في عين سامية، حيث كانت الأرض تسقي أبناءها، وحيث الماء كان لغة الحياة بين الحقول والقرى، صمتت النبع.
ليس بفعل الجفاف، بل بفعل القسوة. قسوةٌ تحمل وجهاً استيطانيًا مدججًا بالحقد، يُهاجم ليس البشر فحسب، بل حقهم في الحياة.
ليست عين سامية مجرد بئر، بل شريان حياة لسبعين ألف إنسان.
لكن هذا الشريان تم قطعه بيدٍ باردة، لا تعرف الرحمة.
المستوطنون لم يكتفوا بسرقة الأرض، فامتدت أيديهم إلى شبكات الكهرباء، أنظمة الضخ، كابلات الاتصال، والكاميرات التي كانت ترصد الخطر… حتى عمّ الصمت.
صمت الأجهزة، وصمت المياه… وصمت العالم.
هل جرّب أحدهم أن يرى أُمًا تُحضّر زجاجة الحليب لطفلها، ثم تكتشف أن الماء قد اختفى؟
هل فكّر أحدهم برجل مسنّ، يعود من صلاة الفجر ولا يجد قطرة ليغسل وجهه؟
هل سمع أحدهم صوت العطش في حلق طفلة، لا تعرف ماذا يعني أن يُستهدف الماء لأنه فلسطيني؟
ليست هذه رواية خيالية، بل واقع مرّ، يحدث الآن، في هذه اللحظة، بينما تقرأ هذه السطور.
العطش ليس عنوانًا بلاغيًا… إنه حقيقة تتسلل إلى البيوت، وتحاصر القرى، وتخنق الأهالي في كفر مالك، دير جرير، المزرعة الشرقية، والطيبة، وسواها من بلدات باتت تترقب الصهاريج كما لو كانت تنتظر شاحنة طوارئ في منطقة منكوبة.
ومع كل هذا الألم، لا تزال الطواقم عاجزة عن الوصول، لأن خطوط الاتصالات قُطعت، ولأن مَن يستهدف النبع ذاته، لا يتردد في استهداف من يحاول إصلاحه.
أين العالم من هذه الجريمة الباردة؟
أين القوانين التي تحدّثت عن الحق في المياه كحقّ مقدّس؟
أين العدالة حين تُترك القرى عطشى، ويُترك الأطفال بلا قطرة في ليل تموز القاسي؟
العطش هنا ليس فقط وجع الجسد… بل إذلال الروح.
فمَن يُحاصرك بالماء، إنما يريدك أن تنكسر، أن ترحل، أن تبيع أرضك لتشرب.
لكننا لم نُخلق لنموت عطشًا…
نحن خُلقنا لنروي هذه الأرض بالحب، والدم، والبقاء.
من عين سامية تنبع الصرخة: أوقفوا هذه الجريمة… قبل أن يتحوّل العطش إلى موت جماعي لا ضجيج فيه، ولا دماء… بل وجع صامت لا تلتقطه الكاميرات