مستقل يعكس حقيقة القضية الفلسطينية ويدافع عنها دوليًا، ووقف احتكار الفصائل الفلسطينية للإعلام الرسمي، وضمان استقلاليته عن أي تيار سياسي معين، مع إنشاء قنوات إعلامية باللغات الأجنبية لمخاطبة الرأي العام العالمي والتصدي للرواية الإسرائيلية.
وفي السياق ذاته، لا بد من تعزيز العلاقات الدولية لمنظمة التحرير عبر إعادة تفعيل الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، والانضمام إلى المزيد من المنظمات الدولية والهيئات لتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومحاسبة اسرائيل ، والنهوض بدور الجاليات الفلسطينية في الخارج للضغط على الحكومات لدعم القضية الفلسطينية.
فهل ستستجيب القيادة الرسمية الفلسطينية لهذا النداء الهادر؟ وهل سيتخلص البعض من لغة التخوين الوقائية؟ ويقر شعبنا عينًا؟

عن Atlas

شاهد أيضاً

شوكت الراميني يكتب : العرب وترامب: من الشعارات إلى بناء الدولة”

اطلس:نتابع في الجزء الرابع والأخير من مقالنا هذا تسليطَ الضوء على عوامل القوة الناعمة. ورغم …