اسماعيل الريماوي يكتب : في زمن الصمت والخذلان.. غزة مرآة ضميرنا

اطلس:ليس المطلوب أن نحمل البنادق، ولا أن نعبر الحدود، ولا أن نخوض حربًا شاملة، بل أن نمتلك الحد الأدنى من الكرامة ،أن نقول: لا.

أن نرفض بوضوح وبلا مواربة ، أن نكسر جدار الصمت الثقيل الذي يطبق على هذه المجزرة اليومية، لأن كل لحظة تردد هي دم يسفك و طفل مدفون تحت الركام ، وكل بيان متواطئ هو رصاصة معنوية في رأس أم تنبش الإسمنت بيديها بحثًا عن رضيعها.
ما يجري في قطاع غزة ليس معركة عسكرية تقليدية، بل واحدة من أكثر المجازر توثيقًا في التاريخ، تُرتكب أمام الكاميرات وبغطاء أخلاقي دولي مزيّف ، أكثر من مئة ألف شهيد، الآلاف الجرحى ، آلاف المنازل المدمرة، مستشفيات جرى استهدافها عمدًا، مدارس قُصفت عن سبق إصرار، ومخيمات لجوء تُباد بصواريخ “ذكية”. ومع ذلك، نجد من يطلب منا “التروي”، ومن يدعو إلى “الحياد”، وكأن الإنسانية موقف سياسي قابل للنقاش.
في ظل هذه المذبحة، تُعقد موائد التطبيع، وتُرفع أعلام الاحتلال في العواصم العربية، ويُستقبل مجرمو الحرب كضيوف كبار، بينما يُحاصر الغزيون بالجوع والدمار ، وكأن التاريخ يعيد إنتاج ذاته بأبشع الطرق: تطبيع في الحواضر، وذبح في الأطراف، وصمت رسمي يُجمّل الجريمة ويمنحها شرعية ضمنية.
السكوت لم يعد حيادًا ، الحياد في لحظة ذبح هو اصطفاف مع الذابح ، كل من يلوذ بالصمت، أو يختبئ خلف حسابات سياسية باردة، هو شريك – شاء أم أبى – في هذه الإبادة الجماعية ، لأن جرائم من هذا النوع لا تُرتكب فقط بالصواريخ، بل أيضًا بالصمت، بالتبرير، بالاستسلام، وبالهرولة نحو العدو تحت مسمى الواقعية.
إن المسؤولية لا تقتصر على من يطلق النار، بل على كل من يرى الجريمة ولا يصرخ ، على كل من يحاضر في “التهدئة” بينما تُحرق عظام الأطفال ، على كل من يحصي خسائر الاحتلال ولا يذكر أسماء الشهداء ،على كل من يساوي بين الجلاد والضحية، ويمضي في حياته وكأن غزة ليست من هذا العالم.
غزة اليوم هي مرآة ضميرنا، من يصمت على ذبحها، يذبح ما تبقّى من إنسانيته، ومن يخون دماءها، يخون كل القيم التي يزعم أنه يؤمن بها، فلتُرفع الأصوات لا دفاعًا عن غزة فقط، بل دفاعًا عن أرواحنا نحن، عن فطرتنا التي يوشك غبار الخيانة أن يخنقها.
لا يمكن أن نكون شركاء في هذه الإبادة الجماعية بالصمت أو التواطؤ أو التطبيع ، لا يمكن أن نستمر في العيش كأن شيئًا لا يحدث، بينما التاريخ يُكتب بالدم هناك، ويُدين كل من اكتفى بالمشاهدة.
وغزة تنزف وحدها، تدفن شهداءها بيديها، وتُخرج أطفالها من تحت الركام لتضمهم بلا بكاء، فقد جفّت دموعها من فرط الخذلان ، كلما صرخت، ردّت عليها العواصم بالصمت، وكلما استغاثت، جاءها الجواب بصيحات التطبيع، وبخطابات جوفاء لا تطعم جائعًا ولا تحمي طفلًا.
خذلها القريب قبل البعيد، ووقف “الأشقاء” على التل، يراقبون المجزرة كأنها مشهد من فيلم لا يعنيهم، ثم عادوا إلى موائدهم الفاخرة دون أن ترتجف قلوبهم على أمٍ احتضنت جثة صغيرها، أو على أب جمع أشلاء أطفاله في كفن واحد.
غزة لا تسأل أحدًا أن يموت من أجلها، فقط أن يشعر، أن يغضب، أن يرفض أن تُباد الحياة أمامه ولا يتحرك.
لكن يبدو أن الكرامة أصبحت رفاهية، وأن الوفاء لفلسطين صار تهمة.
في زمن الخيانة… تبقى غزة وحدها عنوان الشرف.

عن Atlas

شاهد أيضاً

راسم عبيدات يكتب : لم ينفرط عقد حجارة الدومينو، التي تحدث عنها نتنياهو في حروبه

اطلس:نعم لم ينفرط عقد حجارة الدومينو التي تحدث عنها نتنياهو في حروبه التي شنها، والتي …