حمدي فراج يكتب : نكسوا اعلامكم .. جوع عربي بهيمي في ليل عربي طويل

اطلس:شعور عارم بالعجز المطبق إزاء الجوع المستشري في غزة ، يمتد على مساحة الشبع العربي من المحيط الى الخليج ، لا أظنه يستثني نظاما او حزبا او طائفة او حتى فردا ، شعور العجز مبني على العجز الفعلي للجيش العربي و السلاح العربي و المال العربي و الغذاء العربي و التاريخ العربي ، على العجز الفعلي بعدم القدرة على وقف هذا النوع الجديد من القتل ، بإجبار القتلة الشبعانين على وقف جريمتهم اليوم و ليس غدا ، أو نقوم نحن بإدخال شاحناتنا المحملة بالغذاء و الماء ، بالسهولة التي منحنا فيها من يجوّع غزة و يقنص مجوعيها آلاف مليارات الدولارات ، فنوقف مسيرة ان نصبح نحن صهاينة التاريخ تلعننا الأيام و الأجيال و قيم المفاهيم ، على الأقل نكون كما يفعل بعض “الكفار” من تسيير سفن الإغاثة التي لا تصل .

إن الجوع الذي وصفه احد كبار الشعراء ، بأنه أبو الكفار ، يكفر الجائع بكل القيم و المفاهيم الشائعة عن الإنسانية و الأخوة و التعاضد و التكافل و”الجسد الواحد” ، يكفر بقيم الخير و الدين و الحب و الوطن و الجمال و النضال والأخلاق ، يطيح بانسانيته  و إنسانية المتطلعين اليها بصمت او بعجز او قلة الحيلة ، حتى لو كان هذا الجائع فردا واحدا ، فماذا لو كان طفلا ، فماذا لو كانوا آلافا مؤلفة ، يطاردون رائحة الطعام على بعد عشرات الكيلومترات ، فما ان يصلوا بطناجرهم ، حتى يبدأ الرصاص “الإنساني” باستهدافهم (ألف قتيل و ستة اضعافهم من الجرحى المجوعين) ، او تكون التكية قد فرغت و يعود الى أطفاله بطنجرة فارغة ظلوا ساعات يتخيلونها ملآى ستسد بعضا من رمقهم .

الجوع يتركهم أحياء على الحافة ، يتصايحون ، كبارا و صغارا ، ذكورا و اناثا ، يتركهم أحياء و ما هم بأحياء ، أمواتا و ما هم بأموات ، و لهذا سمعنا من بعضهم ينشدون الموت . ليس فقط الجوع يجعلهم يتصايحون ، و لكن شعورهم بالذل إزاء هذه الطنجرة التي أصبحت أهم مقتنياته في الحياة ، و التي غالبا ما يرجع بها خاوية ، يود لو يطوّحها الى ابعد ما تسطيع يداه ، و لكنه سيحتاجها غدا . الجوع يمنعهم من الهروب الى أي مكان ، لا يستطيع ان يهرب الى زوجته او اطفاله ، لطالما انهم جوعى مثله ، لا يستطيع ان يروي لهم قصة من تراث قديم غالبا ما بدأ يكفر به و يشكك في صدقيته ، لطالما ان حاضره على هذه الشاكلة ، بل أنه لا يستطيع ان ينظر في عيونهم ، التي تبقى مبحلقة غير محدقة لا تستطيع النوم و إن أغمضت ، فالجائع لا ينام ، و لا يجلس و لا يقوم و لا يمشي ولا يضحك و لا يقرأ و لا يستمع ولا يتفرج على التلفزيون .

نكّسوا اعلامكم الشقيقة قليلا ، غيّروا جنسكم في هوياتكم ، من ذكر و أنثى الى عاجز في زمن التجويع ، على قبر الأمين العام للأمم المتحدة “فاشل في وقف هذا السلاح الهمجي” ، و على قبر مدير العالم الحاصل على جائزة نوبل ، “نوبل للسلام و التجويع” .  أما فلسطين التي تستعد لانتخابات المجلس الوطني بعد أربعة اشهر ، فنأمل ان لا يذهب اليها الغزيون بأمعاء خاوية.

عن Atlas

شاهد أيضاً

الدم الفلسطيني على موائد التطبيع

اطلس:كتب اسماعيل جمعه الريماوي: غزة تُباد، هذا ليس عنواناً مُبالغاً، ولا صرخةً في فراغ، بل …