عزمي الزغير.. القائد الذي صاغ من دمه هوية وطن

كتب م. غسان جابر: في ذاكرة النضال الفلسطيني، تتلألأ أسماءٌ كتبوا التاريخ بدمائهم، وقادوا الميدان بعزم لا يلين، ومن بينهم يسطع اسم الشهيد القائد عزمي عبد المغني عبد الغني الزغير (أبو العبد)، الذي حمل الوطن في قلبه وبندقيته حتى لحظة الشهادة. وُلد عزمي في مدينة الخليل عام 1937، وتربى في أحضانها على قيم الانتماء والعزة، حتى التحق بحركة “فتح” والثورة الفلسطينية عام 1968، لتبدأ رحلة نضالية فريدة تجسد فيها الإيمان والقيادة والتضحية.

من الخليل إلى جبهات الجنوب: مسؤولية الرصد والعبور

مع بدايات التحاقه بالثورة، تولى عزمي الزغير مهمة قيادة جهاز الرصد العسكري في منطقة الأغوار، وهي مهمة بالغة الحساسية، إذ كان مسؤولاً عن تأمين عبور الفدائيين من شرق نهر الأردن إلى داخل الأرض المحتلة، متحديًا أعين الطائرات الإسرائيلية وقنابلها. لم يكن الرصد مجرد مراقبة، بل كان بمثابة شريان الحياة للثوار.

لاحقًا، اتسعت مسؤولياته حين عُيّن مسؤولًا للقطاع الغربي في منطقتي راشيا والعرقوب في جنوب لبنان، حيث قاد العمليات والتمركزات، وحمى معابر المقاومة، حتى أصبح هدفًا دائمًا للجيش الإسرائيلي الذي وضعه على رأس قائمة المطلوبين منذ عام 1980، وصنفه كأحد أخطر القادة الفلسطينيين.

كتيبة أبو يوسف النجار: عمليات خاصة وتخطيط استراتيجي

برز دور الزغير العسكري بوضوح حين تولى قيادة كتيبة الشهيد أبو يوسف النجار في الجنوب اللبناني بين عامي 1974 و1979، وهي وحدة خاصة في حركة فتح نفذت عمليات نوعية داخل العمق الإسرائيلي. تحت قيادته، خضع الفدائيون لتدريبات مكثفة في السباحة، القنص، التفخيخ، والاشتباك الليلي، وكان يشرف بنفسه على تأهيلهم.

ومن أبرز المحطات في تاريخه مشاركته في التخطيط والدعم اللوجستي لعملية الشهيدة دلال المغربي عام 1978، التي نفذتها فرقة فدائية بحرية وضربت قلب الكيان الإسرائيلي في عملية استشهادية تاريخية لا تزال حاضرة في الذاكرة الفلسطينية.

كما شارك في الإشراف على عمليات فندق سافوي وكمال عدوان، وهي من أعقد العمليات التي نفذتها الكتيبة ضد الاحتلال، وأثارت ذعراً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، مما زاد من ملاحقة العدو له بشراسة.

العلاقة بخليل الوزير (أبو جهاد): تكامل القيادة والميدان

امتدت علاقة عزمي الزغير بالقيادي البارز خليل الوزير (أبو جهاد) إلى عمق العمل المقاوم. فكان عزمي أحد أهم القادة الميدانيين الذين عملوا بتوجيه مباشر من أبو جهاد، وشاركه في التخطيط والإشراف على العمليات النوعية. هذا التناغم بين القيادة السياسية والعسكرية عزز من فعالية العمل الفدائي ووسّع نطاق العمليات الفتحاوية في الداخل والخارج، ما جعل الاحتلال يضاعف من حملات الاغتيال ضد كوادر الثورة.

الاجتياح الإسرائيلي عام 1982: معركة الصمود الأخير

حين اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان عام 1982، تولى عزمي الزغير مسؤولية الدفاع عن مدينة صور ومخيم البص. لم يكن أمامه سوى خيار المقاومة حتى الرمق الأخير. تحصن مع عدد من مقاتليه في فيلا “علي عرب” القريبة من المخيم، ليخوض واحدة من أكثر المعارك شراسة في وجه العدو، حيث استمر الاشتباك أكثر من أربع ساعات.

ورغم القصف البحري والجوي، واشتراك وحدات الكوماندوز الإسرائيلية، أظهر عزمي ومرافقوه صموداً أسطورياً. في تلك المواجهة، قُتل 22 جندياً إسرائيلياً، قبل أن تنفد الذخيرة ويُستشهد القائد ورفاقه بعد إنزال إسرائيلي كثيف. أمر شارون آنذاك بقتل عزمي “لا أسره”، وأحرقت الفيلا بمن فيها، واحتجز جثمانه في مقابر الأرقام حتى اليوم.

إرث عزمي الزغير: ذاكرة المقاومة وهوية الوطن

لم يكن عزمي الزغير مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للوحدة الوطنية والتضحية الصامتة. برزت سمعته في صفوف الثوار كقائد حازم، لكنه قريب من جنوده، ومثالًا في الانضباط والبسالة. إصابته بلغم أرضي في ساقه ووجهه لم تمنعه من مواصلة القتال، بل زادته عزيمة على الاستمرار.

أفعاله ومواقفه عمّقت الانتماء الوطني لدى الفلسطينيين، فمثّل نموذجًا حيًّا للهوية الوطنية الفلسطينية المقاومة. قاد رجالًا إلى النصر والشهادة، وترك إرثًا نضاليًا تتناقله الأجيال، وكتب اسمه بين أعظم قادة الثورة الفلسطينية المعاصرة.

عن Atlas

شاهد أيضاً

إبراهيم أبو عواد يكتب : صورة البحر في السرد الروائي

اطلس:تُمثِّل صُورةُ البَحْرِ في السَّرْدِ الرِّوائيِّ قِيمةً مَركزيةً شديدةَ الأهميةِ ، وتُشكِّل رَمزيةُ البَحْرِ في …