الكاتب: طارق أبو الفيلات
بدأت قصتي مع المنتج الوطني مدافعا عن صناعة وطنية متأصلة في مدينتي مدينة الخليل، وهي صناعة الجلود والأحذية، ومع الوقت تغلغل الموضوع في اعماقي واستحوذ على عقلي وتفكيري، وبدأت اتحدث عن المنتج الوطني الفلسطيني من احذية وملابس وأثاث ودواء وغذاء وكل ما ينال بركة الايدي الفلسطينية ويمتزج بعرق العامل الفلسطيني، ويفتح بيته، ويفرج همه، ويحميه من البطالة والجوع والفقر، تملكني الامر بشكل كبير لحد انه افزعني وأصبحت اظن انني ابالغ وأتخطى الحدود وأصبحت اثقل على نفسي وأصدقائي وأهل بيتي ولم انتبه إلا متأخرا إلى انزعاج صاحب المتجر الذي اتعامل معه من كثرة ملاحظاتي حتى انتبهت إلى تبرمه وتضايقه بينما كنت اتطفل على احد زبائنه لأنه اشترى بوظة اسرائيلية، وحمل البان غير فلسطينية، فانبريت اساله لماذا فضلت منتجا اسرائيليا والبديل الفلسطيني متوفر فتحجج بالجودة واللذة والرقابة، ولما فندت كل الذرائع قال لي :هل حبة البوظة هذه هي التي ستهدم الاقتصاد الوطني، وأشاح بوجهه واستمر يحمل منتجا اسرائيليا ووقف على الصندوق ودفع الثمن، وتخيلت خانه في الصندوق هي الاكبر مكتوب عليها الاقتصاد الاسرائيلي وتخيلت خانة اخرى مكتوب عليها اجور العمال الاسرائيليين وخانة اخرى مكتوب عليها لا لبطالة العامل الاسرائيلي، ولا اعرف كم من الثمن بقي ليستقر في خانة الاقتصاد الفلسطيني، وتيقنت ان لا وجود لتلك الخانه في هذه العملية التجارية بالرغم من ان البائع والمشتري هما فلسطينيان، لكن الاقتصاد الفلسطيني يقف بعيدا متألما متحسرا وهو يرى الايدي الفلسطينية تهدمه لتبني غيرة تحفر له القبر وتبني لغيره القصر.
وتوقفت عند السؤال: هل حبة البوظة هي التي ستهدم اقتصادنا او تؤذي صناعتنا؟
وأقول بكل وضوح وصراحة ويقين: نعم. لأن صناعاتنا كلها هي صناعات خفيفة فلا نصنع سيارات وطائرات او سفن او ماكينات انما نصنع اجبان وألبان وبسكويت وشوكولاته ومرتديلا ونقانق وعصائر ومرطبات وأحذية وملابس وأثاث وأدوية ومنظفات واصباغ وبعض الحرف التقليدية وذهب ابيض من باطن الأرض لا فضل لنا فيه فهو من الله الوهاب، وبعض الصناعات المعدنية التي تصلح لاستعمالنا اليومي، وكل منتجاتنا إذا اخذت فرادى هي منتجات بسيطة رخيصة لكنها مجتمعه هي منتجنا المحلي وعماد اقتصادنا المنشود.
لكن إذا قلنا ان حبة بوظة لا تؤثر ولا يهم علبة شمينت وماذا يعني لو لبست حذاء صينيا وأي اثر لغرفة نوم مستوردة وهل تخرب الدنيا إذا لم نشترِ مرتديلا فلسطينية، وهل سينهار الحلم الفلسطيني إذا تسوّقنا من رامي ليفي، وهل عيب لو لبس الامن الفلسطيني بسطارا صينيا، وهل جريمة ان نشارك في مسيرة لدعم الاسرى ونشرب بعدها تبوزينا، وهل إسرائيل ستتأثر ان دعمنا منتجنا الوطني وهل كان غاندي عاقلا عندما عاش ومات شبه عار حتى يقاطع بضائع الانجليز. تساؤلات كثيرة، الجواب عنها جميعها: نعم.
كل منتج فلسطيني يشكل لبنه من لبنات الاقتصاد الفلسطيني وحجر من احجار الاساس فيه فلا نستهون ولا نحقر اي سلعة مهما بدت صغيرة فأصل المدينة حجر والسيل اصله نقط وعظيم النار من مستصغر الشرر.
ولأثبت نظريتي اقترح اختبارا ليوم واحد فقط، فلنعقد العزم ليوم واحد الا نشتري إلا سلعة فلسطينية جميعنا، وان نبحث عن منتجنا الوطني، ولا نشتري غيره وأأكد لكم أن ردة فعل عنيفة ستصدر عن الطرف الاخر يسمعها كل اصم ويبصرها كل كفيف، وستقوم قيامتهم لأنهم يعلمون ان حبة البوظة وما شابهها من مستهلكات يومية تبني اقتصاداً وتهدم بنياناً مع انهم لديهم من الصناعات الثقيلة ما يغنيهم ويكفيهم لكنهم عرفوا قيمة الاشياء وفهموا ان اصل المدينة حجر وبعدها يتطاول البنيان.
اخيرا اقول لإخواني اصحاب الصناعة في فلسطين لا تحرجونا بمنتج لا نستطيع الدفاع عنه واعلموا اننا قبل ان نتوجه إلى المستهلك علينا فرض واجب وعهد لازم ان نؤمن لمستهلكنا الفلسطيني افضل سلعة وأفضل سعر، وكم ازعجني ان اسمع ان بعض المنتجات تعاني من خلل في التعبئة وسوء في التغليف ليس إلا، لان المصنع يريد ان يستنفد شحنة من العلب معيبة اشتراها وبعدها يصلح الامور، لا يعقل ان نقصر في الاعلان والدعاية، وعيب ان نترك الساحة لعامل طرده صاحب العمل فطاف في الاسواق ينشر قصصا عن سوء التصنيع وكيف يعاد تصنيع التالف وإعادة بيعه ولا نكلف انفسنا بطمأنة مستهلكنا اننا نأكل مما نبيع.
مهمتي في الدفاع عن صناعة الاحذية اسهل بكثير من الدفاع عن منتجاتنا الاخرى بالذات الغذائية منها، ففي الاحذية انا اطرح منتجا بديلا لمنتج صيني رخيص فميزان الجودة لصالحنا وعقل المستهلك تقبل من فترة وجهة نظرنا، ولا اذكر على الاطلاق انني سمعت مستهلكا يتحداني انه اشترى حذاء صينيا لأنه افضل من منتجنا بل معظم العذر انه ارخص وانه طغى على السوق وطمع اصحاب المعارض فرض عليهم هذا الحذاء الصيني الرخيص السعر السيء الرائحة والذي اصبح يحمل علامات مقلدة مزورة، فاصبحنا نشتري وهم الماركات بمئات الشواقل، ويخرج علينا بعض اخواننا المستفيدين من هذه الظاهرة يهددون بالاضراب اذا اصرت الحكومة على انهاء ظاهرة التزوير وحماية المستهلك. يهددون كأنهم اصحاب حق يطالبون بإنصافهم ونسوا انها المهلة السادسة التي تمنح لهم للتخلص من بضائعهم المزورة متناسين حق المستهلك بل الاغرب ان نسمع اننا نزور خدمة للمستهلك كأننا بعد تزوير الاحذية نبيعها بنصف السعر السابق او نوزعها على ابواب المساجد والجميع يعلم ان وضع اشارة (نايك) تكلف المستهلك 100 شيقل وتكلف المزور 1 شيكل.
أما في المنتجات التي تتعرض لغزو المنتج الاسرائيلي فثقافة المستهلك المخدوع ان المنتج الغذائي والكيميائي الاسرائيلي هو افضل وأجود ويخضع للرقابة ونسوا معلومة مؤكدة تقول إن المصنع الاسرائيلي الذي يسوق للسوق الفلسطيني لديع خطان للإنتاج فما يرسله للسوق الاسرائيلي جيد ويخضع للرقابة، وما يصل إلى اسواقنا هو ما نستحقه من وجهة نظرهم، ومستهلكنا نسي انه قبل سنوات اكتشفت مادة السيليكون المسرطنة في منتجات واحدة من اكبر الشركات الإسرائيلية لكنها عقدة الاجنبي وانعدام الثقة بالنفس.
من اجل هذا ادعو اخواني في الصناعات الفلسطينية إلى مضاعفة الجهد والإنفاق في تصويب الاوضاع والرقي بمنتجنا والى اطلاق حملة مصورة موثقة توضح طريقة العمل وصرامة الرقابة وحرصنا على مستهلكنا لأننا في النهاية كلنا مستهلكون.
اتمنى ان نصل إلى مرحلة نقتنع فيها اننا شركاء في بناء الاقتصاد الفلسطيني وكصاحب صناعة هل اغش شريكي، وكمستهلك هل اشتري من مصنع الاغراب واترك مصنعي ومنتجي ؟ ألسنا شركاء ؟
طارق أبو الفيلات
رئيس اتحاد الصناعات الجلدية الفلسطينية
عضو مجلس ادارة الاتحاد العام للصناعات
عضو مجلس ادارة مركز التجارة الفلسطيني