كتب خالد فحل: في الحروب التقليدية، يُقاس النصر بعدد الصواريخ والطائرات، وبحجم الدمار على الأرض. أما في الحروب القذرة، فهناك سلاح أشد فتكاً… لا يُرى ولا يُسمع… إنه سلاح الجوع.
إسرائيل في معركتها ضد الفلسطينيين، لم تكتفِ بالدبابات والقصف، بل أتقنت استخدام الجوع كوسيلة لإخضاع الناس. حين يفشل الرصاص في كسر الإرادة، وحين تعجز القنابل عن تركيع الشعوب، يُصبح الخبز هو السلاح الأنجع. سلاح يقتل دون دماء، يحاصر دون أسلاك شائكة، ويجعل الناس يركعون ليس خوفاً من الموت… بل هرباً من جوعه.
في غزة، يُفرض الجوع بالقوة المباشرة: حصار خانق، تجويع ممنهج، ومنع لكل مقومات الحياة. أما في الضفة الغربية، فالجوع يُفرض بطرق ناعمة لكنها قاتلة: رواتب مجتزأة، اقتصاد خاضع لابتزاز المقاصة، وبنوك تسلب أرزاق الناس بلا رحمة. الجوع هنا لا يُفجر البيوت، لكنه يُفجر الكرامة الإنسانية.
سلاح الجوع لا يُطلق صافرات إنذار، لكنه يُحدث دويّاً صامتاً في بطون خاوية. هو حرب من نوع مختلف، لا تُشاهد تفاصيلها في نشرات الأخبار، لكنها تفتك يومياً بحياة آلاف العائلات. كل يوم جديد يحمل معه قنبلة موقوتة في شكل فاتورة كهرباء، أو قسط بنك، أو رفّ خالٍ من الطعام.
الاحتلال يدرك أن تجويع شعب بأكمله أكثر تأثيراً من قصفه. حين يجوع الإنسان، يصبح كل شيء قابلاً للمساومة: الأرض، الكرامة، وحتى الانتماء. وهذا ما يجعل سلاح الجوع أخطر من أي صاروخ، فهو لا يستهدف الجسد فقط، بل يُدمّر النفس من الداخل.
لكن في المقابل، ما لا تدركه منظومة الاحتلال، أن الشعوب التي تعتاد على مواجهة الجوع، تصبح أكثر صلابة. نعم، الجوع يُذلّ، لكنه أيضاً يُولّد الانفجار. فليس هناك شعب يركع طويلاً أمام لقمة مسروقة. وسلاح الجوع الذي يُستخدم اليوم لقتل الفلسطينيين، قد يتحول غداً إلى سلاح يرتدّ على من حمله.
في غزة والضفة، الجوع ليس نهاية القصة. هو بداية لفصلٍ جديد من الصراع، حيث يتحوّل الصبر إلى ثورة، واللقمة المسروقة إلى شرارة انفجار.