الكاتب: المحامي راجح أبو عصب
شدد الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء على اهمية تعزيز وتكريس حرية الصحافة باعتبارها مكونا اساسيا من منظومة القيم السامية التي ستقوم عليها دولة فلسطين المستقلة , وقد جاء ذلك في الكلمة التي القاها في الاحتفال الذي أقامته وزارة الاعلام ولجنة فلسطين للتصوير الفوتوغرافي بالتعاون مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين تكريما لابداعات المصورين وتحديدا الفلسطينيين وتمكينا للصورة الفلسطينية على اوسع نطاق .
ولا شك ان حرص الدكتور فياض على رعاية هذا الاحتفال يعكس اهتمامه الكبير بصاحبة الجلالة – الصحافة – التي تعتبر السلطة الرابعة , والتي لها دور كبير وبالغ الاهمية في تكوين الرأي العام وتوجيهه الوجهة الصحيحة لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية . كما تلعب الصحافة دورا بارزا في اظهار عدالة القضية الفلسطينية , وحرص الشعب الفلسطيني على تحقيق آماله المشروعة في التحرر والاستقلال واقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 .
والذي لا شك فيه ان السلطة الفلسطينية قيادة وحكومة أتاحت حرية واسعة للصحفيين وللصحافة في التعبير عن الاراء وفي تناول القضايا المحلية والعربية والدولية دون قيود ودون خطوط حمراء , الا قيود الوحدة الوطنية واحترام الثوابت والمبادئ والاخلاق والمثل الفلسطينية , التي هي في ذات الوقت محل اجماع الشعب الفلسطيني بكافة توجهاته وانتماءاته ومذاهبه .
وحرية الصحافة الفلسطينية هذه مما تحسب للقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس , وكذا للحكومة الفلسطينية التي يرأسها د. سلام فياض . حيث ان صحافتنا الفلسطينية تتمتع بهوامش واسعة من الحرية لا مثيل لها في أية دولة عربية اذا استثنينا الدولة اللبنانية , ولذا ليس من المستغرب ان نرى بين كتاب الرأي في صحافتنا من لا يوفر من الانتقاد احدا من كبار المسؤولين, بما فيهم الرئيس محمود عباس شخصيا وكذا رئيس الوزراء , والوزراء وأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الثوري لحركة فتح .
حيث ان الرئيس عباس يعلن باستمرار ان لا أحد فوق النقد بمن فيهم سيادته .
ولا يستطيع احد ان يماري او يجادل في ان الديمقراطية وحرية التعبير والشفافية سمة اساسية من سمات الحكم في فلسطين , ومن مظاهر تلك الديمقراطية حرية الاعلام والصحافة , والرئيس عباس ديمقراطي بطبيعته, يتحدث بصراحة ومكاشفة خلال لقاءاته المختلفة مع المسؤولين ومع أعضاء منظمة التحرير والمجلس الثوري لفتح , وكذا خلال لقاءاته مع الوفود الشعبية , وهو لا يتكلم بلغتين , انما يتكلم بلغة واحدة داخل الصالونات والغرف المغلقة وكذا في الاجتماعات المفتوحة .
وقد أكد د. فياض في كلمته في الإحتفال خلال الاسبوع الماضي , على ان حماية حرية الرأي والتعبير واحدة من أهم أولويات عمل حكومته . وهذا ما يلمسه على أرض الواقع العاملون في الصحافة الفلسطينية الصادرة في القدس ورام الله , حيث ان هذه الصحف تتمتع بهامش واسع من الحرية وتتيح للكتاب سواء كتاب الافتتاحيات فيها او كتاب صفحات الرأي ان يتناولوا ما شاءوا من مواضيع ودون تدخل ودون اعتراض . ولذا ترى في هذه الصحف الاراء المتنوعة والمختلفة , كل يعبر عن رأيه وقناعاته بما يتيح للقارىء الفلسطيني ان يطلع على الاراء المتنوعة في كافة المشاكل المحلية والعربية والدولية.
وكذلك فان حرية الصحافة الفلسطينية تلمسها حتى في الرسوم الكاريكاتورية التي في احيان كثيرة لا توفر في الانتقاد حتى كبار المسؤولين . حيث ان رسامي الكاريكاتير في هذه الصحف على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم يطرقون في رسومهم المواضيع التي يرونها تهم المواطن الفلسطيني . ومن حرية الصحافة في فلسطين انك ترى ان الصحف اليومية في احيان كثيرة تخلو من صور الرئيس محمود عباس وكذا من صور رئيس الوزراء , بينما ترى الصحافة العربية في العديد من الدول العربية , وحتى الصحف المهاجرة في بريطانيا لا تخلو يوميا من صورة ذلك الزعيم او ذاك الملك او القائد او الامير , وعلى صفحتها الاولى , وحتى لو كان الخبر الذي يشرح الصورة ليس من الاهمية بمكان . بل هو مجرد خبر عارض عن استقبال او زيارة تفقدية لمؤسسة محلية .
ولا تقتصر حرية الاعلام في فلسطين عن الصحافة غير الرسمية , بل ان ذلك ينطبق على الاعلام الرسمي , وهذا ما يلحظه المشاهدون لتلفزيون فلسطين , الذي يستضيف باستمرار العديد من الشخصيات المعارضة , ومن قادة فصائل من غير حركة فتح , الذين يناقشون المواضيع الساخنة بكل حرية , وقد لا يوفرون احدا من انتقاداتهم , وكذا في البرامج الحوارية الحية التي يبثها تلفزيون فلسطين على الهواء مباشرة , حيث يتاح للمواطنين ان يعبروا عن ارائهم بصراحة وحرية ودون قيود في المسائل التي تهم المواطنين .
ولا شك ان د. فياض رجل دولة متنور وذو ثقافة واسعة ورجل سياسة من الطراز الاول يعي دور الصحافة بصورة خاصة والاعلام بصورة عامة , بعد ثورة الاتصالات الاخيرة التي جعلت من العالم قرية صغيرة , لا يستطيع اي حاكم مهما كان ديكتاتوريا وفاشيا ان يحجب انتهاكاته لحقوق شعبه في الحرية والاستقلال والحق في ابداء الرأي في كل امور الحياة : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها . ولذا فان د. فياض كان اكثر المسؤولين الفلسطينيين تعرضا للنقد والهجوم من على صفحات الصحف من خلال كتاب الرأي , ومع ذلك لم يضق ذرعا بذلك ولم يغضب , وانما كان يترك لأعماله ان ترد على منتقديه , وهذا شأن رجل الدولة المسؤول الواثق من نفسه ومن ادائه ومن كفاءته ومن نزاهته ومن عفته ومن نظافة يده .
ولأن د. فياض يقدر للعاملين في كافة المجالات , ما يقومون به , فانه بكلمته في الاحتفال اشاد بالجهود العظيمة , التي يقوم بها الصحفيون الفلسطينيون عامة والمصورون منهم خاصة في نقل رسالة المواطنين الى المسؤولين , وفي مساندة ودعم القضية الوطنية الفلسطينية ولا شك ان الصورة ابلغ مئة مرة في التعبير عن القضايا الملحة من المقالات والكلمات , فرب صورة لصحفي ماهر غيرت مجرى الاحداث مئة وثمانين درجة , وكمثال على ذلك الصورة التي التقطها مصور صحفي اميركي لفتاة فيتنامية تشتعل فيها النيران بعد ان اصابتها قنبلة "نابالم " حارقة القتها طائرة اميركية في سبعينيات القرن الماضي , ما قلب الرأي العام الاميركي آنذاك على تلك الحرب , وخرجت مظاهرات صاخبة تندد بالحرب وتطالب الرئيس الاميركي آنذاك ريتشارد نيكسون بوقف الحرب وسحب الجنود الاميركيين , فما كان منه الا ان خضع لتلك الضغوط وأوقف تلك الحرب اللعينة .
وفي كلمته في احتفال تكريم الاعلاميين، أضاف د. فياض قائلا : ان منظومة الحكم لا يمكن ان تستقيم اطلاقا اذا تم اغفال الدور المهم للسلطة الرابعة – الصحافة – ودورها في تقويم المسار وتصويبه .
وقد أصابت هذه العبارة للدكتور فياض كبد الحقيقة , اذ ان دور الصحافة الأهم هو تقويم مسار اداء السلطة التنفيذية التي تمثلها القيادة الفلسطينية ورئاسة الوزراء , وكذا تصويب مسار السلطة التشربعية التي يمثلها المجلس التشريعي , ذلك ان الصحافة هي العين الساهرة الناقدة التي تراقب وتنتقد وتصوب عند الخطأ وتشيد عند الحسن وتدعو للمزيد من الاحسان , ومن هنا نرى المكانة الباسقة التي تتبوؤها الصحافة في الدول المتقدمة خاصة في الولايات المتحدة الاميركية ودول اوروبا الغربية.
وقال فياض ايضا :" ان الموجه لعمل الحكومة يتمثل في اطلاق المزيد من حرية الصحافة على اوسع نطاق وشدد على ان ما نطمع اليه هو جعل قضية حرية الرأي والتعبير قضية حسن وذوق عام لدى المجتمع , لا تحاصرها قوانين , بل تكرس كثقافة عامة تغرس في الضمير المجتمعي . ومن هذه العبارة لا بد ان نشيد بالقيادة الحكيمة للرئيس محمود عباس وللدكتور سلام فياض وحرصهما الشديد على اتاحة حرية الرأي للجميع , بما لا يعكر صفو امن المجتمع الفلسطيني ولا يهدد وحدته ولا نسيجه الاجتماعي ولا مستقبل ابنائه .
كما لا بد من الاشادة بالدور الكبير الذي يقوم به الصحفيون عامة والمصورون الصحفيون خاصة في خدمة شعبنا وقضيته الوطنية , ومن هنا استحقوا هذا التكريم الرائع الذي حظيوا به . والله الموفق .