كتبت أ. دينا أبو دية: يُشكّل الشرق الأوسط، هذه البقعة الجيوسياسية المتقلبة، فسيفساءً معقدة من التفاعلات والصراعات التي تتجاوز في تأثيرها حدود الدول الفاعلة. في قلب هذا المشهد المتلاطم، تتربع القضية الفلسطينية كمركز ثقل أخلاقي وتاريخي، لكنها تجد نفسها باستمرار رهينة لتقاطعات المصالح وتضارب الأجندات الإقليمية والدولية. إن الحرب الوحشية على قطاع غزة، التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، لم تكن مجرد جولة جديدة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل هي حلقة مفصلية أعادت صياغة ديناميكيات المنطقة برمتها. لقد وضعت هذه الحرب، وما صاحبها من تصاعد غير مسبوق في اعتداءات الضفة الغربية، القضية الفلسطينية في مواجهة تداعيات غير مسبوقة، لا سيما في ظل الاحتقان المتصاعد بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة إسرائيل. هذا الوضع المتقلب يطرح تساؤلاً استراتيجياً ملحاً: إلى أي مدى تستغل إسرائيل هذا التوتر الإقليمي لتصفية حساباتها التاريخية مع الفلسطينيين، وكيف تؤثر حرب إسرائيل-إيران المحتملة على مستقبل القضية الفلسطينية المحورية التي تتأثر بشكل مباشر بوقائع غزة والضفة؟
إن العلاقة بين إسرائيل وإيران تتجاوز مجرد التنافس الإقليمي لتصل إلى مستوى العداء الوجودي. فإسرائيل تنظر إلى البرنامج النووي الإيراني وتوسع النفوذ الإيراني عبر شبكة “وكلاء” إقليميين – من حزب الله في لبنان إلى حركات المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية – على أنه تهديد استراتيجي مباشر لأمنها القومي ووجودها. في المقابل، تعتبر إيران، بتبنيها خطاب “محور المقاومة”، نفسها المدافع عن القضايا العادلة في المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتستخدم دعمها للمقاومة كرافعة لنفوذها الإقليمي وكورقة ضغط ضد ما تسميه “المشروع الصهيوني”. هذا التجاذب العميق، الذي يغذيه تاريخ من التنافس على الهيمنة، يخلق بيئة إقليمية قابلة للاشتعال في أي لحظة.
الأراضي الفلسطينية في مرمى العواصف: واقع الغدر واليأس
لقد ألقت الحرب على غزة بظلالها الكثيفة على المشهد برمته، كاشفةً عن هشاشة الوضع وخطورة التقاطعات. هذه الحرب، التي بدأت بهجوم غير مسبوق من قبل حماس، ردت عليه إسرائيل بحملة عسكرية وحشية وواسعة النطاق أدت إلى دمار غير مسبوق في القطاع، وخسائر بشرية فادحة تجاوزت 37,000 شهيد [وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة حتى 14 يونيو 2025]، وجرحى بالمئات، وأزمة إنسانية كارثية تهدد بنزوح قسري لأغلبية السكان. إن ما يحدث في غزة يتعدى العمليات العسكرية؛ فالقطاع يشهد تدميراً ممنهجاً للبنى التحتية الأساسية، مع انهيار شبه كامل لشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وتدمير للمنظومة الصحية، وتجويع متعمد للسكان. إن العرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية التي تصل بصعوبة وبكميات لا تلبي الحد الأدنى من احتياجات السكان، تجعل من غزة اليوم مرآة للفشل الدولي الذريع، ومسرحاً لجريمة ضد الإنسانية، حيث تُرِكت لتنزف وحدها، في ظل غياب شبه تام لمحاسبة حقيقية، لتتحول إلى منطقة غير صالحة للحياة، وربما تكون هدفاً لسيناريو التهجير القسري المبطّن الذي يسعى لتغيير ديموغرافي وجغرافي لا رجعة فيه.
على نحو موازٍ ومخيف، تشهد الضفة الغربية تصعيداً غير مسبوق في الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية. فالتوغلات العسكرية باتت شبه يومية، يرافقها حملات اعتقالات واسعة النطاق أدت إلى سجن الآلاف من الفلسطينيين في ظروف مروعة [وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية]. الأكثر خطورة هو التصاعد المنهجي في عنف المستوطنين المتطرفين، الذين يشنون هجمات منظمة ومسلحة على القرى والبلدات الفلسطينية، بحماية أو غض طرف من قوات الاحتلال، في محاولة واضحة لترويع السكان وتهجيرهم من أراضيهم. يضاف إلى ذلك، إغلاق الطرق الرئيسية والفرعية بـ”الحواجز الطيارة”، وتقطيع أوصال المدن والقرى الفلسطينية، مما يشل الحركة ويعمق الحصار ويقوض أي إمكانية للتواصل الجغرافي الفلسطيني، في خطوة تمثل تسريعاً لعمليات الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية.
الاستغلال الاستراتيجي: نافذة إسرائيل لتصفية الحسابات التاريخية
يكمن جوهر التحليل في كيفية استغلال إسرائيل للتوتر الإقليمي المتصاعد مع إيران، وحالة الفوضى والشتات التي تعم المنطقة، لخدمة أجنداتها طويلة الأمد تجاه القضية الفلسطينية. إن تركيز الاهتمام الدولي على خطر نشوب حرب إقليمية واسعة بين إسرائيل وإيران يوفر “ستار دخان” استراتيجياً مثالياً. فبينما ينشغل العالم بمنع هذا التصعيد الأكبر، تجد إسرائيل نافذة استراتيجية فريدة للمضي قدماً في خططها تجاه الفلسطينيين مستغلة الدمار الكارثي في غزة والضغط المتزايد في الضفة الغربية الناتج عن الحرب والاعتداءات:
• تشتيت الانتباه الدولي وتقويض الدعم: إن انشغال القوى الكبرى، من واشنطن إلى عواصم الاتحاد الأوروبي، بمنع حرب إقليمية أوسع نطاقاً، يصرف الأنظار بشكل فعال عن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. تُصبح القضية الفلسطينية مجرد ملف ثانوي في ظل أولوية “احتواء التهديد الإيراني”. هذا التشتيت يقلل من أي ضغط دولي محتمل على إسرائيل، ويضعف الصوت الفلسطيني في المحافل الدولية، ويُغيب الانتهاكات اليومية عن واجهة اهتمامات الإعلام العالمي. إن هذا التهميش يوفر غطاءً لأي إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب في الضفة الغربية أو غزة، بحجة “الأمن القومي” في زمن الحرب الشاملة وبناءً على الوقائع التي خلقتها الحرب الأخيرة.
• تغيير الوقائع الديموغرافية والجغرافية على الأرض:
o في غزة: الحرب الكارثية، بمستوياتها غير المسبوقة من التدمير والنزوح والحصار، لا تهدف فقط إلى تدمير القدرات العسكرية لحماس، بل تتجاوز ذلك إلى جعل القطاع بيئة غير قابلة للحياة. هذا يخدم هدفاً استراتيجياً بعيد المدى: خلق وقائع ديموغرافية وجغرافية جديدة تُصعب أو تُستحيل عودة السكان، وبالتالي تسهيل سيناريوهات التهجير أو تقليص عدد السكان بشكل دائم، مما يقوض أي أسس مستقبلية لدولة فلسطينية ذات سيادة في غزة. يتم إنشاء “مناطق عازلة” عميقة على حساب الأراضي الفلسطينية، وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الحدود، وكل ذلك يتم في ظل صمت دولي شبه تام، مما يعكس تواطؤاً ضمنياً. الحرب كانت أداة مباشرة لتحقيق هذه الأهداف.
o في الضفة الغربية: التصعيد المذكور في عنف المستوطنين والقيود العسكرية هو نتيجة مباشرة لتصاعد الأجواء الإقليمية وتشتيت الأنظار عن الضفة. يمكن قراءته كجزء من استراتيجية لتسريع وتيرة ضم أجزاء من الضفة الغربية، وربط المستوطنات بالعمق الإسرائيلي. يتم تفتيت المجتمع الفلسطيني وتحويله إلى “جزر” معزولة، مما يقضي على أي أمل في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات تواصل جغرافي، وبالتالي تصفية حل الدولتين بشكل فعلي ونهائي.
• شرعنة الإجراءات تحت مظلة “مكافحة الإرهاب المدعوم إيرانياً”: يتم توظيف خطاب العداء لإيران وحركات “محور المقاومة” كذريعة رئيسية لتبرير كافة الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، بما في ذلك التصعيد العسكري الأخير. ربط أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية (حتى تلك التي لا ترتبط مباشرة بإيران) بالتهديد الإيراني، يمنح إسرائيل “شرعية” أكبر في عيون بعض القوى الدولية لشن حملات عسكرية واسعة وتقييد الحقوق المدنية تحت ذريعة مكافحة “الإرهاب المدعوم إيرانياً”، حتى لو كانت هذه الإجراءات تخدم أجندات سياسية أبعد من مجرد الأمن.
البعد الداخلي الفلسطيني: تحديات الوحدة والوكالة الذاتية
على الرغم من التحديات الخارجية الهائلة، لا يمكن إغفال الديناميكيات الداخلية الفلسطينية التي تؤثر بشكل كبير على قدرة الفلسطينيين على مواجهة هذه الأخطار وتشكيل مستقبلهم، خاصة في ظل تداعيات حرب غزة ووحشية اعتداءات الضفة. تُعد الانقسامات الفلسطينية العميقة، خصوصاً بين حركتي فتح وحماس، نقطة ضعف استراتيجية تُستغل بفاعلية من قبل الاحتلال والقوى الإقليمية. هذه الانقسامات أدت إلى:
• تآكل التمثيل الموحد في مواجهة العدوان: غياب جبهة فلسطينية موحدة ذات صوت واحد يُفقد القضية الفلسطينية الكثير من زخمها وتأثيرها على الساحة الدولية. فالعواصم العالمية تجد صعوبة في التعامل مع كيان فلسطيني منقسم، مما يضعف أي جهود دبلوماسية أو سياسية موحدة للضغط لوقف العدوان على غزة أو حماية الضفة.
• شلل عملية صنع القرار في الأزمات: الخلافات الداخلية تعيق بناء استراتيجية وطنية شاملة ومتماسكة للمقاومة أو للتفاوض، وتجعل الاستجابة للأزمات أقل فعالية، كما حدث في غزة حيث أثرت الخلافات على التنسيق الإغاثي والسياسي في ظل الحصار والدمار.
• إضعاف الثقة الشعبية وتأثيرها على الصمود: الانقسام المستمر يولد إحباطًا وفقدانًا للثقة لدى الشعب الفلسطيني تجاه قياداته، مما يؤثر على قدرة هذه القيادات على حشد الدعم الداخلي والخارجي، ويُضعف من عزيمة الصمود في وجه ممارسات الاحتلال اليومية في الضفة وغزة.
• تهميش دور السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على حماية الشعب: في ظل الانقسامات والضغوط الإسرائيلية، تراجعت صلاحيات السلطة الفلسطينية وقدرتها على فرض سيادتها أو حتى حماية مواطنيها، مما يفتح الباب أمام مزيد من التجزئة والضعف في الوقت الذي تتصاعد فيه الحاجة للحماية العاجلة.
إن إسرائيل تستغل هذه الانقسامات ببراعة، فتعمل على تعميقها وتغذيتها لضمان بقاء الفلسطينيين في حالة من الشتات السياسي والجغرافي، مما يقضي على أي أفق لمشروع وطني موحد قادر على تحقيق تقرير المصير والتصدي للمخططات الإسرائيلية بعد الحرب.
ديناميكيات القوى الإقليمية: دور إيران ومأزق المقاومة الفلسطينية
إن دور إيران، بدعمها لحركات المقاومة، يضع الفلسطينيين في معضلة معقدة. ففي حين يوفر هذا الدعم شكلاً من أشكال توازن القوة، إلا أنه قد يُحوّل القضية الفلسطينية إلى ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية، ويُعرّض الشعب الفلسطيني لثمن باهظ. هل يؤدي هذا الدعم إلى تمكين المقاومة الفلسطينية من تحقيق أهدافها، أم أنه يستغلها كأداة في صراع إقليمي أوسع لا يخدم الأجندة الوطنية الفلسطينية بشكل مباشر؟ إن أي حرب بين إسرائيل وإيران ستُلقي بعبء أثقل على الأراضي الفلسطينية، وتزيد من المعاناة، وتدفع بالأطراف الفلسطينية نحو مواقف أكثر تطرفاً، أو نحو الضعف الشديد إذا ما تحول تركيز إيران بعيداً. إذا ما حدث هذا الصراع المباشر بين القوتين، فإن قطاع غزة والضفة الغربية سيتحولان إلى جبهة أولية للاصطدام، مما قد يؤدي إلى دمار شامل يتجاوز التصور، وموجات نزوح هائلة، ونسف أي أفق للحل السياسي لعقود قادمة.
إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية ومستقبل السلام الهش
أما الدول العربية، فقد وجدت نفسها في مأزق أخلاقي وسياسي غير مسبوق عقب حرب غزة. فبينما دفعت هذه الحرب إلى تجديد الغضب الشعبي الرافض للتطبيع، إلا أن شبح الحرب الإقليمية مع إيران قد يدفع بعض الدول، التي ترى في إيران تهديداً وجودياً، نحو تعزيز تحالفاتها الأمنية مع إسرائيل، مما يضع القضية الفلسطينية في مرتبة ثانوية في جداول أعمالها. من جهة أخرى، فإن حدة الصراع وتأثيراته على السكان المدنيين في فلسطين قد تثير غضباً شعبياً عارماً في الشارع العربي، مما يضع ضغوطاً هائلة على الحكومات العربية، وقد يدفع بعضها إلى إعادة تقييم علاقاتها أو مواقفها، لكن هذه الديناميكية تبقى رهناً لمدى قوة هذه الضغوط وقدرة الأنظمة على احتوائها.
على الصعيد الدولي، فإن الفشل الذريع للمجتمع الدولي في وقف حرب غزة، وتقاعسه عن فرض تطبيق القانون الدولي، يُضاف إليه احتمال نشوب صراع إقليمي واسع النطاق، يهدد بتآكل أكبر للمنظومة القانونية والأخلاقية الدولية. هذا الجمود الدولي يخلق سابقة خطيرة، ويُشرعن بشكل ضمني لانتهاكات أوسع، مما يضعف بشكل حاسم أي إمكانية للضغط من أجل حل عادل للقضية الفلسطينية في المستقبل المنظور.
نحو حلول عملية: تجاوز التحديات الداخلية وتفعيل الضغط الدولي
إن تحقيق أي تقدم في القضية الفلسطينية يتطلب مقاربة متعددة الأوجه، لا تقتصر على إدانة الاحتلال والتدخلات الإقليمية فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى بناء قوة فلسطينية ذاتية فاعلة، وتفعيل آليات ضغط دولية قابلة للتطبيق، خاصة في أعقاب حرب غزة المدمرة والتهديدات المستمرة في الضفة الغربية، وفي مواجهة استغلال التوترات الإقليمية لتصفية القضية.
1. الوحدة الفلسطينية كضرورة استراتيجية للتعافي والمواجهة:
o المصالحة وتوحيد الصف في مواجهة تداعيات الحرب: لا يمكن الاستغناء عن إنهاء الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني بين غزة والضفة. يتطلب ذلك حواراً وطنياً جاداً ومسؤولاً برعاية عربية، للوصول إلى حكومة وحدة وطنية مؤقتة تُشرف على إعادة إعمار غزة بشكل عاجل وفعال، وتوحيد المؤسسات، والتحضير لانتخابات شاملة تُعيد الشرعية للقيادة الفلسطينية وتكون قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني في مرحلة ما بعد الحرب، والتصدي الموحد لسيناريوهات التهجير والضم التي تستغل الأجواء الإقليمية.
o إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل الجميع: يجب إعادة تفعيل المنظمة لتكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بكل مكوناته، وتضمين كافة الفصائل الفاعلة تحت مظلتها، مما يعزز صوت الفلسطينيين ووحدة موقفهم على الساحة الدولية في مطالبهم بإنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات المستمرة، وتقويض أي محاولة لتهميش القضية.
o تطوير استراتيجية وطنية موحدة للتصدي للتحديات الراهنة: بناء استراتيجية وطنية جامعة للمقاومة الشعبية والدبلوماسية والقانونية، تتجاوز تكتيكات رد الفعل وتضع رؤية طويلة المدى للتحرر، مع التركيز على التعامل مع واقع الدمار في غزة وعمليات الضم في الضفة، والتي تتفاقم في ظل التوتر الإقليمي.
2. تفعيل الأدوات القانونية والدبلوماسية الدولية لمساءلة الاحتلال:
o محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية كمنصة للمحاسبة: يجب على القيادة الفلسطينية، بمجرد توحدها، الاستمرار في تفعيل كافة المسارات القانونية ضد الاحتلال وممارساته (مثل الاستيطان، الضم، الجرائم المرتكبة في غزة والضفة). الدعاوى القضائية والإحالات للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، بالرغم من بطئها، تشكل ضغطاً قانونياً وأخلاقياً متزايداً على إسرائيل وتُشرعن الرواية الفلسطينية عالمياً، وتمنع تهميش القضية في خضم الصراعات الإقليمية.
o الضغط على الأمم المتحدة ومجلس الأمن لفرض الحماية: حشد الدعم الدولي لتفعيل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والضغط على الدول الكبرى لفرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي، واستخدام حق الفيتو لفرض حماية دولية على الشعب الفلسطيني، وخاصة توفير الحماية لغزة بعد الحرب وللمناطق المهددة في الضفة التي تتعرض للاعتداءات المستمرة.
o حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS) كأداة ضغط فعالة: تعزيز الدعم الشعبي والرسمي لحركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل والشركات المتورطة في الاحتلال والاستيطان، مما يشكل ضغطاً اقتصادياً وأخلاقياً كبيراً يمكن أن يؤثر على سياسات إسرائيل ويجبرها على وقف العدوان الذي يتفاقم تحت غطاء الصراعات الإقليمية.
3. تعزيز الصمود الشعبي والمقاومة السلمية على الأرض:
o دعم صمود غزة والضفة لمواجهة التحديات اليومية: يجب توجيه الدعم العربي والدولي نحو إعادة إعمار غزة بشكل فوري وغير مشروط، ودعم صمود الفلسطينيين في الضفة الغربية في وجه اعتداءات المستوطنين وعمليات الضم المتسارعة، من خلال تعزيز البنى التحتية، ودعم الاقتصاد المحلي، وتوفير الحماية.
o تفعيل المقاومة الشعبية السلمية المنظمة: تشجيع وتوسيع المقاومة الشعبية السلمية المنظمة ضد الاحتلال والاستيطان في كافة الأراضي الفلسطينية، وهي أداة قوية يمكنها أن تجذب دعماً دولياً أوسع وتُفشل مخططات التهجير والضم التي تصاعدت خلال الحرب وتستغل حالة التشتت الإقليمي.
دعوة أخيرة لوقف النزيف ودرء الكارثة الوجودية
إن الحرب الدائرة في غزة، والاعتداءات المتصاعدة في الضفة الغربية، والتهديد المستمر بنشوب صراع شامل بين إسرائيل وإيران، ليست أحداثاً معزولة. إنها حلقات متصلة في سلسلة من الصراعات التي تهدد بتغيير وجه الشرق الأوسط برمته، وفي قلب هذا التغيير الكارثي، تُصبح القضية الفلسطينية في خطر وجودي لم يسبق له مثيل. لقد كشفت هذه المرحلة عن عمق استغلال إسرائيل للتوترات الإقليمية لفرض وقائع جديدة على الأرض، وتعميق الشرخ الفلسطيني الداخلي، مما يمثل جريمة بحق الشعب الفلسطيني ونكوصاً عن مبادئ القانون الدولي.
إن السبيل الوحيد لإنقاذ القضية الفلسطينية من هذا المصير الوجودي، وضمان الاستقرار الحقيقي والدائم في هذه المنطقة المتأرجحة، لا يكمن في تغذية الصراعات أو الاكتفاء بالتحليل. بل يكمن في مقاربة شاملة تستلهم من صمود الشعب الفلسطيني، وتبدأ من توحيد الصف الفلسطيني ذاتياً لمواجهة التحديات الهائلة لدمار غزة واعتداءات الضفة المستمرة، مروراً بتفعيل أدوات الضغط القانونية والدبلوماسية الدولية التي باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لمساءلة الاحتلال، وصولاً إلى تعزيز الصمود الشعبي والمقاومة السلمية على الأرض. هذه الخطوات الأساسية هي ما سيمكن القضية الفلسطينية من مواجهة الاستغلال الاستراتيجي للتوترات الإقليمية، وإعادة توجيه الأنظار الدولية نحو جوهر الصراع، بعيداً عن أية ذرائع أو تشتيت.
يجب على المجتمع الدولي، والقوى الفاعلة، ألا تغفل أو تُهمّش العدالة التي يستحقها الشعب الفلسطيني. إن القضية الفلسطينية هي قضية حقوق إنسانية وقانون دولي لا يمكن أن تُصبح رهينة لأجندات الصراعات الإقليمية أو تُنسى تحت وطأة الأحداث الكبرى. إن الالتزام بالحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، المبني على إنهاء الاحتلال، وتحقيق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس، مع ضمان المساءلة عن جرائم الحرب الأخيرة وإعادة الإعمار العاجلة، هو مفتاح السلام الحقيقي. قبل أن تبتلع النيران الإقليمية ما تبقى من أمل، وتتحول المنطقة بأسرها إلى رماد يذكر الأجيال القادمة بفشل ذريع للمجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته التاريخية والأخلاقية.