اطلس: كتب مرام هواري : على نار قد لا تبدو هادئة... يقف العالم العربي اليوم عاجزاً وهو يبحث عن حلول واقعه المأزوم عن كبح جماح السلاح النووي الاسرائيلي،
الذي تحسس العالم خطورته بعدما باحت إسرائيل بما لم يكن سراً اصلاً، بامتلاكها بل وتوسيعها حتى بات أحد المنغصات على المستويين الإقليمي والدولي، والقضية الأهم والأخطر في ملف الأمن والاستقرار العالمي، والذي بدوره فرض على دول المنطقة برمتها تحديات كثيرة جعل العديد منها يفكر بالالتفات الى المستلزمات المادية، التي تجعل منهم أكثر أمناً وقدرة على مواجهته، في زمن كثرت فيه الحروب وشراء الذمم، وقلّت فيه المسائلة وبالتالي في الدخول الى حلبة سباق التسلح النووي في الشرق الاوسط.
انه النوم في كنف العدو ... إسرائيل ما فتئت تطور سلاحاً رادعاً يقنع خصومها العرب والمسلمين بأنهم لن ينجحوا في القضاء عليها، ويقنعها هي نفسها بأن ايقاع كارثة في صفوف أعدائها هو السبيل الأمثل لمنع وقوع كارثة يهودية تنتهي بنهايتهم ، خصوصاً في محيط عربي شعبي رافض لها، عاقد العزم على إلقائهم يوماً ما في البحر الذي جاء معظمهم عبره الى فلسطين، والذي كان الدافع الحقيقي وراء سعي إسرائيل الى امتلاكها لهذا السلاح الفتّاك لتبقي على المعادلة الغير عادلة في القوة والقدرات بينها وبين من تعتبرهم بحر من الأعداء من حولها، وهي التي لم يغب عن بالها يوماً حتى قبل إعلان دولتها أنها ستولد قيصرياً وبشكل غير شرعي في بيئة معادية ورافضة لوجودها اصلاً، فلربما تسعى لضمان وجودها من خلال خيارها الذي سيكون الأول الذي لا ثاني له "عليّ وعلى اعدائي ".
إسرائيل منذ البداية حافظت على موقف يتّسم بالغموض النووي وانعدام الشفافية في قدراتها العسكرية النووية التي تحظى بغطاء ودعم أمريكي وغربي فاضح لتبقى المعلومات المؤكدة رسميا حول طبيعته وحجمه طي الكتمان ، ليتكشّف لنا قبل أيام وعبر الأقمار الاصطناعية بما يقال أنها منشآت نووية جديدة هي الأكبر منذ عقود، بالقرب من مفاعل ديمونا في صحراء النقب، الذي كان وما زال يشكل خطراً داهماً يجثم فوق المنطقة العربية برمّتها، والذي مكّنها من ذلك الدعم اللامحدود من قبل المجتمع الدولي أو ما يطلق عليه الأسرة الدولية، والذي بدا مفهومها مفهوماً رومنسياً وضبابياً يحيل الى السامع أنها تلك التي تسعى الى طلب الخير للناس كافةً لكن الشواهد على الأرض تبرهن أن القوة وقانون الغاب في هذا المجتمع هي التي عليها، لا على العدالة والحق تقوم العلاقات ...!
والذي بدوره جعل الأفضلية لإسرائيل في الميدان النووي، مع بدء تأسيس الدولة اليهودية لتقوية آداة الردع لديها، حتى بدا للجميع أن أي جدل حول البرنامج النووي هو في حقيقة الأمر جدل في معنى القوة والهيمنة والحاجة الى الأمن، ولعلّ هذا ما دفع بعض الدول العربية والخليجية كذريعة الى الفرار نحو عدوها في تطبيع علاقاتها والتقارب معها، و هذا ما لمسناه من صعود تحالف جديد في المنطقة يضم دولاً عربية الى المشروع الإسرائيلي الى السطح والذي يهدف بدوره الى القضاء على قدرات إيران النووية، في الوقت الذي بات حيازة اسرائيل لهذا السلاح امراً واقعاً ومسموحاً به.
فعلى وقع النداءات المطالبة بشرق أوسط خالي من أسلحة الدمار الشامل، ثمة خمسة كبار تتخفى كذئباً بثوب حمل وراء غطاء السلم العالمي ومحاربة الإرهاب في مجلس الأمن، لهم اليد الطولى في تقرير مصالح الدول وتحديد معالمها والتي غالباً ما ينظرون اليها وفقاً لمصالحهم ومن زاويتها، وهم ذاتهم من يقر لهم المجتمع الدولي بالحق في امتلاك الأسلحة النووية، واسرائيل هي واحدة من الدول التي لا يسائلها أحد من هؤلاء الكبار حول ترسانتها النووية المحاطة بسرية تامة حتى بات أكبر سراً معلناً في العالم، فهي لا تملك الأسلحة النووية فقط بل تمنح لنفسها الحق في تدمير أي مشروع نووي في جوارها، ولم العجب ...؟.فهكذا تكون العدالة الدولية باقصى صورها على مقياس القوة والمصالح والتبعيات ...!
فلربما لم يعد الحديث يصح عن تشبيه النووي الإسرائيلي بنظيره الايراني او أياً كان، في ظل نهج أمريكي وغربي وتحريض إسرائيلي، يخفي في طياته واقع الإنحياز المرير الذي منح لإسرائيل شيكّاً على بياض لمواصلة تهديدها لكل من تتجرأ او تمنح لنفسها الحق في امتلاكه عنوة واقتدارا كإيران التي أقر لها الجميع سلمية برنامجها النووي ومع ذلك ما زالت تتعرض لضغوط وعقوبات دولية، من اجل تجريدها من أي مخلب لها او ناب عبر تحالف تقوده أمريكا التي تمتلك ما يزيد عن ستة آلاف رأساً نووياً، ومعها إسرائيل صاحبة البرنامج النووي القائم بالفعل بأكثر من ثمانين رأساً نووياً ودون إذنٍ من أحد، فحقيقة الأمر أن الجميع من أمريكا الى الإتحاد الأوروبي مروراً ببعض العرب، متشابهون في العدائية اتجاه إيران وإن اختلفت الأساليب والمفردات، و في ذلك تجسيد واضح لكل معاني الكراهية والعنصرية المتأصلة فكراً وممارسة ونهجاً اتجاه كل من هو عربي او مسلم، بعدما نجحت اسرائيل بإجلاس إيران مكانها في العقل والخيال العربي والغربي انها هي الإرهاب الخفي الذي يهدد الجميع ، ليفجر اسئلة اخلاقية وسياسية عكست وفقاً لمنتقديه عجزاً دولي وتكريساً لحكم القوي، وصراعاً لقوى وأدمغة تتباهى بقوتها العسكرية والامنية والآن النووية، أحد طرفاها مجتمعاً دولياً كان من أكثر من خذل اللاذئين به باستخدامه للغة الدبلوماسية عندما تكون كلمة السر إسرائيل، وهي التي لم تتجرأ يوماً بمطالبتها بالتوقيع على معاهدة الحظر الشامل للانتشار النووي، او حتى اتفاقية الأسلحة البيولوجية التي ترفضه الى اليوم اسرائيل مع انها عضواً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية...إذ كيف يتجاهل العالم وإن شئت المجتمع الدولي وبدقة أكبر الكبار فيه نشاطاً نووياً ذو طبيعة عسكرية كحقاً مشروعاً وكأنه غير موجود، في حين يحملون على دول غير صديقة بامتلاكها وحيازتها لذات السلاح، لأغراض علمية وسلمية، أم أن المعادلة باتت "حلال على اسرائيل وحرام على الآخرين"....؟ لتبقى الحقيقة السياسية التي يجب عدم إغفالها بأن العالم يخضع لقانون القوة لا لقوة القانون ......!