كتب مجد شاهين : في غزة.. لا تُقرع أجراس المدارس صباح الامتحانات، ولا تُوزَّع أوراق الأسئلة كما في باقي الوطن. فهنا، في هذا القطاع المُنهَك بالحرب والمُثقَل بالحصار، للسنة الثانية على التوالي، يُمنع طلاب الثانوية العامة من التقدّم للامتحانات. ليس لأنهم لم يدرسوا أو يستعدوا، بل لأنهم يواجهون امتحانًا آخر .. أقسى، وأعمق، وأكثر فتكًا.
إنه امتحان الصبر، والنجاة، والتمسك بالحياة في وجه القصف والدمار. في غزة، لا يبحث الطالب عن رقم الجلوس، بل عن مأوى من الغارة التالية. بعضهم صعد إلى السماء، حاملًا حلمه المؤجل، وبعضهم ينتظر تحت رماد بيته أو خلف أسوار النزوح.
ورغم الظلم الفادح، لا يزال هؤلاء الطلبة منارات للكرامة. لم يجلسوا إلى طاولات الامتحان، لكنهم جلسوا إلى طاولات التاريخ، كأبناءٍ لجيل يُدرّس العالم معنى الصمود، ويُجيب عن سؤال الوطن بإجابات لا تُكتب على ورق.
القدس… الامتحان على بوابة الجدار
في القدس المحتلة، لم تَسلم امتحانات الثانوية العامة من سطوة الاحتلال. فبينما انطلقت الامتحانات رسميًا في الضفة الغربية يوم السبت، 21 يونيو 2025، بما في ذلك قاعات القدس الواقعة خارج الجدار، جاء القرار العسكري ليُرجئ الامتحان داخل الجدار إلى يوم الإثنين، 23 يونيو.
أوامر الجبهة الداخلية الإسرائيلية قضت بإغلاق المدارس في قلب المدينة، بذريعة “الظروف الأمنية”. وهكذا، أصبح مصير الطلبة الفلسطينيين رهينة لأوامر لا علاقة لها بالتعليم ولا بالمستقبل، بل بكل ما يعطّل الحياة الطبيعية في مدينة ما تزال تُصارع من أجل أن تُعلّم أبناءها في وطنهم، بلغتهم، وتحت علمهم.
في الضفة… امتحانات تُكتب، وأخرى لا تُنسى
في الضفة الغربية، جلس الطلبة على مقاعدهم يوم السبت في أول امتحانات “التوجيهي”، بين توتر المعتاد وآمال النتيجة. المشهد في قاعات الامتحان بدا طبيعيًا — إلى حد ما. لكن الغياب الصامت لأقرانهم في غزة والقدس يملأ المقاعد الفارغة بالحزن، والوجدان العام بالتساؤلات.
أي عدل هذا الذي يسمح لطالب أن يكتب “سؤال التعبير” عن الوطن، بينما زميله في غزة لا يجد حتى دفترًا ولا سقفًا ولا أمانًا؟
وأي واقع هذا الذي يجعل امتحان الفيزياء مؤجلًا في القدس، لا بسبب المنهاج، بل بسبب حاجز عسكري، أو قرار من جنرال؟
هنا نُفشل الامتحان الأكبر
هكذا يُمتحن الفلسطيني. لا بالأسئلة المكتوبة، بل بالحياة اليومية التي تفيض باللاعدالة. ومع ذلك، نحن ننجح. لأن النجاح هنا لا يُقاس بعلامة، بل بإصرار.
ننجح عندما نواصل، ونُعلّم أبناءنا رغم الركام، ونحمل الحقائب إلى المدارس رغم طائرات الاستطلاع.
في فلسطين، الامتحان لا يُكتب على الورق فقط… بل يُكتب في الذاكرة، في التاريخ، وفي القلب.