بين اقتراح العفو القضائي عن نتنياهو، وترشيح ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام

كتب أسامة خليفة : خلال اللقاء في واشنطن الاثنين 7/7 استلم ترامب نسخة عن رسالة الترشيح التي أرسلها نتنياهو إلى لجنة الجائزة، بالمقابل كان ترامب قد اقترح عفواً قضائياً فورياً عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أو إلغاء محاكمته، كأن هذه مقابل تلك، على مبدأ المثل «حكّ لي لأحكّ لك»، أمران يثيران السخرية في مفارقتين فاقعتين لا تصدق الأذنين ما تسمع، الأولى: اقتراح العفو عن محاكمة نتنياهو، والثانية: أن ينجم عن اللقاء، ترشيح نتنياهو لترامب بالحصول على جائزة نوبل للسلام، مجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية،. فاسد مطلوب للمحاكمة في قضية احتيال وقبول الرشاوي، يرشح خلال مأدبة عشاء في البيت الأبيض ترامب، والجميع بانتظار موقف لجنة نوبل من مهزلة العصر هذه، كيف ستكون قرارات اللجنة؟. فقد بتنا في اللامعقول في المعايير الأخلاقية والإنسانية وفي العدالة وقيم السلام والخير لشعوب الأرض جميعاً التي تداس بالنعال تحت شعارات أمريكا اولاً، ومقولة السلام بالقوة، لصاحبها ترامب، والتي أدت إلى مقتل عشرات الألوف في فلسطين واليمن والعراق ولبنان ولم يمنع حرباً بل أشعل العالم بالحروب، الحروب التجارية أقلها خراباً وأثراً سيئاً على العالم كله بلا استثناء، كان أسوأها قصف المفاعلات النووية الإيرانية، هددت بنشر إشعاعات مميتة تطال الإيرانيين وشعوب الجوار، وما زال يتبجح بأحقيته في نيل جائزة نوبل للسلام، ويقول إنه لو كان رئيساً لما اندلعت الحرب، لكنه منح إسرائيل كل أدوات القتل لتمارس أبشع الجرائم في المنطقة، وما زالت المجازر في غزة قائمة يومياً، رغم مرور أكثر من خمسة شهور ونصف على تسلمه مقاليد الحكم، ويمكن القول عنه أنه يدير الحروب المستعرة، ولا يعمل على توقيفها، بل يمنح إسرائيل الفرصة وراء الفرصة لاستمرار حربها العدوانية على الفلسطينيين، لم ينفذ ما وعد به بوقف حرب أوكرانيا، بل يحث أوروبا وحلف الأطلسي على زيادة الانفاق على التسلح، وكذّبته الهند في ادعائه أن الفضل للجهود التي بذلها في حلّ النزاع بين الدولتين النوويتين الهند وباكستان.

من جهة أخرى تباينت ردود الفعل على اقتراح منح نتنياهو عقواً قضائياً، بين من كان قد استبق اقتراح ترامب، ورأى ضرورة إنهاء المحاكمة، حيث شاع هذا الرأي بُعيد الحرب الإسرائيلية على إيران باعتبار نتنياهو بطلاً، صفة تؤهل لسقوط كل تهم الفساد عن كاهله، وهو رأي اتفق معه ترامب حين وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بأنه بطل حربي يستحق التكريم لا المحاكمة، وقد انتهز رئيس الحكومة الإسرائيلي هذه الفرصة وقدم طلباً رسمياً للمحكمة المركزية في القدس لتأجيل جلسات محاكمته، متذرعاً بانشغاله بملفات سياسية وأمنية حساسة على رأسها الملف الإيراني والوضع في قطاع غزة.

هناك من اتهم ترامب بالتدخل الفج في شؤون «دولة ذات سيادة»، أثار اقتراحه هذا موجة جدل سياسي وقانوني داخل إسرائيل، ترافقت مع زخم إعلامي حول تغريدته على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن إذما تبين أن خسائر كبيرة وقعت وأخفى حجمها، وكانت نتيجة إعلان نتنياهو حرباً لم يحسن تقدير أخطارها، قد يتغير الرأي الشعبي في لحظة واحدة. لذلك يرى البعض أنها يتساوق الاقتراح مع مزاج شعبي يفتقر إلى الجدية والثبات. مع أن الأمر طُرح بجدية كاملة عن وعي، وسابق تصوّر، صحيفة هآرتس الإسرائيلية كشفت أن الرسالة الهجومية التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت بتنسيق مسبق بينهما. والدافع وراءه قناعة دفعت ترامب إلى استخدام نفوذه بهدف الضغط على المؤسسة الإسرائيلية، حتى لو تطلّب الأمر التلويح بورقة المساعدات العسكرية كأداة ضغط في هذا المسار. وحظي الاقتراح بحملة ترويج إعلامية واسعة لتهيئة الأجواء لقبوله. لكن المعارضة الإسرائيلية رأت فيه تقوية لموقف خصمهم في المنافسة الحزبية وفي انتخابات مقبلة، وشجبت تدخل ترامب في الشأن القضائي دون وجه حق، في المقابل، وجدت التصريحات معارضة شديدة من قبل أطراف المعارضة، حيث اعتبر زعيم المعارضة السابق يائير لابيد أن تدخل ترامب غير مقبول على الإطلاق، وأنه يشكل مساساً بسيادة القضاء الإسرائيلي. ووصف الاقتراح بأنه طرح غريب يخرج عن المألوف كسابقة سيكون لها تأثير على مسار القضاء، خاصة أن رئيس الحكومة عمل على إجراء تغييرات تؤدي إلى تنفيذ انقلاب قانوني جذري يتيح له السيطرة الكاملة على الجهاز القضائي، والتحكم نهائياً في المحكمة العليا.

وفي بداية العام 2023، أعلن وزير القضاء أن الحكومة أقرت خطة تغيير اللجنة المعنية بتعيين القضاة في إسرائيل، بحيث تصبح حسب القرار أكثر تسييسا وأقل موضوعية ومهنية، وتعطي الائتلاف الحكومي والوزارة قوة أكثر في تعيين القضاة، بما في ذلك قضاة المحكمة العليا.

هل العفو عن نتنياهو وإلغاء محاكمة لتحسين وضعه الانتخابي أم ما يتعلق بترتيبات اليوم التالي؟. أم هي مقايضة كبرى؟. يطرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خيار العفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب، بأن يكون وقف الحرب مقابل العفو عن نتنياهو. يخاطب أهالي الأسرى ومن يساندهم ترامب لكي يتدخل شخصياً ويضغط على نتنياهو ليوافق على التوصل مع حركة حماس إلى اتفاق شامل يوقف القتال، ويعيد الأسرى لدى المقاومة إلى أهاليهم سالمين، ترامب قابل ذلك بمقايضة غريبة بالعفو عن نتنياهو وإنقاذ مستقبله السياسي مقابل إنهاء الحرب. ويرى محللون سياسيون، أن تحرك ترامب لا يُفسَّر بدافع شخصي تجاه نتنياهو، بل يستند إلى قناعة سياسية مفادها، أن إنهاء الحرب في غزة يمر بتسوية قضائية تبعد عن نتنياهو شبح السجن، وتقربه من جائزة نوبل طموحه الشخصي.

الابتعاد عن قواعد العدل والإنصاف والمبادئ والقيم الإنسانية واحدة لا تتجزأ، على المستوى الداخلي في المحاكم المحلية بخصوص فساد نتنياهو وإفلاته من العقاب على فعلته، وفي المحاكم الدولية المتمثلة في قرار أصدرته المحكمة الجنائية الدولية يتعلق بمذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو للاعتقاد بأنه مع وزير حربه قد ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، فإفلاته من المحاكمة الأولى يساعده على الإفلات من المحكمة الثانية طالما يحقق مصالح الطرف القوي، بفرض إرادة ترامب بالضغط على مستوى الداخل إسرائيلي ومستوى خارجها وعلى المستوى الدوي. على صعيد الداخل الإسرائيلي، لا يبدو المشهد القانوني أقل تعقيداً، فمحاكمة نتنياهو -المطلوب كذلك للمحكمة الجنائية الدولية– التي أُجلت لأسباب وُصفت بأنها أمنية، لا تزال قائمة، رغم ما نُقل عن وساطات سرية لإنهائها، كما أن القضاء الإسرائيلي رفض تأجيل شهادته إلى أجل غير مسمى، وأكدت النيابة العامة أن وقف المحاكمة لا يتم إلا بطلب رسمي لم يُقدَّم بعد.

اقتراح ترامب قابلته الحكومة الإسرائيلية بالترحيب، وجهات إسرائيلية أخرى تتعامل معه بواقعية، وإمكانية حدوثه صار محتملاً، والعفو يقترب موعده، باقتراب اتفاق وقف الحرب، ووقف الحرب يعني بالنسبة لترامب خطوة نحو قبول ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، وإذا كان هناك علاقة بين وقف الحرب وجائزة نوبل للسلام، فالسؤال الملح: ما علاقة إنهاء الحرب في غزة بتسوية قضائية داخلية تريح نتنياهو من المثول أمام المحاكم وتبيض صفحته السوداء الملطخة بتهم الفساد؟. يسعى ترامب بالتنسيق مع نتنياهو لخلط الأوراق بهدف تشتيت الانتباه عن قضية الضغوط الدولية لإنهاء الحرب على قطاع غزة وفق تسوية منطقية وأكثر عدالة، وحرف المسار السياسي إلى معالجة ملفات قضائية سيكون من باب المساومة، وربط أزمة الحرب الاجرامية بأزمة قضائية داخلية، وكأن المطلوب صفقة واحدة تتشابك فيها المسألة القضائية بالمسألة السياسية تؤدي إلى إرباك الإطار التفاوضي بدل أن تمضي به قدماً نحو نتائج مرضية تحقق بعض العدالة للقضية الفلسطينية.

مقايضة أخرى قد تكون في الحسبان، ناتجة عن تداخل المسألة القضائية بطرح اليوم التالي، فقد اشترط باراك خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل إسقاط التهم عنه. بينما رفض نتنياهو اتفاق إقرار بالذنب يشترط عليه الانسحاب من الحياة السياسية.

قد يحدث إقصاء نتنياهو من المشهد السياسي، فالأفضل لنتنياهو الحصول على العفو، من أن تثبت في القضية صفة «العار الأخلاقي» التي تمنع صاحبها من تولي المناصب العامة، فيُقال من منصبه بسبب قضائي. كما أن الطرح يضمن له النجاة من الملاحقة القانونية بعد أن تنتهي ولايته كرئيس وزراء، وقد يشهد إقصاء حركة حماس من المشهد الفلسطيني، يوضح المسؤول الأميركي السابق توماس واريك، أن إدارة بلاده ترى في إنهاء الحرب فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في إسرائيل وفلسطين معاً، لكنه يشير إلى أن العائق الحقيقي يتمثل في غياب توافق حول «اليوم التالي»، خاصة أن حركة حماس ترفض أي صيغة تُقصيها من المشهد كلياً. فهل يقبل نتنياهو ابتعاده عن أي دور سياسي؟. وهل يوافق ترامب على ذلك؟. يظهر نتنياهو نفسه بوصفه الأكثر حرصاً على الخروج من الحرب بسيناريو سياسي آمن يعيد ترتيب الأوراق الداخلية قبل خوض أي استحقاق انتخابي قادم، حسمت زيارة نتنياهو إلى واشنطن ملامح المرحلة التالية، سواء على صعيد الحرب على غزة، وجائزة نوبل، أم على صعيد ملف محاكمة نتنياهو. فنتنياهو سيلقى دعم ترامب في الانتخابات الإسرائيلية القادمة.

عن Atlas

شاهد أيضاً

قراءة في تقرير البنك الدولي حول الإنفاق العام للسلطة الفلسطينية

اطلس:كتب مؤيد عفانة*: أصدر البنك الدولي تقريراً في نهاية شهر حزيران الماضي حول الإنفاق العام …