إسماعيل الريماوي يكتب : إعادة تشكيل المنطقة.. إسرائيل تضرب إيران في العمق وتُشعل شرق أوسط جديدًا بالنار والدم

في فجر الثالث عشر من حزيران/يونيو 2025، شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورًا غير مسبوق مع تنفيذ إسرائيل ضربة عسكرية مركزة استهدفت مواقع نووية وعسكرية داخل العمق الإيراني، ترافقت مع سلسلة اغتيالات طالت شخصيات بارزة في مجالات القيادة العسكرية والبحث النووي، في واحدة من أجرأ العمليات الإسرائيلية وأكثرها دقة منذ سنوات، هذه الضربة لم تأتِ كاستجابة تكتيكية لحادثة بعينها، بل عكست تحولًا استراتيجيًا جوهريًا عنوانه “إعادة ترسيم حدود الردع” وفرض معادلة قوة جديدة تقوم على مبدأ الضربات الاستباقية، الذي بات حجر الأساس في العقيدة الأمنية الإسرائيلية منذ اندلاع المواجهة المفتوحة مع محور المقاومة في أكتوبر 2023، إلا أن ما يميز هذه العملية هو تجاوزها العلني لخطوط الاشتباك التقليدية وتوغّلها في عمق الجغرافيا الإيرانية، بما يحمله ذلك من رسائل تتجاوز أبعاد الضربة المباشرة إلى معادلات الردع الإقليمية والدولية.

من حيث التوقيت، جاءت الضربة في أعقاب تقارير غربية تؤكد اقتراب إيران من الوصول إلى العتبة النووية الكاملة، ما دفع دوائر القرار في تل أبيب إلى اعتبار أن لحظة الحسم قد حانت، وأن التأجيل بات مخاطرة تمس جوهر الأمن القومي الإسرائيلي، لا سيما في ظل التردد الأمريكي في الانخراط المباشر في صراعات الشرق الأوسط، مقابل التمسك بدور المراقب الذي يسعى إلى منع الانفجار دون التدخل الحاسم لمنعه. ورغم أن الولايات المتحدة أُبلغت مسبقًا بالضربة وباركت تنفيذها، إلا أن العملية نُفذت بأدوات إسرائيلية خالصة واستهدفت منشآت استراتيجية بالغة الحساسية، أبرزها موقع نطنز النووي، ومرافق في أصفهان، إلى جانب قواعد للحرس الثوري ومراكز أبحاث يُعتقد أنها تضُم بنى تحتية معقدة تُعنى بتطوير الصواريخ الباليستية ، وعلى مستوى الاغتيالات، طالت العملية شخصيات ذات صلة مباشرة بالمشاريع النووية والصاروخية، في رسالة واضحة بأن اليد الإسرائيلية قادرة على الوصول إلى العمق السيادي الإيراني دون رادع فعلي، وأن سياسة “قطع الرأس” ما زالت خيارًا مركزيًا في مواجهة المشاريع الإيرانية بعيدة المدى.

الرد الإيراني المحتمل على هذا التصعيد قد يُشكل لحظة فارقة في مسار النظام نفسه، إذ تجد القيادة الإيرانية نفسها أمام معادلة دقيقة: ضرورة الرد حفاظًا على الهيبة ومصداقية الردع، في مقابل تجنب الانزلاق إلى مواجهة شاملة يصعب التحكم في مآلاتها ، وتُرجّح التقديرات أن تسلك طهران مسارات رد متعددة ومتزامنة، تبدأ من ضربات محسوبة ضد مصالح إسرائيلية أو أمريكية في الإقليم، مرورًا بتفعيل ساحات التوتر عبر الحلفاء كحزب الله والحوثيين والحشد الشعبي، وصولًا إلى الهجمات السيبرانية والاغتيالات الخارجية. ومع ذلك، يبقى الرد محكومًا بمنطق الحسابات الدقيقة، إذ تسعى إيران لإحداث أثر استراتيجي دون تجاوز العتبة التي قد تفتح الأبواب على حرب إقليمية شاملة في لحظة غير مناسبة سياسيًا واقتصاديًا لها.

إقليميًا، تمثل هذه الضربة مفصلًا خطيرًا في خارطة الصراع الشرق أوسطي، حيث لم تعد ساحات الاشتباك محصورة في الجغرافيا المباشرة، بل امتدت إلى العمق الاستراتيجي

للطرفين. فإسرائيل لم تَعُد تكتفي بمهاجمة “الأذرع”، بل باتت تستهدف “الرأس”، في حين صارت إيران ترد خارج نطاقها الجغرافي، من البحر الأحمر إلى الخليج، مرورًا بالحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ، هذا الانزلاق في خطوط التماس يُعمّق من هشاشة الإقليم، ويجعل من أي خطأ في التقدير أو تجاوز في الرد، شرارة محتملة لحرب كبرى لا تُبقي ولا تذر.

عربيًا، يُسجّل الغياب العربي عن هذا المشهد كسابقة مؤلمة ، فالدول العربية الكبرى تقف على الهامش، إما في موقع العجز، أو التواطؤ، أو اللامبالاة، ما أتاح لإسرائيل هامشًا واسعًا للتحرك دون أدنى حساب للموقف العربي الرسمي ، بل إن بعض العواصم تعتبر هذه الضربة انسجامًا مع مصالحها في تحجيم النفوذ الإيراني، في حين تكتفي أخرى ببيانات هزيلة تدعو لضبط النفس دون أن تبادر بأي تحرك فعلي لتأطير الموقف العربي ، هذا العجز لا يكشف فقط عن فشل النظام العربي الرسمي في الإمساك بزمام المبادرة، بل يُكرّس منطق الارتهان للقرار الخارجي، ويترك مصير المنطقة في قبضة القوى الإقليمية والدولية المتصارعة، دون حضور عربي فاعل في موازين القوة أو دوائر القرار.

خلاصة المشهد أن ضربة الثالث عشر من حزيران ليست نهاية طور، بل تدشينًا لمرحلة جديدة من المواجهة المركبة، تتداخل فيها أدوات الحرب التقليدية مع الهجمات السيبرانية، والاغتيالات الميدانية مع الحرب النفسية والإعلامية، وتتشابك فيها الجبهات من سواحل المتوسط حتى مضائق البحر الأحمر ، وفي خضم هذا المشهد المضطرب، فإن القوى الإقليمية مدعوة إلى إعادة بناء استراتيجياتها بما ينسجم مع المتغيرات الصاعدة، غير أن التحدي الأكبر يبقى على عاتق العرب، الذين باتوا أمام مفترق حاسم: إما أن يعودوا كأطراف فاعلة تصوغ المعادلات، أو أن يستسلموا لموقع المتفرج في ساحة صراع تتقرر فيها مصائرهم بأيدٍ غيرهم.

عن Atlas

شاهد أيضاً

سفينة مادلين: حين يخاطر الأحرار بحياتهم… ويكتفي العرب بالتفرج

اطلس:كتب  اسماعيل جمعه الريماوي: لم تكن سفينة “مادلين” المتجهة إلى غزة مجرد قارب صغير يشق …