الكاتب: محمود الفطافطة
تحتل وسائل الإعلام الجماهيرية اليوم مكانة بالغة الأهمية في حياة المجتمعات الإنسانية وذلك على كافة المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية والتربوية؛ لذا فقد أصبح العصر الذي نعيشه اليوم يُعرف بـ " عصر الاتصال والمعلومات" نظراً للأهمية التي تلعبها هذه الوسائل في حياة المجتمعات المعاصرة. فتأثير الإعلام يتقاطع مع كافة النشاطات التي يمارسها إنسان المجتمعات المعاصرة بدءاً من أبسط ممارساته على المستوى الفردي إلى أكثرها تعقيداً على المستوى الاجتماعي.
وللأهمية الكبيرة التي تحتلها وسائل الإعلام في حياة الناس ومدى تأثيرها في توجيه سلوكهم وتحديد اتجاهاتهم فقد ازدادت الأبحاث والدراسات التي تتناول القطاع الإعلامي ، وبدأت هذه الدراسات تحتل مكاناً مرموقا في إطار الدراسات والبحوث الاجتماعية والتربوية، فالعلاقة بين الجمهور الإعلامي ووسائل الإعلام المعاصرة تشكل اليوم تهيمن بصورتها ومضمونها على واقع الحياة الثقافية والروحية في المجتمعات الحديثة.
وفي إطار ذلك كله يُلاحظ اليوم أن الدراسات الميدانية الإعلامية تولي مجتمع الشباب أهمية خاصة بوصفه مجتمعاً إعلاميا يتميز بطابع الخصوصية؛ تلك الخصوصية التي تتمثل في الأبعاد التالية :
1. يمثل الشباب إحدى أهم الشرائح الاجتماعية الواسعة.
2. اعتبار هذه الشريحة الأقدر على الحراك المجتمعي والتأثير السياسي في حال اتيح لها ذلك.
3. تتميزها بوصفها أكثر الشرائح الاجتماعية استهلاكا للمادة الإعلامية وتأثراً بها.
وبظهور وانتشار وسائط الإعلام الجديدة أصبح التأثير الإعلامي على قطاع الشباب واسعاً وبحاجةٍ إلى دراسة معمقة ودائمة لرسالته ومحتواه، حيث تشهد تكنولوجيا الإعلام والاتصالات ثورة حقيقية ومذهلة مما سيزيد من تأثير وسائل الإعلام المختلفة على الناس
وفي ظل هذه الثورة الإعلامية بات بعض شبابنا يتأثر بصورةٍ ملحوظة بما يصدره الإعلام الجديد من أفكار وفلسفات وسلوكيات وأخلاقيات مختلفة المضمون والرسالة والتوجه، مع الإدراك هنا أن الطريق الصحيح لمواجهة تحديات الإعلام الذي يتجنب أو يتجنى خصوصيتنا وأصالة ثقافتنا وحقيقة حضارتنا ليس الرد العفوي أو الصمت العاجز بل عبر الاستفادة من الوسائل المتاحة لنا في تقوية إعلامنا بحيث يكون مؤثرا في مختلف شرائح المجتمع ، وصوته مسموعا في أرجاء العالم . اعلام يعزز روايتنا، وينشر تراثنا، ويحقق طموحات شرائح مجتمعنا، وفي مقدمتها الشباب والفئات المهمشة كالأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة .
فالمطلوب أن يقوم الإعلام التقليدي والجديد بدوره في تثقيف الشباب وتنمية قدراتهم العلمية والثقافية، ونشر ثقافة الدين، وبناء الوعي السياسي والاقتصادي وتعميق الانتماء للقيم والأخلاق والوطن ومحاربة الفساد والانحراف والانحطاط وتنمية الثقة بالنفس، والاعتزاز بالهوية والحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية والمحافظة على القيم الروحية والمعنوية... فهذه هي رسالة الإعلام الأساسية .
انطلاقاً من هذه الأرضية العامة التي تشتبك فيها العلاقة الثنائية بين الشباب والإعلام وتأثير الرسالة الإعلامية على هذه الفئة المجتمعية الهامة نتجه صوب موضوع ورقتنا البحثية لنجيب على سؤالها المركزي والمتمثل في كيفية تفعيل قضايا الشباب الفلسطيني عبر وسائط وشبكات الإعلام الجديد؟.
قبل الخوض في مضمون ومسارات هذه الورقة البحثية نود التطرق إلى جملةٍ من المحاور والعناوين التالية:
أولاً: حجم الشباب في القطاع الإعلامي
قليلة هي الأدبيات التي تتناول حجم التمثيل الذي يشغله الشباب الفلسطيني في قطاع الإعلام بوسائله المتعددة ( المكتوبة، المرئية، المسموعة، والالكترونية ). و في حال تناولنا المسألة من زاوية المتابعة والاطلاع الشخصي يمكن القول وبثقةٍ أن هذا الحجم قد شهد اتساعاً وأهمية من حيث الكم والنوعية في السنوات العشر الماضية على وجه التحديد، وذلك لتنوع هذه الوسائل وتطور تقنياتها في الوقت الذي امتلك فيه الشباب ـ خاصة الخريجين ـ قدرات ومهارات فنية وعلمية عالية؛ مكنتهم من الانخراط الملحوظ والفعال في الحقل الإعلامي.
ورغم ذاك الاهتمام والاتساع إلا أن ما يُؤخذ على الكثير من وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة عدم معالجتها الوافية والموضوعية للقضايا والاحتياجات الشبابية، إضافة إلى ذلك ، فإن المؤسسات الإعلامية خجولة، أو ترفض الاستثمار في قطاع الإعلام الشبابي، الأمر الذي حال دون وجود وسيلة إعلامية متخصصة بهموم وتطلعات جيل الشباب في فلسطين .
فالإعلام الفلسطيني مطالب بدور ريادي ومتميز في إيصال الصوت الشبابي إلى من بيدهم صنع القرار . هذا الإعلام عليه مسؤولية اجتماعية ووطنية وعليه أن يتجرد من ضيق الحزبية أو بوتقة المؤسساتية السياسية، عليه أن يكون حراً ، وموضوعياً، حتى يستطيع تحقيق رسالته، وإيصال أهداف ومواقف أبناء المجتمع كافة.
كما وعلى الإعلام الفلسطيني أن يطرح القضايا الشبابية بقوةٍ للنقاش والتفاعل سيما وأن غالبية وسائل الإعلام منحازة إلى جهات سياسية أو اقتصادية ، ويتضح ذلك من خلال حالة الاستقطاب السياسي الحادة بين وسائل الإعلام على حساب الموضوعات الشبابية، مما أدى في كثير من الأحيان إلى خروج وسائل الإعلام عن حياديتها وموضوعيتها ، وذلك على حساب الأولويات الشبابية ، حيث لا تلقى مشاكل وهموم الشباب الطرح الكافي ولا يتم طرحها بشكلٍ علمي وعميق.
ورغم كل هذا وذاك يبقى هناك مساحات أو حيز تنبث منه فضاءات ايجابية في تعامل الإعلام مع قضايا وتطلعات الشباب الفلسطيني، وان كانت محدودية الانتشار والتأثير والاستمرارية. هذا التأثير يزداد، بلا شك، في ظل انخراط الشباب الفلسطيني بشكل واسع وقوي في وسائط وشبكات الإعلام الجديد، وهذا ما سيتم تناوله لاحقاً.
ثانياً: الإعلام الجديد والشباب: الأهمية والدور
يتولى الإعلام الجديد الآن إعادة تشكيل العقل الإنساني وطرق تفكيره وتوسيع نطاق الاتصال والتواصل والتأثر والتأثير، حيث أن ظهور الشبكات الاجتماعية أسهمت في تغيير ملامح الحياة بشكلٍ ملموس في كثير من المجتمعات الإنسانية، وأن العديد من هذه الشبكات ظهر بمبادرات فردية أحيانا كما هو الشأن في" الفيسبوك" التي أصبحت تستقطب أعداداً هائلة من المشاركين الذين يعتمدون عليها في التواصل والتعبير عن أنفسهم وآرائهم ومشاعرهم بشكلٍ صريح، وبلغ من انتشارها وفاعليتها أن ظهر عنها كتاب أصبح المادة الأولية لفيلم سينمائي عرض في أميركا مؤخراً .
فشبكات الإعلام الجديد أصبحت تمثل في بعض أبعادها مشروعات هادفة ودعوة للتغيير الاجتماعي والفعل العام المشترك وتوحيد الجهود والاستفادة من مختلف التخصصات العلمية والتكنولوجية في تحقيق تلك الأهداف ، كما وتعمل بالتالي على حدوث ثورة جديدة في العالم عن طريق استقطابها لتلك الملايين العديدة من البشر سيما الشباب الذين لم يكن لهم سوى دور هامشي في الحياة ..
هؤلاء أصبحوا يناقشون مشكلات المجتمع والإنسان والعالم بأسره ويتبادلون في ذلك مختلف الآراء والخبرات ويؤلفون قوة فعالة من الرأي العام العالمي، قادرة على تغيير النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت تنفرد بصياغتها النخبة أو الصفوة مع إنكار حق الأغلبية العظمى من البشر العاديين في المشاركة في رسم السياسات التي تؤثر في حياتهم وتحدد مصائرهم ، وربما كان ذلك يمثل أهم وظيفة يمكن أن تقوم بها تلك الشبكات، فهي وظيفة تعطي الإنسان إحساساً بآدميته ووجوده كإنسان معترف به وله دور ايجابي في الحياة .
فالشبكات الاجتماعية للإعلام الجديد تؤلف الآن ما يعرف باسم " الرقابة الناعمة " Soft Censorship" لأنها تقوم بالفعل بهذا الدور المؤثر دون الاصطدام العلني العنيف مع السلطات القمعية أو الفئات الفاسدة في المجتمع، وهو دور رقابي سياسي واجتماعي في المحل الأول كثيراً ما تعجز عن القيام به وسائل الإعلام الأخرى أو التنظيمات السياسية المعارضة.
إن أهم شيء يتعلق بشبكات الإعلام الجديد هي أنها تتيح للفرد أن يقول ما يريد واعتبارها مساحة حرة للتعبير، وإن أصل الفكرة هي التعبير الحر بأي لغة أو صياغة، سواء كانت متسقة مع ما يظنه الآخرون أم لا ، وهذا هو ما جذب الشباب لهذه الشبكات في العالم كله. ولهذا؛ فإن الحيز الافتراضي لتلك الشبكات يطلق عليه My Space " مساحتي أنا". وهي فكرة جاذبة للشباب في العالم العربي الذي يصعب فيه على شبابه أن يجدوا أي مساحة حرة للتعبير عن نفسه ليس سياسيا فقط ولكن اجتماعيا وثقافيا وسلوكيا .
كما أن مشاركة الشباب أصبحت أمراً ملحاً لأن لهم اليد الطولى في تطويع هذه التقنيات الجديدة، سواء في الإنتاج الأدبي، أو الترويج الإعلامي والنضال السياسي. و" أنه ينبغي ألا يقتصر وعينا باليات الوسائط الحديثة على استيعابنا للإمكانات والاستخدامات، بل يجب أن يمتد أيضاً إلى البحث عن كيفية مثلى لاستخدام تلك الوسائط الثورية لتنطلق الثقافة العربية نحو المستقبل تحت سماءٍ أكثر رحابة . لا بد أن نشجع على الاشتغال على تلك الوسائط الحديثة وتعزيز حضورها في نشاطنا البحثي والتعليمي والعلمي والثقافي وألا نندب تخلفاً نعيشه أو نستمرئ خطراً يحيطنا، أو غيابا يلتف بنا . علينا أن ننتقل من مرحلة استهلاك أدوات الغرب إلى مراحل استلهام نهضته" .
إلى ذلك؛ هناك من يرى أنه من داخل العالم الافتراضي، وعبر الفيسبوك ومختلف أشكال المواقع الاجتماعية التي أحسن الشباب استثمارها، نظم الشباب العربي قدراته، وأطّر صفوفه، وبلور وعيه، ورتّب حاجياته، وقهر الخوف، ثم خرج بخطاب فاجأ الأحزاب التي حين أهملت تأطير الشباب شاخت، والسياسات التي حين ألغت الشباب من الحسبان فقدت الشرعية".
لكنّ اللافت في هذه المجموعات أمران أساسيان: الأول، تحوّل المواطن إلى صحافيّ ميداني ينقل الخبر ربما أسرع من المواقع الإلكترونية المتخصصة في نقل الأخبار، أمّا الأمر الثاني، فهو تنوّع المصادر، إلى حد لا يمكن حصره. تدلّ على ذلك مصطلحات كثيرة تسبق الخبر، منها ما هو متعارف عليه ككلمة "عاجل"، ومنها ما استحدثه المواطنون الصحافيون كعبارات: "متظاهر"، و"عاجل جداً ومؤكّد"، و"يرجى نشره بأسرع وقت"، و"اتصال من ميدان التحرير"، وغيرها من العبارات التي يجهد أعضاء المجموعات ليؤكّدوا بها صدقية خبرهم، حتى لا يُتّهموا باختلاق الأخبار .
ثالثاً: الشباب والإعلام الجديد: الوظيفة والمضمون
استخدم الشباب العربي والفلسطيني ، في بداية الأمر شبكات التواصل الاجتماعي للدردشة و الثرثرة و لتفريغ الشحنات العاطفية ولكن يبدو أن موجة من النضج سرت في شرايين تلك الشبكات الاجتماعية حيث أصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر الثقافية و الأدبية و السياسية و استقر الأمر مؤخراً إلى أن أصبحت تلك المواقع الاجتماعية لكثير من الشباب خاصة شباب المنطقة العربية منبراً لتبادل آرائهم من أجل المطالبة بتحسين إيقاع الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ومن هنا تشكلت حركات الرفض الشبابية التي انتظمت في العديد من الدول العربية.
فالشباب العربي بات يشعر بالإحباط من تحقيق أي تقدم سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، حيث ارتفاع البطالة، وإحكام قبضة الأنظمة الاستبدادية على البلاد، أمام هذا الوضع، وبعد سقوط الكثير من الأيديولوجيات، لم يبق أمام الشباب سوى التواصل من خلال الانترنت وبعض المواقع الاجتماعية لاسيما الفيسبوك، تلك المواقع لعبت دور التنشيط والتحضير، والاطلاع ثم الانتفاضة وربما الثورة، إذ حملت معنى التغيير الجذري. وتعبير الجماهير عن ذاتها باتجاه حصولها على الكرامة والحرية وتوظيف الطاقات ووضعها في موضعها الصحيح في مسار المجتمع والتنمية.
ونتيجة هذه المعطيات استطاعت الشعوب العربية وخاصة شريحة الشباب أن تطور وعيها وثقافتها وأفكارها ومحاولاتها للوصول إلى الحقيقة المغيبة عنها، عن طريق ما هو متاح من وسائل اتصالات حديثة وتكنولوجيا متاحة برغم الحظر والتضييق والمنع المفروض على وسائل الاتصال والمعلومات والحديثة التي تمارسها السلطات العربية لإبقاء الحقيقة والوعي لدى المواطن العربي . فالشباب العربي استخدم القليل المتاح لها من وسائل الاتصال والمعلومات والمعرفة سلاحا في معركته ضد الأنظمة للتخلص منها وإسقاطها وهو ما حدث في ثورتي تونس ومصر حينما استخدم هؤلاء الشباب المحصن بالمعرفة والعلم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال والمعلومات ليقود ثورة شعبية عبر العالم الافتراضي ضد الواقع "السلطوي" انطلاقا من شاشات الكمبيوتر ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي
أما بخصوص محتوى ومضمون الإعلام الجديد فإنه من خلال تتبع طبيعة المحتوى الذي يذهب نحوه الشباب العربي في عالم الانترنت، تبين الدراسات الميدانية بأن النسبة الكبيرة من الشباب العرب يبحرون داخل الانترنت للألعاب الالكترونية والترفيه أو دخول غرف الدردشة والتعرف على الجنس الآخر، في حين أن الإقبال على مواقع الأخبار والثقافة والعلوم والسياسة وغيرها من مجالات المعرفة لا يزال محدودا .
وفي جولة سريعة في عالم المدونات والوسائط الاجتماعية الأخرى العربية نجد أن الانترنت أصبحت فعلا مجالا حيوياً لدى عشرات الآلاف من هؤلاء الشباب في محاولة منهم لإثبات وجودهم وتبليغ أصواتهم ، وكذلك بديلاً عن العمل السياسي الذي كان يستهوي الأجيال السابقة . وفي الوقت الذي تراجعت فيه الحركات الطلابية في العالم العربي، وانقطعت الصلة بين عالم الأفكار من جهة، والحركات الاجتماعية والسياسية من جهة أخرى كان البديل إبحار صامت في شبكة ممتدة الأطراف ، تتميز بعوالمها الافتراضية، لكنها في الآن نفسه كثيرة المطبات، شديدة الإغراء.
ويرى البعض أنه رغم عزوف معظم الشباب العربي عن متابعة البرامج السياسية في مختلف وسائل الإعلام ـ ما يجعلهم في الظاهر وكأنهم كائنات غير سياسية ـ إلا أنه في ظل تتبع خطاهم واختراق عوالمهم الخاصة ، نجدهم يتعاملون مع الشأن العام بأساليبهم الخاصة، أي أنهم يدخلون للسياسة من أبوابها الخلفية. فالانترنت غيرت حياة الكثير من الشباب العرب، وقلبت نظرتهم للحياة ولأنفسهم وللعالم رأساً على عقب، وهذا ما أدى بالساسة وأجهزة الأمن في العالم العربي لأن يأخذوها بعين الاعتبار. وبدل أن تتخذ الأطراف الرسمية هذه التقنيات الجديدة كوسيلة للحوار مع هؤلاء الشباب، والتعرف على ميولهم ومواقفهم من القضايا المطروحة في مجتمعاتهم وغيرها ، والعمل على ترشيدهم تدخل في علاقة جدلية معهم ، تصل أحياناً إلى حد الاشتباك والعنف المنظم والمتواصل.
رابعاً: الشباب الفلسطيني والإعلام الجديد
من خلال الأدبيات والدراسات التي رجعت إليها أو التي قمت بإعدادها يمكن إجمال علاقة الشباب الفلسطيني بوسائط الإعلام الجديدة( مع التركيز على الفيسبوك) على النحو التالي:
1. الشباب الفلسطيني استخدم الشبكات الاجتماعية الالكترونية أو ما يعرف بالحيز العام الافتراضي لتعويض حاجاته ومكبوتاته الاجتماعية والسياسية معتقداً بذلك أنه سيغيرها على أرض الواقع.
2. الشباب الفلسطيني ، بمجمله، لم يستفد من هذا الحيز العام للقيام بعمليات مناصرة ذات طابع جدي، أو للتحشيد ضد أو مع قضايا تهمهم . بل تبعثرت جهودهم ، خاصة مع الكم الهائل من التوجهات التي يتيحها الانترنت. ويعود ذلك إلى عدم وجود إدارة حقيقية تنظمهم وتعبئهم في مسارات افتراضية معينة.
3. الشباب الفلسطيني سعى إلى تشكيل هويات فردية خاصة بهم على الحيز العام الافتراضي ، دون تجاوز الهويات الأصلية، وقد عبر عن ذلك برموز استعارها من الفضاءات الثقافية الغربية والعربية المجاورة،والغريبة عن البيئة الفلسطينية.
4. تمارس بعض المدونات أو المجموعات دوراً إعلاميا يتراوح بين التوجه للغرب لفضح الممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وهذه غالبا تختار اللغة الانجليزية، وهناك مدونات ومجموعات أخرى تهتم بكشف وقائع الفساد في المشهد الفلسطيني، كما يوجد عدد آخر تطالب بحق الفلسطيني في حرية الرأي والتعبير. مدى قدرة المدونين على النقد تتراوح وفقا لمواقفهم. ولذلك يفضل البعض الكتابة باسم مستعار، بينما يكتب آخرون بأسمائهم الحقيقية.
5. يلاحظ أن هناك انسجام بين فعل الحركات على الأرض وفضائها الرمزي الافتراضي، مع ملاحظة أن حجم التفاعل المباشر يقل، إلا في حالات الأحداث الساخنة والصراعات بينهم، وهذا أكثر ما وجد أثناء الانقسام بين حركتي حماس وفتح.
6. يلاحظ أن الهم الداخلي وقضايا الانقسام والتحريض المتبادل قد طغت على قسم كبير من هذه الصفحات أو المجموعات ومضمونها وتعليقات المشاركين فيها. في قضايا الانقسام يلاحظ ضعف الاستجابة للدعوات في الشارع حيث كانت المشاركة الالكترونية اكبر بكثير من المشاركة الفعلية على الأرض وما يدل على ذلك حملة الكرامة ومجموعة 15 آذار .
7. لم يستطع الفعل التاريخي السياسي الفلسطيني الوصول إلى مجال عام حقيقي يعكس هواجسه وأحلامه الفعلية ما انعكس بالفعل على الواقع الافتراضي، حيث الإرباك والانفعالية والعشوائية وسيطرة الشعارات المباشرة وغياب تعريف محدد للهوية الوطنية ولهوية المشروع الوطني.
8. ظهر نوع من الارتباك في العلاقة بين حرية الرأي ومفهوم المسؤولية الاجتماعية والوطنية، فحرية الرأي ظهرت في حالات التهجم والتخوين والتفكير والإقصاء دون أي شعور بالمسؤولية الاجتماعية ومفهوم العلاقة داخل النسيج الاجتماعي الذي توحي الصفحات والمجموعات السياسية بأنه قد يتعرض إلى حالة أخطر من التفكك والإقصاء وغياب الهوية الجماعية لصالح هويات حزبية وأيديولوجية وانفعالية.
9. الفيسبوك الفلسطيني لم ينسلخ مطلقا عن بنيته السياسية المشكلة من أحزاب ومنظمات مدنية والتي صادرت في النهاية معظم النشاط على الشبكة الافتراضية إلى حد تدخلها المباشر في الحد من هذه التحركات مثل الهجوم على ساحة الجندي المجهول في غزة والاشتباكات بالأيدي التي حدثت في مدينة رام الله بين نشطاء الحراك من أجل إنهاء الانقسام ونشطاء آخرين محسوبين على الحراك.
10.في نتيجةٍ عامة لهذا التحليل الذي يصعب تثبيته في شكل معين للصفحات لأنها متغيرة الأشكال والمضامين بشكلٍ سريع نؤكد أنه صحيح أن الصفحات عززت حرية الرأي والتعبير في فلسطين لكنها لا تعكس بالضرورة احتراما لثقافة الاختلاف وحرية الرأي . بالعكس كان هناك تقابل أحيانا بين حرية الرأي المحمية برموز مقدسات كبرى مثل الحرية، الكرامة، الجهاد، الوطن، القضية، الدين، والعادات.
خامساً: أين المرأة/ الشابة الفلسطينية من الإعلام الجديد؟!
في البداية؛ نود الإقرار أنه بعد الاطلاع على عددٍ كبير من الأدبيات المتعلقة بالإعلام الجديد ، خاصة المنشورة عربياً، تبين عدم وجود دراسة علمية تتناول أو تحلل دور وعلاقة المرأة الفلسطينية بمواقع التواصل الاجتماعي لهذا الإعلام؛ لذا فإنه من الضروري على العاملين في الحقل البحثي الإسراع في إعداد دراسات، وصفية أو مسحية متعلقة بهذا الشأن.
الفضاء الالكتروني الجديد كما يتم إنتاجه وكما هو حالياً، هو اقرب إلى كل أنواع علاقات القوة التقليدية، فيه أقوياء مسيطرون وفيه ضعفاء تابعون. وهذا ما ظهر من خوف المستخدمات من رقابات تقليدية، ومن استعارة المستخدمات لصور الممثلات بدل صورهن الحقيقية، إضافة إلى خضوع كافة السلوكات والعلاقات إلى تصنيف مبني على الجنس في المواعدات والمراسلات والألعاب والتسليات التي تعطي هذا الواقع طابعه الأعم والأشمل. كما أن تفوق الجانب العائلي على الاستخدام يشير إلى عودة الطابع التقليدي لادوار النساء الرعائية والامومية.
كذلك؛ فإن معظم المستخدمات يشعرن بأنواع مختلفة من الرقابات أثناء دخولهن واستخدامهن هذه الوسيطة الإعلامية، أهمها :الرقابة الذاتية ،الرقابة الاجتماعية ،الرقابة الأمنية ،الرقابة السياسية ، الرقابة الأخلاقية، إضافة إلى الرقابة الدينية. وتشير الدراسة إلى أن الرقابة الذاتية تمثل الرقابة الأوسع والأخطر، بحيث لا يستطعن المستخدمات أن يتصرفن بحرية كاملة في الكتابة ونشر الصّور وكتابة التعليقات بمعزل عن محيطهن الذي يضع محظورات كثيرة .
وبخصوص حجم الاستخدام، فإن عدد الذكور المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي أكثر مما لدى الإناث، لأسبابٍ أهمها: تحرك الشباب الأوسع حرية، وتمكنهم من الحصول على أجهزة الكمبيوتر بسهولة، فضلاً عن الأبعاد الاجتماعية المرتبطة بالإناث في حال استخدامهن للكمبيوتر. هذه الأبعاد الاجتماعية هي التي تؤسس لأنواع شتى من الرقابة على الإناث المستخدمات لمثل هذه الوسائط الالكترونية.
وبغض النظر عن هذه الصورة؛ فإن المجال الافتراضي عبر الوسائط الاجتماعية التي وفرها الانترنت يمكن النساء من توظيف هذه التقنيات المستحدثة في كسر أو خلخلة " الهيمنة الذكورية " على عالم النساء في الحيز الواقعي. نجاح ذلك مرتبط بكيفية هذا التوظيف سواءً من خلال تكوين المجموعات الالكترونية أو مضمون ما يُنشر فيها، فضلاً عن الغايات المستهدفة من الاستخدام. وفي حالة الإجابة على النقطة الأولى، نرى أن النساء الفلسطينيات لم يستطعن لغاية الآن تكوين روابط أو مجموعات الكترونية للتواصل الاجتماعي، تكون لهن أدوات للدفاع عن حقوقهن والتعبير عن رأيهن والتعريف بقضاياهن. هذا يتطلب من النساء، سواءً عبر المؤسسات أو "مجموعات الصداقة والمعارف" من التقاط أهمية هذه الشبكات وتوظيفها نحو واقعٍ أفضل ومستقبل أشرق.
أما بشأن المضمون؛ فإن الانطباع أو الحكم الأولي يبين أن المستخدمات الفلسطينيات لمواقع التواصل الاجتماعي لم يركزن كثيراً على حقوقهن أو التعريف بواقعهن وطموحاتهن، بل نجد أن مواد الترفيه والتسلية ومجالات الفن والموضة وموائد الطعام والسياحة تأخذ حيزاً واسعاً من هذا العالم الافتراضي. هذا الحيز يُبقي ولو قسطاً يسيراً من التعبير عن الرأي وعن مطالب تقع تحت خانة الحقوق السياسية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية وغيرها، وإن كانت لم تصل بعد إلى نماذج لنساءٍ عربيات، مثلما كان الحال مع الشابة المصرية " إسراء عبد الفتاح" التي نجحت في إنشاء مجموعة الكترونية للتضامن مع عمال مدينة " المحلة " المصرية الذين كانوا سيتظاهرون في 6 ابريل 2008 ، ولم تكن هي شخصياً تتوقع أثراً كبيراً من المجموعة ولكن ما حدث أن اشترك أكثر من 70 ألف شخص في هذه المجموعة ، وكان لها أثرٌ كبير إلى حد اعتقال المدونة إسراء لأسبوعين .
سادساً: تفعيل قضايا الشباب من خلال الإعلام الجديد
بعد أن طفنا ، ولو قليلاً، في خريطة الإعلام الجديد وعلاقة وسائطه بقضايا وواقع الشباب عموما، والشباب الفلسطيني على وجه الخصوص، نود تسجيل جملة نقاط تتعلق بكيفية توظيف هذا الإعلام في تفعيل قضايا هذه الشريحة المجتمعية.
1. إن استخدام تقنيات الإعلام الجديد في النهوض بطموحات الشباب الفلسطيني ، لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار الشرط السياسي متمثلاً بالاحتلال الإسرائيلي، ولا بد أيضاً من تشكيل مرجعيات واقعية، متمثلة بمؤسسات المجتمع المدني، التي يمكنها أن تقود عملية التوفيق بين ممكنات الجدل بين الحيز بشقيه الافتراضي والواقعي.
2. الإعلام الجديد كغيره من حقول المعرفة له وظيفة سلبية وأخرى ايجابية، وما على الشباب الفلسطيني إلا أن يوظفه بشكل يخدم قضاياه الفئوية وقضيته الوطنية عموماً. فهذه الوسيلة الإعلامية الحديثة مهمة جداً في توصيل مطالب وآمال وتطلعات الشباب إلى أصحاب الشأن والقرار، وتخليق حالة تشاركية واسعة يتمكن الشباب من خلالها نيل حقوقهم وإيصال صوتهم.
3. إن قيام مجموعات للتواصل الاجتماعي ، بشكل ممنهج وواسع من قبل الشباب سيساهم في تكوين رأي عام الكتروني يعزز من مطالب الشباب على ارض الواقع، وبالتالي يكون لهم بمثابة الرافد والحامي لمطالبهم وحقوقهم.
4. التنسيق والتشبيك مع مجموعات الكترونية عربية وعالمية شبابية ستعزز من قوة ومكانة واستمرارية دور وفعالية الشباب الفلسطيني في تلبية مطالبه وتحقيق أماله وأحلامه.
5. تأسيس مجموعات ومواقع الكترونية منظمة ومنظمة تأخذ على عاتقها قيادة الفعل الشبابي وإيصاله إلى تحقيق مطالبه.
6. التركيز عبر المجموعات الالكترونية على الأبعاد ذات العلاقة المباشرة بشريحة الشباب، دون الغوص في متاهات تضر بتوجهاتهم وسلوكياتهم. فالهدف يجب أن يكون التعريف بالمطالب والعمل على إحقاقها لا التسلية والعزلة والسكون لجهاز الكتروني والاستلام لبواعثه.
ثامناً: ملاحظات وتوصيات
1. التوظيف السليم لتقنيات الإعلام الجديد هو المحدد لقيمته الفضلى من قبل المستخدم.
2. للشباب حقوق لم تجسد ومطالب تؤجل، لذا فوسائط الإعلام الجديد أداة مثلى لنيل هذا الحق وتفعيل تلك المطالب.
3. على الشباب مسؤولية وطنية وتاريخية في توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في أن تكون عاملا مساعدا في خلق تعاطف هائل مع القضية الفلسطينية.
4. العمل على توسيع الاهتمام أكاديميا والمشاركة مجتمعياً بخصوص تقنيات وأدبيات ومستقبل الإعلام الجديد ضروري، خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة العالم عموماً.
5. على الشابات الفلسطينيات استثمار تقنيات هذت الإعلام بصورة منتظمة الاهتمام، وعميقة المحتوى والمضمون، وذلك كأداة في إسماع صوتهن والمطالبة بحقوقهن.
6. إجراء نشاطات متواصلة في المجتمع الفلسطيني حول رسالة ومضامين وتأثير تقنيات الإعلام الجديد على المجتمع وفئة الشباب خصوصاً.
7. الدراسة العلمية الدائمة لمضمون الشبكات الاجتماعية والخروج بتوصيات وبدائل من شانها تعميق الاثر الالكتروني للشباب الفلسطيني.
8. حرية الرأي لا تعني حرية التشهير، فهي مرتبطة بثقافة الديمقراطية؛ لذلك على الفاعلين الفلسطينيين والتربويين تعزيز ثقافة الاختلاف ومفاهيم الديمقراطية.
خلاصة
الثورة الرقمية، سيما المتعلقة بالإعلام ووسائطه الجديدة تعتبر العمود الفقري والمحرك الأساسي للتحولات الجارية أمام أعيننا اليوم، وأن الثقافة هي الحقل الأكثر استهدافاً وتجلية لتلك التغيرات . والمستقبل سيكون للإعلام الجديد وحقل الاتصال بفروعه المختلفة، و الشباب سيستفيدون من هذه التطورات إذا أحسنوا استغلالها وواكبوا تطورها. لذلك على الشباب الفلسطيني أن يتقن هذه التقنيات بمضمونها لا بسطحيتها حتى ينشر رسالته بشكل جيد ويحقق مطالبة بصورة فعالة.
الرسالة الحقيقية للشباب الفلسطيني من خلال الإعلام الجديد يجب أن تكون هادفة في المحتوى، وسامية في الأداء، وطيبة في النتائج. كل ذلك يحقق له التغيير المنشود الذي طالما سعى له شباب فلسطين طويلاً..
*ورقة عمل قدمت في مؤتمر مؤسسة اعلامنا للدراسات والتطوير الذي عقد في رام الله في الرابع والعشرين من الشهر الجاري..