كتب علاء عاشور: رغم ما تعرضت له إيران في الآونة الأخيرة من ضربات قاسية طالت عمقها الاستراتيجي، ومن خسارة بعض حلفائها التقليديين في الإقليم، ومن استهداف منشآتها النووية، فإنها – وبكل موضوعية – خرجت من هذه المعارك محتفظة بقدر كبير من الكبرياء الوطني والاعتزاز بالنفس. الأهم من ذلك، أنها ما زالت تحظى باحترام شرائح واسعة من الشعوب العربية والإسلامية، التي تنظر إليها كقوة إقليمية صلبة، قادرة على قول «لا» للهيمنة الغربية والإسرائيلية، وإن اختلفت هذه الشرائح معها في تفاصيل السياسات أو المواقف.
هنا تكمن مفارقة العلاقة العربية – الإيرانية. فعلى الرغم من التوترات السياسية، والمخاوف المشروعة من بعض سياسات التمدد والتدخل التي مارستها طهران في دول عربية عدة، فإن إيران تظل قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها أو تبسيط خطرها أو إمكانات التعاون معها في آن واحد.
شخصيًا، ورغم خلافي الأيديولوجي العميق مع تيارات الإسلام السياسي عمومًا، لا أرى في ذلك مبررًا لإنكار حقيقة جلية: إيران دولة يجب أن تُحترم. ليس فقط بحكم قدراتها العسكرية أو موقعها الجغرافي أو حجمها السكاني، بل أيضًا بفضل ما أظهرته من صمود وإصرار على تحقيق مصالحها الوطنية حتى في أحلك الظروف.
غير أن هذا الاحترام المتبادل لا يمكن أن يقوم من طرف واحد، ولا على سياسة فرض الأمر الواقع. المطلوب – عربيًا وإيرانيًا – مراجعة شاملة وصريحة. على الدول العربية أن تدرك أن من مصلحتها الاستراتيجية بناء علاقات أكثر نضجًا وتوازنًا مع طهران، تقوم على الحوار، والتعاون في الملفات المشتركة، وتقليل مساحات الصدام المكلف للجميع. في المقابل، على إيران أن تبادر إلى التخلي عن بعض أوجه عقيدتها السياسية والأيديولوجية التي ثبت أنها تثير البلبلة والقلاقل في أكثر من بلد عربي، وتغذي الانقسامات الطائفية والسياسية في مجتمعاتنا.
ما أحوجنا اليوم إلى صوت العقل الذي يرى أن الصدام الدائم ليس قدرًا مكتوبًا، وأن الاصطفافات الصفرية لا تخدم سوى مشاريع الهيمنة الأجنبية. إن مستقبل المنطقة سيكون أكثر استقرارًا وأمنًا وازدهارًا حين تُبنى علاقة عربية – إيرانية جديدة على قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والبحث عن المصالح المشتركة بدل الخصومات المفتوحة.
لقد آن الأوان لدفن أوهام الهيمنة والاستحواذ، من أي طرف جاءت، وللبحث عن معادلة توازن تحترم الجميع، وتمنح شعوبنا الحق في التنمية والسلام والأمل.