وتأتي في سياق ما تم الاتفاق عليه في اجتماع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية الذي عقد في الثالث من أيلول من العام 2020، وبعيده عن فرضية أن هذه الانتخابات أتت بسبب ضغوطات خارجية، وإن كانت هذه الفرضية في إحدى قراءاتها قد تكون صحيحة، إلا أن هدف هذا المقال محاولة توظيف فرصة التوافق على إجراء الانتخابات لوقف التدهور الكبير الحاصل في الحالة الفلسطينية.
في الاجتماع المذكور للأمناء العامون شاركت حركتي حماس والجهاد الإسلامي، كما ضم الاجتماع قيادات لـــــــ 14 فصيلا فلسطينيا، جميعهم أكدوا في البيان الختامي الصادر عن الاجتماع على التمسك بهدف "إقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والقدس المحتلة عاصمتها، كما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني، وحل قضية اللاجئين وحقهم في العودة إلى ديارهم الذين هجروا منها على أساس القرار 194"، وتوافق المجتمعون على أن تحقيق الأهداف الاستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة "يتوجب الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية"، كما توافقوا على ضرورة العيش في "ظل نظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة واحدة، وقانون واحد، في إطار من التعددية السياسية والفكرية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وفق التمثيل النسبي الكامل في دولةٍ وفق المعايير الدولية".
ووفقا لمخرجات الاجتماع المذكور يمكن الادعاء بأن الانتخابات العامة أتت كحاجة فلسطينية داخلية قبل أن تكون نتيجة لضغوطات خارجية (مع التأكيد على عدم نفي الرأي القائل بهذا الادعاء)، فهذا الاجتماع شكل خطوة أولية للاتفاق على مبدأ وضع برنامج وطني تحرري أساسه الشراكة السياسية الكاملة بين الكل الفلسطيني، وكان أحد نتائجه إصدار الرئيس الفلسطيني المرسوم الرئاسي المتعلق بإجراء الانتخابات العامة، على أن تُعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي بمثابة المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، ويتم استكمال انتخابات المجلس الوطني في 31 من شهر آب 2021.
من حيث المبدأ تعتبر الانتخابات العامة فرصة حقيقية لإعادة الحياة الدستورية، واستحقاقا دستورياً، وحقاً طبيعياً وقانونياً للمواطن الفلسطيني، ومدخلا مهما لإنهاء الانقسام، واستعادة وحدة النظام السياسي، وهي الوسيلة الديمقراطية والقانونية الوحيدة لتجديد الشرعيات وتوحيد المؤسسات الحكومية بشقيها، وبناء نظام سياسي ديمقراطي بعيدا عن المحاصصة، ومدخلا مهما للتوافق على قواعد العمل الوطني، والعقد الاجتماعي، بين مكونات المجتمع الفلسطيني ككل، بما يعزز الهوية الفلسطينية الجامعة للفلسطينيين باعتبارهم شعب واحد.
ومن المعلوم بأنه تم الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية على عقد اجتماع في القاهرة، في شهر شباط الحالي، لبحث آليات إنجاح الانتخابات التشريعية، ولكن المطلوب أن يضم هذا الاجتماع ليس فقط الفصائل الفلسطينية بل أيضا ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، ومن المفترض في هذا الاجتماع الاتفاق على مجموعة من النقاط من ضمنها؛ الاتفاق على ميثاق شرف انتخابي توقع عليه وتلتزم به جميع الفصائل والكتل الانتخابية، وأن تجري الانتخابات في جميع المحافظات الفلسطينية بما فيها مدينة القدس، وأن يتم توفير كافة متطلبات نزاهتها ونجاحها من خلال ضمان توفير بيئة قانونية مناسبة ونزيهة (شكل محكمة الانتخابات)، وضمان احترام الحريات العامة بما فيها حرية الرأي والتعبير، وضمان عدالة فرص التمويل والانتفاع من الموارنة العامة بما فيها الاعلام العام (الحكومي) والامن والمرافق العامة، وأن يتم احترام نتائج الانتخابات والالتزام بها، وأيضا أن يتم كف يد أجهزة الامن عن التدخل في أي مرحلة من مراحل العملية الانتخابية بطرق ليس لها سند قانوني، وخارج إطار صلاحياتها.
وحتى لا يكون هناك أي لُبس في مدى حدود مهام وصلاحيات المجلس التشريعي المنتخب، فإن هناك ضرورة لتحديد شكل وطبيعة العلاقة بين السلطة الفلسطينية وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا الامر فيه الكثير من الأهمية، لتحديد مهام المجلس التشريعي المقبل، الذي يمثل فقط الفلسطينيين المتواجدين في الأرض المحتلة عام 1967، بعكس المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل الكل الفلسطيني في الداخل والشتات، وعليه فإن من مهام المجلس التشريعي القادم، وضمن مهامه الأساسية في الرقابة والتشريع، يمكن أن تُركز على إعادة بناء المنظومة التشريعية بما يتوافق مع القانون الأساسي الفلسطيني، ومع ما وقعت عليه والتزمت به دولة فلسطين من صكوك دولية، وتوحيد المؤسسات الفلسطينية المدنية والامنية بين الضفة وغزة.
وأيضا من مهامه الأساسية محاربة الفساد المستشري داخل السواد الأعظم من المؤسسات الفلسطينية، وضمان حق المواطن في العيش الكريم والفرص المتكافئة، وضمان الحد الأدنى من جودة التعليم وجودة الخدمات الصحية، وضمان توفير فرص عمل ملائمة والتقليل من نسبة البطالة المتفشية وبخاصة في أوساط الشباب، وضمان اعتماد منظومة حماية اجتماعية متكاملة، وضمان الأخذ بمبدأ الشفافية والمحاسبة، وضمان توفير الأمن الشخصي والعام لكل أفراد المجتمع وتطبيق القانون على الجميع، وضمان التقيد بمبدأ فصل السلطات وعدم التدخل في القضاء وتعزيز استقلاليته ونزاهته وشفافيته، وضمان الكف عن تقييد الحريات العامة والاعتداء عليها، وضمان عدم تدخل أجهزة الأمن في الشأن العام بطرق ليس لها سند قانوني، وخارج إطار صلاحياتها.
وخارج هذه المهام المتعلقة بإدارة الشأن العام الفلسطيني في الأرض المحتلة، يكون هناك دور المجلس الوطني الذي يمثل الكل الفلسطيني بحكم أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة يصل تعداده في كافة أنحاء العالم إلى ما يقارب 14 مليون فلسطيني، وليس 5 مليون نسمة وهم المتواجدين في قطاع غزة والضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية.
فالمطلوب من المجلس الوطني القادم وبشكل مُلح، -عدا عن الصلاحيات التي تخوله وضع السياسات والمخططات والبرامج لمنظمة التحرير الفلسطينية وأجهزتها، وبحث الاقتراحات التي تقدم إليه من اللجنة التنفيذية وتوصيات لجان المجلس-، البدء في الاهتمام بالشتات الفلسطيني، وحل قضاياه ومشاكله، وبخاصة في مخيمات اللجوء في مناطق عمل الاونروا، وإعادة الاعتبار للهياكل التمثيلية للجاليات الفلسطينية في العالم على أسس ديمقراطية، وإشراك الشتات الفلسطيني في كافة الأمور والقضايا التي لها علاقة بالشأن العام الفلسطيني، بحكم أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة.
ملاحظة لا بد منها: هل ستسمح دولة الاحتلال بإجراء الانتخابات؟، وإن سمحت بها، هل ستتعامل هي مع أي حكومة تشارك بها حركة حماس أو الجبهة الشعبية مثلا؟. ولا بد أيضا من التوقف أمام موقف الاتحاد الأوروبي أو بعض دوله، وكذلك موقف الولايات المتحدة الامريكية من التعامل مع حكومة فلسطينية تشارك بها حركة حماس أو الجبهة الشعبية. هناك تعقيدات كثيرة تتعلق بإجراء الانتخابات لها علاقة ليس فقط بالعامل الذاتي، بل أيضا بالعامل الموضوعي، لننتظر ونرى.