إعادة تشكيل الشرق الأوسط: الحرب الإيرانية الإسرائيلية وأفق القضية الفلسطينية

كتب فادي أبوبكر: يشهد الشرق الأوسط اليوم تصعيداً غير مسبوق بين إيران والكيان الإسرائيلي، يتجاوز كونه مجرد مواجهة عسكرية عابرة أو حدثاً طارئاً. فالتصعيد الحالي هو جزء من استراتيجية أوسع، يسعى الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي مطلق، من خلالها إلى فرض هندسة جديدة للمنطقة بعد السابع من أكتوبر 2023. هذه الهندسة تعيد تعريف مفاهيم السيادة والشرعية والردع وفق رؤية إسرائيلية – أمريكية تُكرس التفوق الإسرائيلي المطلق، وتفرض سيادة مشروطة ومراقبة على بقية الأطراف.

في قلب هذه الاستراتيجية يوجد استهداف ممنهج لقضية اللاجئين الفلسطينيين، يتجلى في حملات مستعرة ضد وكالة الأونروا، التي تُعتبر أحد الركائز الأساسية لحق العودة، وهو مكون جوهري في هوية الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير. وتُعد هذه الحملات جزءاً من خطة مدروسة لتصفية حق العودة وشطب القضية الفلسطينية سياسياً. وتشمل المساعي الأمريكية استبدال الأونروا بوكالات أمريكية أو تابعة لحلفاء واشنطن، في إطار إعادة تموضع استراتيجي في الشرق الأوسط، لا سيّما في أماكن وجود الأونروا في لبنان وسوريا والأردن، لمواجهة الصعود الروسي والصيني وتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة.

يعكس هذا المشهد مأزق كيان استعماري يظن أنه قادر على فرض إرادته بالقوة والسياسات الخارجية، لكنه يواجه إرادة شعب فلسطيني بات أكثر وعياً واستعداداً للصمود وأقل قابلية للرضوخ. ومع ذلك، يعيد التصعيد الإقليمي توجيه الأنظار بعيداً عن القضية الفلسطينية، ما يحول اهتمام المجتمع الدولي

نحو صراعات إقليمية أخرى، بينما تستمر الانتهاكات والجرائم بحق الفلسطينيين في غزة وكافة الأراضي المحتلة.

رغم هذا الواقع، تمثل هذه اللحظة فرصة نادرة لإعادة طرح حل الدولتين أو خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، ليس عبر التفاوض التقليدي أو الحلول الأمنية الفاشلة، بل كاستراتيجية مقاومة سياسية وحقوقية تواجه السردية الإسرائيلية الزائفة. إذ بدأ الرأي العام العالمي يتغير تدريجياً، وظهرت أصوات في جامعات ونقابات وإعلام مستقل، بل وحتى داخل المجتمعات الغربية، تعترف بحقيقة المعاناة الفلسطينية وتطالب بالعدالة.

للاستفادة من هذه اللحظة، هناك شرطان رئيسيان: أولاً، وحدة فلسطينية حقيقية تقوم على مشروع سياسي ونضالي جامع وواضح، مدعوم بشرعية شعبية، وقادر على التمثيل الفاعل على المستويين الوطني والدولي. وثانياً، موقف عربي مستقل يملك الجرأة على المبادرة والتحرك في المحافل الدولية، بعيداً عن التبعية أو الحياد السلبي.

في المقابل، يستغل الاحتلال التصعيد العسكري مع إيران كغطاء لتكثيف حرب الإبادة في غزة، حيث يستمر القصف ومجازر المساعدات، ويتسع الدمار، مع فرض أوامر إخلاء تزيد من معاناة المدنيين. وفي الضفة الغربية، يتصاعد الحصار والقمع وسياسات الضم، في محاولة منهجية لإجهاض أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة.

تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو التي صدرت قبل يوم من اتفاق وقف إطلاق النار مع إيران، والتي أشار فيها إلى أن “استعادة الأسرى في قطاع غزة ستستغرق وقتاً إضافياً”، بالإضافة إلى تأكيده أن “المكاسب التي تحققها إسرائيل في النزاع مع إيران ستدعم جهودها في حرب غزة وإعادة الرهائن إلى الوطن”، تعكس بوضوح أن إسرائيل لا تنوي وقف عدوانها على غزة في القريب العاجل. كما جاءت تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي بعد الاتفاق لتؤكد أن التركيز العسكري سينتقل مجدداً إلى غزة، مما يدل على نية الحكومة الإسرائيلية إطالة أمد الحرب وتهيئة الرأي العام المحلي والدولي لتصعيد إضافي، في ظل تقاعس المجتمع الدولي وفقدان الأمل بأي حل تفاوضي قريب.

في الختام، لا بد من العمل على استراتيجية فلسطينية عربية موحدة تعيد الاعتبار لقضية فلسطين كقضية تحرر وطني، وتفضح السياسات التي تحاول شرعنة الاحتلال وتغطية جرائمه بشعارات مثل “الأمن الإقليمي” أو “التهديد الإيراني”، بينما يعاني شعب كامل من حرب إبادة منظمة، فهذه الاستراتيجية هي المفتاح لإبقاء القضية الفلسطينية في الواجهة، وتحقيق العدالة التي يستحقها الشعب الفلسطيني

عن Atlas

شاهد أيضاً

بتوقيع إيراني الضربة الأخيرة : رسالة قاسية إلى عمق إسرائيل

كتب إسماعيل جمعة الريماوي: في لحظةٍ بدت محسوبة بعناية، وجّهت إيران ضربة صاروخية مركّزة إلى …