بين التجويع في غزة والقمع في الضفة: حين تصطف السلطة مع السكين ضد رقاب شعبها

 كتب اسماعيل جمعه الريماوي: في اللحظة التي تسحق فيها غزة تحت نيران الطائرات الإسرائيلية وتحت الحصار والتجويع الممنهج في مشهد لا يُحتمل من الإبادة الجماعية، وفي الوقت الذي يسير فيه المستوطنون في الضفة الغربية كوحوش طليقة، يحرقون ويعتدون ويستبيحون الأرض والقرى  دون خوف أو رادع، لا تنشغل السلطة الفلسطينية بإعلان حالة الطوارئ أو إطلاق مقاومة شعبية، بل تنشغل بمنع المظاهرات ومنع حتى الدموع من أن تُسكب علنًا تضامنا مع غزة.

في زمن الاحتلال تُقاس الكرامة الوطنية بمدى رفضك للخضوع لا بمدى انضباطك لمراسيم تصدر من فوق رؤوس الناس، من فوق وجع الأطفال في غزة، من فوق حطام البيوت في رفح، من فوق جثث العائلات التي دُفنت تحت الركام، من فوق دموع الأمهات في جباليا و دير البلح، وفي زمن المجازر المفتوحة ضد شعبنا يصبح الصمت خيانة، ويصبح منع الغضب الشعبي جريمة أخرى تُضاف إلى سلسلة طويلة من خيبات القيادة.
في وقت تمنع التظاهرات في الضفة خوفا على ازعاج القتلة ، ويمنع الناس من التعبير عن تضامنهم مع غزة الجائعة، يمنع الأحرار من شجب الاحتلال والمذابح، يمنع الاحتشاد والتكبير والصراخ في وجه المجرم، ويضع فوق ذلك غطاء زائفًا من الشرعية حين يصدر مرسومًا لإجراء انتخابات تحت شروطه، مرسومًا لا يهدف لبناء وطن بل لبناء جدار جديد بينه وبين الشعب، مرسومًا يُجبر القوى الفلسطينية على نبذ المقاومة والاعتراف بدولة الاحتلال كشرط للمشاركة، وكأن القضية ليست قضية تحرر بل قضية تقاسم وظيفي في إدارة المقاطعة.
وفي اللحظة التي ترسم فيها إسرائيل خريطة المنطقة من جديد، لا عبر التفاوض بل عبر القصف والضم والتهجير والتجويع والقتل، تمضي السلطة في تجاهل هذا التحول التاريخي، كأنها تعيش في كوكب آخر، أو كأن دورها بات جزءًا من هذا التحول، لا كمعارض له بل كملحق وظيفي به، كأن المطلوب من رام الله ليس أن تصرخ في وجه المجازر بل أن تصرخ في وجه من يرفض الصمت عنها.

لا أحد يطلب من السلطة أن تطلق صواريخ، ولكن أحدًا لا يستطيع فهم كيف تكون مواجهة الاحتلال ممنوعة، وكيف يصبح الغضب الشعبي خطرًا، وكيف تُجرّم الشعارات الوطنية وتُقمع الهتافات، في وقت يُرفع فيه العلم الإسرائيلي فوق أنقاض غزة، ويُغرس في أعماق الضفة.
إن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى انتخابات تريدها السلطة على مقاسها، تعمع الانقسام، وتفرض عليه شروط الاحتلال، بل يريد انتخابات ديمقراطية حره نزيهة، تفرز له قيادة تليق بدمائه، قيادة تتحدث بلسانه، قيادة تمثل كل اطيافه السياسية ، قيادة تعترف بحقه في المقاومة لا تعاقبه عليها، قيادة تحميه من المستوطنين لا تحمي المستوطنين منه، قيادة تمشي خلفه لا تجره إلى مربعات الانقسام والخذلان.

في هذا الزمن الأسود، لا يُغفر للصمت، ولا يُغفر للحياد، ولا يُغفر للمشاركة في حصار الكلمة كما المشاركة في حصار الغذاء، وإن التاريخ سيسجل أن بعض أبناء هذا الشعب جاعوا في غزة وقُمعت أصواتهم في الضفة، وأن البعض وقف مع السكين لا مع الجرح، وأن المعركة كانت بين الاحتلال وكل من قاومه، لا بين الاحتلال وبعض المتفرجين عليه من نوافذ السلطة.

عن Atlas

شاهد أيضاً

الدم الفلسطيني على موائد التطبيع

اطلس:كتب اسماعيل جمعه الريماوي: غزة تُباد، هذا ليس عنواناً مُبالغاً، ولا صرخةً في فراغ، بل …