الكاتب: عصري فياض
عندما تنغلق الأفاق أمام الحلول السياسية، بعد سلوك منهج سياسي تحرري ومشروع وطني دام العمل عليه وبه أكثر من أربعين عاما، تكون الخطوات التالية هي إجراء مراجعات شاملة للمسالك واليات العمل التي قادت بنا إلى هذا المنال،و العمل على نقد الذات والإخفاقات وتصحيح المسار ، والعودة للأصول والجذور التي قام عليها المشروع التحرري الفلسطيني القاضي بالنضال والكفاح من اجل تخليص هذا الشعب الفلسطيني من أقسى وأشرس احتلال مر على شعوب العام خلال القرنين الآخرين، فأصحاب هذا التوجه الذين حملوا المشروع، لا يتوجب أن يبقوا على حال إخفاقهم ووكأنهم الملهمون الاوحدون يضعون أمتعتهم أمام الحائط انتظارا لان يفتح الجدار،فاستحقاقات المراجعة الشاملة قائمة وحاضرة تتطلب العمل بها منذ أن فشل كامب ديفيد الثانية .
لكن الامور تركت لانتظار الفعل الاحتلالي ليكون لنا نحن أصحاب اكبر قضية حق ردة الفعل،استمرارا للمشاهدة التاريخية التي تجسدت على الارض والتي تقول المحتل يصنع الحدث، ونحن نشكل ارتداداته، وبالرغم من كل ذلك، وامام نظرية الانتظار، يخرج علينا ثلة من المناضلين التاريخيين والمثقفين بطرح ""الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الواحدة على فلسطين التاريحية" على أساس الوصول لدولة موحدة قائمة على قيم"الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة"، اما القيم فهي امنيات لمولود لم يولد بعد، اما الطرح فهو غريب الاطوار، مناف تماما لطبيعة الصراع،يلامس الاستحاله في ان يتجسد على ارض الواقع حتى كمشروع او حزب او توجه يمكن ان يؤثر في "المجتمعين" المستهدفين منه وهما، الشعب الفلسطيني الفاقد لابسط حقوقه بفعل الاحتلال، و"اسرائيل" القائمة على انقاض مأساة الشعب الفلسطيني والتي لم ولن تتوقف عن حلمها القاضي بحده الادنى على اقامة كيان كامل لليهود في كامل فلسطين، إذا لم تكن قادرة على تحقيق منسوب حلمها التوراتي المحدد بالنهرين.
ففي طبيعة الصراع هناك النظرة العقائدية القائمة على مفهوم التلمود بالرغم ما تراه من لباس العلمانية، خاصة وان المجتمع " الاسرائيلي" الان في اوج تطرفه القائم على الافكار العقادية، وهذا ما افرزته انتخابات" الكنسيت " خلال العقد الاخير، وأن مؤشر التوجه "الاسرائيلي" اشار خلال العقد الماضي الى اضمحلال في ما يسمى قوى السلام، لصالح التطرف الديني واليميني، وهو متصاعد، وما يجري في المحيط لا ينذر بتراجعه ، بل على العكس التوقعات لتواصل ارتفاعه الى الاعلى، الامر الذي سيقود بفكرة "الدولة الموحدة" في المجتمع " الاسرائيلي" الى التقزم ، وبقائها في حدود حركة يحمل لافتاتها بضعة نشطاء على مفارق الطرق.
بالمقابل، الشعب الفلسطيني الذي بالرغم من انه صاحب الحق الأوضح، والذي أعطى قيادته الجنوح نحو "السلام"، والتزم بكل الاتفاقيات، وراعى التوجهات الدولية، يقابل بكل أشكال الإنكار والتصميم على رفض الحقوق، على العكس من ذلك هناك هجمة شاملة عليه، فردا وجماعة ارضا ومقدسات وجودا وقضية، على مرأى من العالم الذي لا يأبه بمعاناة الشعب الفلسطيني ويتعامل معها ككقضية مستعصية تعالج بالمسكنات، هذا الواقع يدفع بأهل فلسطين للعودة الى المنطلقات الاولى وببساطة استغلال أي تغيير في الواقع الكاتم على الصدور الى العمل على انتزاع حقه بالقوة، والمتغيرات حولنا كثيرة ونحن لسنا معصومين منها.بالاضافة أن قوى م ت ف لم تعد هي الوحيدة ذات الثقل الأكبر في الساحة الفلسطينية،بل أن طبيعة الصراع والتغيرات اضافت قوى جديدة ذات وزن ترفض حتى الاعتراف بهذا الكيان جملة وتفصيلا، إضافة الى ان المستوى السياسي الفلسطيني لم يتبنى هذا التوجه لغاية الان، وهو يميل بالرغم من يأسه من امكانية تحقيق حل يميل للتوجه للمؤسسات الدولية ليستخدم ادوات اكتسبها من اعلان الدولة المراقب، وقد يراهن على هذا التوجه سنوات وعقود.
هذا من ناحية تصوير المشهد لدى الكيان المحتل، والشعب الواقع عليه الاحتلال،اما من الناحية المنطقية، فلم يسبق لشعب احتل وهجر ولاقى من اصناف العذاب ومحاولة الشطب أن" يحتضن" محتله بدافع الرغبة في انهاء الصراع وتحقيق الحقوق، لان اسرائيل ببساطة تدرك ان الديمغرافيا الفلسطينية هي القنبله النووية البشرية التي ستقضي على حلمها الصغير، لا يمكن ولا بأي شكل من الاشكال أن تقبل بهذا الطرح، هذا في حال كان من ثوابت هذا الحل هو تحقيق حق العودة وعودة ملايين الفلسطينيين الى وطنهم، ونحن لا نروج لفكرة قبول اسرائيل من عدمه، لكن نؤكد استحالة هذا التوجه إذا كان سيتمسك بالثوابت التي لا يمكن لاحد شطبها او تجاهلها مهما كان، ومهما بلغ.
لذلك،الطرح لن تكتب له الحياه ، وسيكون فقط فكرة في زمن الانسداد، وغياب المنهاج الصحيح، وهذه الظلمة التي اوقعتنا بالحيرة، وفي التاريخ الشعوب التي ينالها الظلام تتفتق عنها الكثير من الافكار الغريبة .. في اطوارها وتصوراتها واستحالة او ملامسة الاستحالة في تجسيدها على الارض ولو بعد حين.... لان طبيعة الصراع القائمة على الوجودية هي جذر القضية .