ويتكوف شاهد الزور…زيارة لتجميل وجه الاحتلال القبيح في مصائد الموت

كتب إسماعيل الريماوي: لم يكن ويتكوف، المسؤول الأمريكي الذي زار غزة مؤخرًا، سوى شاهد زور في مسرحية دولية لتبييض جرائم الاحتلال، وتجميل صورته أمام العالم بعد أن تلطخت بدماء آلاف الأطفال والنساء والمدنيين، دخل ويتكوف عبر البوابة الإسرائيلية التي تغلقها تل أبيب في وجه المساعدات الحقيقية والوفود الإنسانية، ليتجول في مراكز المساعدات الأمريكية التي فُتحت في مناطق “مختارة بعناية” لا تعكس حقيقة المأساة، ولا تظهر حجم الكارثة التي تسببت بها آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
زيارة ويتكوف لم تكن دعمًا إنسانيًا، بل خطوة محسوبة ضمن حملة علاقات عامة تهدف إلى إظهار واشنطن وكأنها تلعب دور المنقذ، بينما هي في الحقيقة شريك رئيسي في التجويع والمجزرة، تسلح وتبرر وتمنع وقف إطلاق النار، لقد أرادوا من ويتكوف أن يظهر أمام الكاميرات مبتسمًا، محاطًا بصناديق المعونات التي لا تكفي لإطعام حيّ واحد، في وقت يموت فيه الأطفال جوعًا ومرضًا، وتُسحق العائلات تحت ركام منازلها، ويُدفن الأحياء تحت الأنقاض.
تجاهل ويتكوف عمدًا الحديث عن القصف المتواصل، وعن استهداف المخيمات والمستشفيات والمدارس، وتغاضى عن آلاف الجرحى الذين لا يجدون علاجًا، وعن المجاعة المتفاقمة التي صنعتها إسرائيل عمدًا بمنع إدخال الغذاء والدواء، لم يزر المستشفيات التي تعمل بلا كهرباء، ولم يسأل عن المرضى الذين يموتون لأن معدات غسيل الكلى متوقفة، أو عن الأمهات اللواتي يلدن في خيام دون تعقيم أو مساعدة.
جاء ويتكوف إلى غزة، لا ليرى غزة، بل ليقدم شهادة زور على ما لا يُمكن تزويره، ليقول للعالم إن أمريكا ترعى “المساعدات”، بينما الحقيقة أن أمريكا ترعى الحصار وتغذي الاحتلال وتقف أمام أي تحرك دولي لوقف القتل والجوع، تلك المساعدات التي جاءت بها طائرات المساعدات ومعها طائرات الإنزال التي لا تملأ شاحنتين، لكنها تكفي لإنتاج خطاب إعلامي زائف، ولتخدير الضمير الغربي، ولإعفاء الاحتلال من أي مساءلة.
مراكز المساعدات الأمريكية التي زارها ويتكوف ليست إلا مصائد موت، توضع فوق أرض ملغومة بالجوع والخوف والقصف، ويُطلب من الجائع أن يذهب إليها وهو لا يعلم إن كان سيعود حيًا، تلك المراكز هي الواجهة “الإنسانية” المزيفة لسياسات أمريكية شيطانية، تعاقب الفلسطينيين وتكافئ المحتلين، وتبني بين أنقاض غزة جسرًا من الأكاذيب نحو مشهد دعائي لتسويق الاحتلال.
لقد تحوّلت “المساعدات” إلى أداة سياسية لتجميل وجه الاحتلال القبيح، وسلاح ناعم لاستكمال الحرب التي لم تتوقف، ومحاولة بائسة لنفي التهمة عن الجلاد عبر ادعاء الحرص على الضحية، لكن غزة الجريحة، لا تنخدع بالمسرحيات، ولا تستبدل دماء شهدائها بصور إعلامية تروّج للمنقذ الكاذب.
في النهاية، ستمر زيارة ويتكوف كما مرّت غيرها، وستبقى غزة شاهدة على الزيف، وسيتذكّر العالم أن الشهداء لم يموتوا من نقص المساعدات فقط، بل من فائض الدعم الأمريكي للاحتلال.
ويبقى السؤال معلقًا في وجدان كل حر: هل يمكن لعدو أن يتقمص دور المنقذ؟ وهل يمكن للقاتل أن يُداوي الجراح التي نزفها بنفسه؟ غزة لا تحتاج لزيارات شهود الزور، ولا لصناديق مرقّمة توزعها أمريكا على وقع القصف، بل تحتاج إلى كسر الحصار، إلى حرية، إلى عدالة، إلى كفّ يد القاتل عن الزناد، في كل مرة يُسدل فيها الستار على مشهد دموي، يأتي ممثل جديد ليلقي خطاب الرحمة الزائفة فوق جثث الأطفال. لكن غزة، التي عرفت جيدًا من يقتلها، تعرف أيضًا من يتواطأ، وتعرف كيف تفضحهم جميعًا. هذه الأرض لا تنخدع بالمرايا، ولا تنسى من باع دمها باسم المساعدات.

عن Atlas

شاهد أيضاً

محمود كلّم* يكتب : وداع فيروز لزياد: صمت الأم الذي أبكى الموسيقى!

اطلس: بكفيا، حيث التقت السماء بالأرض في مشهدٍ جنائزيٍّ مهيب، دخلت السيدة فيروز الكنيسة… ولم …