اطلس: كل المجتمعات الإنسانية هي مجتمعات "فرجوية"؛ فالفرجة جزء من طبيعتها، ففي حياتها اليومية تنتج مشاهد أثناء إنتاجها لعروضٍ في مناسباتها الخاصة، انطلاقاً من أن هذه الحالة هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي المنتج لمشاهد تشبه المشاهد المسرحية".
هذا ما قاله المخرج والكاتب السياسي البرازيلي "اوغستو بوال" الذي ابتدع " مسرح المضطهدين". أما نحن فنقول إننا جميعاً ممثلون، فأن تكون مواطناً لا يعني مجرد العيش في مجتمع، وإنما يعني أن تسعى إلى تغييره. تأسيساً على ذلك فإن كثيراً من الشعوب العربية ارتهنت لعقود طويلة لصحراء البؤس وصناديق اليأس، مؤمنة بالاستسلام لما تعتقده أنه قدرها، فأدخلت نفسها في دوائر التهميش والصمت ليُدخلها الآخرون في سراديب القهر وجزر الفقر.
وفي ظل مصفوفة " الأهوال" تلك، استوطن الفساد والاستبداد في مفاصلها، فبعض الضحايا أعان الجلاد على ضحاياه، والبعض الآخر وقف صامتاً لتنتفخ عناقيد التمرد في " كرامتها " المعلقة. أوطان تركض نحو المجهول وأخرى تتقوقع في سراديب التيه والانقسام وثالثة تعيش رهن الاعتقال الفكري والحجر الثقافي والتكلس القيمي.
الإنسان بطبعه ممثل ماهر لا يجد ضالته إلا في الانبهار أمام الآخرين. انبهار مجبول بسحر مزيف وطاقة عبثية لا تنتج سوى خصوبة الفراغ. فراغ يجد فيه صاحبه متعة وراحة. إنها راحة الكسل ومتعة الضياع. فرد يتكئ على الماء وينثر أحلاما في الصخور ويمتطي واقعاً لا سند له ولا سدن.
المجتمعات الفرجوية هي مجتمعات رمادية في الفعل ومتمردة على الذات لتجلدها لا لتقيمها أو تطورها. المجتمعات الفرجوية هي مجتمعات تنتعش في العالم الافتراضي لتجد فيه سحر الواقع المغطى بتراب الحلم لا بنور التألق. مثل هذه المجتمعات تعانق الأمثال لتهرب من تحديات الواقع وتتذرع بتبريرات خوفاً من المسؤولية الملحة والعقوبة المنتظرة.
إنها المجتمعات التي لا تجد في قاموسها أي قسط من المُثل التي تؤهلها لتأصيل ثالوث الاختراق والزحزحة والتجاوز. اختراق الواقع البائس وزحزحة التحديات المتراكمة وتجاوز المفاهيم الكابحة لأي تقدم. إنها المجتمعات التي تجيد مفردة الحياد في زمن استباحة الإنسان والأوطان. إنها المجتمعات التي تعلق همومها في شباك الانتظار لمستقبل الحلم الجاف.
إنها المجتمعات التي لا ترغب بالسؤال الوجودي والتحدي الدائم. إنها المجتمعات التي تغفوا ليطول سباتها فتدخل في حقبة الموات انتظارا لارتداء نعش الموت. إنها المجتمعات التي ترسم على واقعها خيوط من دم لا رداء من أمل وتحدٍ لكل ما هو رديء وصلف.
علينا أن ندرك ما نحن فيه وكل ما يحيط بنا. فالإدراك فعل والجهل به مدعاة للسؤال. إنه السؤال الذي يحفز على إرادة التشخيص وحتمية العلاج. أمراض مزمنة تدب فينا سواء نحن السبب أو غيرنا هو الفاعل. هل ننتظر أن تتحول هذه الأمراض إلى علل مزمنة ووباء مستفحل. قرار العلاج بأيدينا.
علينا أن ننفض من عقولنا وهم المؤامرة وإن كانت أحيانا واقعية. هل نركن إلى تأثيرات الغير دون أن نحرك لمواجهتها والقضاء عليها. عدونا ـ أياً كان ـ يستهدف كل ما يرتبط بنا سواء أكان رمزيا أو فعلياً. أما نحن فواجب أن يكون دورنا فاعلاً لا منفرجا. التفرج طريقه الفشل والبوار. أما المواجهة فهي الخيط الذي ينسل منه خيوط تصنع الأمل والكرامة. علينا أن نختار بين الفشل والأمل. فلماذا لا نختار الأمل طالما خلقنا الله أحراراً لا عبيد!