بقلم: راسم عبيدات
لم يعرف التاريخ البشري شعباً في العالم تعرض ويتعرض الى الظلم والطغيان والتنكر لحقه في الحياة والوجود والحرية والاستقلال كحال شعبنا الفلسطيني فرغم مرور خمسة وستين عاماً على نكبة مفتوحة ومستمرة لشعبنا الفلسطيني، الذي شرد وطرد وهجر قسراً من وعن أرضه بفعل ما ارتكبته العصابات الصهيونية من جرائم بحقه بمساندة وتواطؤ من حكومة الانتداب البريطاني ودول الاستعمار الغربي، والاحتلال الصهيوني منذ تلك اللحظة وحتى الآن يحاول بكل الأشكال والأساليب والوسائل وعبر سن الكثير من القوانين والتشريعات العنصرية وبالطرق المشروعة وغير المشروعة محو وجود شعبنا وطمس كل معالم وجوده.
ولكن هذا الشعب يقول لكل قادة الحركة الصهيونية بأن كبارنا صحيح سيموتون ولكن صغارنا لن ينسوا،ولن تصحوا لتجدوا ان شعبنا قد ابتلعه البحر،بل سيبقى شوكة في حلوقكم ولن تسقط حقوقه لا بالتقادم او بمحاولات البعض التآمر عليه، وحقه في العودة حق مقدس لا يستطيع أي كان أن يلغيه او يشطبه او يعبث به، وهو حق فردي وجمعي وقانوني وتاريخي ضمنه القانون الدولي لشعبنا وفقا للقرار الأممي رقم 194، وسيبقى حق العودة الجوهر والمرتكز الأساسي للبرنامج الوطني الفلسطيني، وجوهر الصراع مع الاحتلال، وأية حلول او تسويات تقفز عن هذا الحق لن يكتب لها النجاح مهما كانت عظمة قوى الشر والطغيان أو القوى المتآمرة التي تقف خلفها.
صحيح ان الاحتلال ليجند كل طاقاته وامكانياته من أجل نفي وجود شعبنا وسرقة تاريخنا والعبث بجغرافيتنا ومحاولة شطب ذاكرتنا الجمعية واحتلال وعينا والسيطرة عليه،ولكن رغم كل ذلك شعبنا عاماً بعد عام يتزايد وعيه وتشبثه وتمسكه بأرضه ووجوده ولتصبح قضية حق العودة لشعبنا ليست هماً فلسطينيا بل عليها يتوقف مصير أية تسوية سياسية في المنطقة،رغم اننا نشهد بأن هناك تحركات تقودها بعض الأنظمة العربية من اجل القفز عن هذا الحق، وخصوصاً ما لمسناه من التعديلات على المبادرة العربية المتعلقة بهذا الحق ، حيث جرى التطرق، لحق العودة دون ذكر للقرار الأممي 194، ونحن نقول لكل من يحاولون العبث بركائز البرنامج الوطني الفلسطيني، بأن شعبنا الفلسطيني سيستمر في المقاومة والنضال حتى يتحقق له عودة مشرفة الى ارضه ووطنه. وان اسرائيل لن تنجح بكل جبروتها وطغيانها وما تتلقاه من دعم وإسناد من قوى الشر والطغيان العالمية التي أوجدتها في خاصرة الوطن العربي من أجل ان تكون أداتها الغليظة في منع بلورة واقامة أي مشروع قومي عربي وحدوي في مخططاتها لتهويد أرضنا وأسرلة شعبنا، وعليها ان تعي تماما بأن أي قيادة فلسطينية تشطب حق العودة او تتنازل عنه سيرجمها الشعب ولن يسجل في سفرها وتاريخها سوى العار والخيانة، ولن تكون هناك قيادة فلسطينية لكي تصاب بالجنون ترتكب تلك الحماقة وتنتحر سياسيا.
حكومة الاحتلال تزداد تغولاً وتوحشاً وتوسع من دائرة تحالفها الحزبي الحكومي من أجل أن تواصل تعديها وارتكاب جرائمها بحق شعبنا الفلسطيني، وهي تشرع للمستوطنين اعتداءاتهم بحق شعبنا وتقدم لهم كل الدعم والإسناد ماليا وقضائياً وتوفر لهم الحماية الأمنية والعسكرية من أجل مواصلة الاستيلاء على منازلنا وارضنا لإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية والمستوطنات،ونحن نرى بأن القدس المحتلة تتعرض لـ"تسونامي" استيطاني يطال القدس ببلدتها القديمة وقراها وحواريها وأزقتها،من أجل تغيير واقعها الديمغرافي لصالح المستوطنين،وهنا لا قيود ولا خطوط حمراء ولا قوانين،بل حكومة ومستوطنون يمارسون البلطجة والزعرنة ويجندون الاساطير والتوراة والفكر الصهيوني من أجل نفي الوجود العربي في المدينة عبر التطهير العرقي والترحيل القسري.
وما شهدناه في الذكرى السادسة والأربعين لضم القدس من تسونامي للمستوطنين في القدس، خير شاهد ودليل على ذلك، حيث اكثر من نصف مليون مستوطن إستباحوا المدينة والبلدة القديمة منها،عربدوا وتبلطجوا وبثوا الرعب والخوف بين الأطفال، ناهيك عن إستباحتهم للمسجد الأقصى وتدنيسه، ورغم كل ذلك فإن الشبان المقدسيين سجلوا ملاحم بطولية في التصدي لهم في الدفع عن مدينتهم وأقصاهم.
وهناك عملية مماثلة تجري في الداخل الفلسطيني- مناطق 1948 -، حيث تجري عمليات تهويد المثلث والنقب على قدم وساق،وتجري مصادرة مئات الآلاف من الدونمات ونزع ملكيتها من أصحابها العرب الشرعيين لصالح المستوطنين، وكذلك تجري السيطرة على أملاك اللاجئين من أراض وعقارات وخصخصتها وبيعها. وما يطال القدس يطال ايضا الضفة الغربية،حيث عمليات التطويق والعزل للمدن والقرى العربية بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية من أجل منع وخلق تواصل جغرافي فلسطيني، قد يمهد لوجود دولة فلسطينية مستقلة، فهم يريدون فقط أن تكون هناك "كانتونات" فلسطينية متناثرة غير متواصلة ومترابطة. وغزة ليست بالبعيدة عما يجري ويرتكب بحق الضفة والقدس والداخل الفلسطيني، فهي تخضع لحصار ظالم منذ أكثر من سبع سنوات،وتتواصل الاعتداءات عليها، وتمنع عنها مستلزمات الحياة الأساسية،وكل ما يرتكب ويمارس من قبل إسرائيل بحق شعبنا من انتهاكات صارخة وتعديات وجرائم،يجري تحت سمع وبصر دعاة ما يسمى بالحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان من دول الغرب الاستعماري، بل هم يشكلون الداعم الأساسي لإسرائيل في تلك التعديات والجرائم،عبر تشكيلهم حاضنة ومظلة لها في المؤسسات الدولية تحميهم وتمنع اتخاذ اية قرارات او عقوبات قد تتخذ بحقها او تفرض عليها نتيجة لخروجها السافر على القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية.
تأتي الذكرى الخامسة والستين للنكبة هذا العام، وقضية شعبنا الفلسطيني ،تمر في ادق واخطر مراحلها، حيث ان ما يسمى بالربيع العربي،الذي راهنا عليه بان يكون رافعة للنضال الوطني الفلسطيني،بدأ يشكل عبئاً على قضيتنا الفلسطينية ومشروعنا الوطني،فهناك من يعملون على تعميق الإنقسام الفلسطيني، وعلى شرعنته وترسيمه، وهناك من يحاولون أن يسطوا على القرار الفلسطيني، وأن يتنازلوا عن أرضه، عبر ما يسمى بالمبادرة العربية،التي يجري تعديلها وتكيفها عاماً بعد عام، لكي تستجيب للشروط والإملاءات الإسرائيلية والأمريكية،وبمسلسل من التنازلات المتدرجة غير المنتهية،وبما يفتح شهية حكام تل أبيب على القول، بأن مشكلتها مع العرب والفلسطينيين،ليست الأرض،بل المشكلة هي مع ايران، وانه على العرب ان يعترفوا بيهودية اسرائيل، إذا ما أرادوا "السلام"،هم يريدون من شعبنا التنازل عن حقوقه في فلسطين التاريخية، لصالح مشروعهم الإستيطاني في وقاحة غير مسبوقة.
وفي الختام نقول بعد العربدات الأخيرة وأعمال البلطجة والزعرنة التي مارسها المستوطنون في البلدة القديمة من القدس، واستباحتهم للأقصى،للمرة المليون، بأن مشاريع تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين أصحاب الحق التاريخي والأزلي في هذا المسجد وبين المستوطنين الغزاة والدخلاء، أصبحت في مراحلها النهائية للتطبيق العملي، حيث مدير عام وزارة الأديان الإسرائيلية، سيقوم بتعديل القانون،من اجل السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى في أيام محددة أسبوعياً، وكذلك قالت ذلك عضو الليكود ميري ريغب بأنه في حال فوزها في انتخابات رئاسة لجنة الداخلية، ستمسح لليهود بالصلاة في الأقصى، وعلى حد زعمها الهيكل كأقدس مكان لليهود.
فيا عرب ويا مسلمين، القدس في خطر والأقصى في خطر، فهل تسمعون؟ والقدس هي المحتلة وليست الشام،لا نريد منكم لا سلاحاً ولا مدداً، نريد منكم وقفة عزة، نريد منكم أن تدافعوا عن مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلتكم الأولى، فأنقذوا الأقصى قبل فوات الاوان، فالأقصى بأشد وامس الحاجة إليكم الان فهو يقسم.