اطلس- حينما سقط الشهيد، لم أقدر على نقل وطأة الفراق والفقد إلى المفردات كي تكتب في رثاء زياد بكائياتها ولو في سطر واحد، وكلّما تأملّتُ في بياض الصفحات عاد المشهد الأخير في طوارئ رام الله وفَرَضَ صمت الموت قسوته على الكون كلّه، وسال الحبرُ ساخناً فوق الوجنتين !
الآن، وبعد عامٍ من الفراق الذابح، عُدتُ إلى ذاكرتي الخاصّة مع زياد أبو عين، فحضرتْ صورته المكتملة، غرّته المنسدلة على جبين القمح، صوته وهو يسألُ النادل المتأخّر عن قهوته، وضحكته المتدفّقة مثل نبعٍ يروينا من ماء قلبه وحبّه وتسامحه، وأخذت أقرأ ما دار بيننا من محادثة على موقع التواصل الاجتماعي، وكذلك حديثه الأخير عن معركة الزيتون في ترمسعيا.
" يجب أن يكون الاحتلال مُكلِفاً لهم " هذه هي مقولته العنيدة، يبدأ فيها الكلام ويبحرُ منها إلى تفاصيل رؤياه، يصمتُ، يسألُ، يستمعُ ويرتشف القهوة ويُكمِل .. " عندما يصبح المستوطن بحاجة لدورية جيش تحميه وترافقه من المستوطنة في رام الله إلى عمله في الداخل ستصبح الكُلفة عالية، فلن يستطيعوا توفير الحماية و المرافقات لكلّ المستوطنين وليس من حقّهم أن يتنقّلوا بيننا في أمان، لذلك سيرحلون" .
مرّ عام على رحيل زياد، وصار عُمر الغراس الأخيرة سنة كامله، وكلّما تمرّ في عمرنا ذكرى رحيله، سوف نَعدُّ معها عُمر الغراس إلى أن تمرع أشجاراً مباركة، وتضرب جذورها في عمق الأرض لتحرس هويتها وتسوّرها، ومن زيتها ستشعل البلاد نجوم حرّيتها، فتلك الغراسُ هي صدقة زياد الجارية، ولذا لن ينقطع عمله في درب خلاصنا من قاتله، وسوف نكتبُ مقولته العنيدة في خطاب انعتاقِنا من ظُلمة الاحتلال وظلم الواقع المُهلك، وعندها ستقرأ أشجار الزيتون المرويّة من دمه على روح صاحبها السلام.
أمّا نحنُ أصدقاء زياد، إنّ له فينا ذاكرة يملأها بالتفاصيل ويحرسها بصوته العالي وضحكته الكبيرة.