اطلس:كتب اسماعيل الريماوي: في الوقت الذي تنهمر فيه القذائف الإسرائيلية على رؤوس الأطفال والنساء في غزة، ويتساقط الشهداء بالعشرات والمئات، لا يزال بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية واعوانها يظهرون على الشاشات بوجوه حزينة وكلمات متعاطفة، يتباكون على ما يسمونه “المأساة الإنسانية”، بينما الحقيقة أنهم جزء من هذه المأساة، وشركاء ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ في الجريمة.
منذ سنوات، لم تعد السلطة الفلسطينية تمثل مشروعًا وطنيًا جامعًا، بل تحولت إلى جهاز إداري أمني يخدم بقاءها ويؤمن مصالح فئة ضيقة من القيادات المرتبطة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، والتماهي مع شروط الإدارة الأمريكية الجديدة ،ومع كل عدوان على غزة، تبرز هذه الازدواجية القاتلة: تصريحات علنية ضد الاحتلال، وتحركات سرية لكسب الرضا الإسرائيلي الأمريكي .
بين التنسيق الأمني والتمثيل الزائف
التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي وصفه عباس ذات يوم بأنه “مقدس”، لم يتوقف حتى في ذروة الحروب على غزة. ما الذي يمكن أن يكون أكثر خيانة من أن يُطارد المقاومون في الضفة الغربية بينما يُذبح إخوتهم في غزة؟ ومن المؤلم أن السلطة تستغل هذه اللحظات الدامية لتحسين موقعها التفاوضي مع الاحتلال أو للحصول على دعم إضافي من واشنطن، تحت يافطة “نحن البديل المعتدل”.
وهنا يكمن جوهر الأزمة: السلطة لا تريد إنهاء الاحتلال، بل تريد تحسين شروط بقائها في ظله.
منابر العزاء والتضليل
تتحول تصريحات مسؤولي السلطة في كل عدوان إلى خطابات باهتة لا تتجاوز الإدانة الشكلية، بينما يُواصل الإعلام الرسمي للسلطة سياسة التعتيم، ويغيّب الفعل المقاوم من المشهد، ويشكك في جدواه، بل أحيانًا يتماهى مع روايات الاحتلال. وفي نفس الوقت، يتحرك بعض المسؤولين لاستثمار هذا الدم الفلسطيني في صفقات سياسية، أو لمحاولة فرض السلطة في غزة بعد أي تهدئة، وكأنهم ينتظرون اللحظة التي تُسحق فيها المقاومة ليعيدوا إنتاج أنفسهم حكامًا لغزة باسم “الشرعية”.
من الوطنية إلى الامتيازات
أغلب هؤلاء المتباكين لا تحركهم دماء الأطفال في غزة، بل تحركهم حساباتهم البنكية، ومصالحهم الشخصية، وامتيازاتهم التي وفرها لهم الاحتلال تحت غطاء “السلطة”. هم يعرفون جيدًا أن أي انتصار للمقاومة في غزة يُهدد وجودهم السياسي، ويعرّي مشروعهم الذي لم يُنتج إلا الخضوع والانقسام.
الكلمة الأخيرة
إن معركة غزة ليست فقط معركة بين المقاومة والاحتلال، بل هي أيضًا معركة بين مشروعين فلسطينيين: مشروع التحرر والمقاومة، ومشروع التنسيق والانبطاح. ودماء الأبرياء في غزة يجب أن تكون حافزًا لوضع حد لهذا التواطؤ الصامت، ولمحاسبة كل من يتاجر بها لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية.
فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، وسيأتي اليوم الذي يُسأل فيه كل متواطئ: أين كنت حين كان أبناء غزة يُحرقون بالقنابل؟