دواعي الاقتراح كانت في الأساس بسبب معلمي المدارس، حيث أن 20% من معلمي الوسط العربي في الداخل المحتل قد تخرجوا من جامعات فلسطينية وذلك حسب ادعاء رئيسة لجنة التربية والتعليم السابقة شيران هسكل، الأمر الذي يعتبر في غاية الخطورة في نظرهم على دولة الاحتلال، حيث يقولون أن هؤلاء الخريجين قد تشرّبوا افكارا من الجامعات الفلسطينية تعتبر إسرائيل عدوا، وقد يساهمون في نقل هذه الأفكار لطلابهم في المدارس.
ألهذا الحد وصل الخوف من تأثيرنا عليهم؟ وهل فعلا أثر خريجوا عرب الداخل المحتل من جامعاتنا في أذهان وتفكير طلابهم، وزرعوا فيهم الروح الوطنية التي نمت أثناء دراستهم في جامعاتنا الفلسطينية؟ وهل هذا كفيل بتحريك أعضاء في الحكومة لإقرار مثل هذا القانون؟
هل هذا وحده كاف لحرمان آلاف الطلبة من أبنائنا في الداخل المحتل من التعليم؟ وما البديل أمامهم؟ والحكومة ذاتها تسعى لتفعيل نظام "نوميروس كلاوزوس" الذي يسعى لتقليص نسبة قبول الطلبة العرب في الجامعات في دولة الاحتلال لصالح الطلبة اليهود؟ إضافة للقيود الحالية على دراسة الطلبة العرب لبعض التخصصات كالطب والصيدلة. والهندسة.
ما تسعى إليه حكومة الاحتلال ليس فقط (حماية) الأجيال الجديدة من الوطنية المتوارثة والمتناقلة من جيل لآخر، والحد من تأثير المعلمين على طلابهم، بل يبدو أن الأمر أبعد وأعمق من ذلك بكثير.
في البداية هذا الأمر"إن تم إقراره" سيهدف إلى إضعاف العلاقة بين فلسطينيي الداخل المحتل وبين أهلهم في مناطق السلطة الفلسطينية، لن يكون تواجد أبنائهم بدافع الدراسة موجودا، ولا تواجد الأهل لزيارة أبنائهم أيضا، وسيقتصر التواجد على من تربطه صلة قرابة أو نسب في أوقات محددة، لا ترتقي لمستوى المعيشة اليومية، ومعايشة ما تتعرض له حياة الفلسطينيين اليومية من اعتداءات ومضايقات وحواجز واجتياحات، ومن ثم الشهادة على بعض الإصابات وربما الشهداء بشكل مباشر، التفاعل عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لا يرتقي لذلك التأثر عند معايشة الحدث لحظة وقوعه، وأن تكون جزءا منه.
من ناحية أخرى ما البديل أمام الطلبة من أبنائنا في الداخل المحتل؟ لا يمكن للكثير منهم الالتحاق بالجامعات في الداخل في تخصصات الطب والصيدلة والهندسة، ولا يسمح لهم بالدراسة في الجامعات الفلسطينية، لأن شهادتهم لن يعترف بها ولن يتمكنوا من الانخراط في سوق العمل، سيكون الحل أمامهم مغادرة البلاد، التوجه للجامعات الأردنية أو التركية أو أوروبا وأمريكا، سيكون من المحتمل أن يندمج بعضهم في تلك البيئات، وربما آثر البعض ولو نسبة بسيطة عدم العودة، وتأسيس حياة ومستقبل حيث درسوا، خاصة وأن سنوات الدراسة في بعض البلدان لبعض هذه التخصصات قد تصل لعشرة أعوام، سيكون الطالب قد الف البيئة الجديدة، وكون صداقات جديدة، وأصبح له حياة أخرى، قد يستصعب البعض الاستغناء عنها، خاصة وإن قام بتأسيس أسرة أثناء سنوات دراسته، في ظل بعض التسهيلات التي تمنحها بعض الدول لاستقطاب الشباب والعمل على إقناعهم بالبقاء والعمل فيها.
وماذا عن الجانب الآخر من المعادلة؟ الجامعات الفلسطينية، التي باتت أعداد الطلبة من أبنائنا في الداخل المحتل فيها تشكل نسبة لا يستهان بها، ترتقي في بعض الحالات، كما هو الحال في الجامعة العربية الأمريكية في جنين إلى ما نسبته 50% من مجمل عدد الطلبة فيها، حيث بلغ عدد طلبة الجامعة ثلاثة عشر ألف طالب وطالبة، وعدد الطلاب من عرب الداخل المحتل بلغ ستة آلاف طالب، ولا يستهان بنسبتهم في جامعة بيرزيت والنجح وباقي الجامعات.
ما التأثير الذي قد يلحق بهذه الجامعات إن خسرت هذا العدد من طلابها، تلك الجامعات التي تم إضافة بعض المواد على تخصصاتها لتلبي احتياجات العمل في الداخل المحتل، مما كبد الجامعات أعباء مالية كبيرة، لتوفير أعضاء الهيئات التدريسية الضرورية لتدريسها، إضافة إلى الخسائر المالية الأساسية التي ستلحق بها من خسارة لأقساط جامعية ورسوم تسجيل وانخفاض نسبة رواد الكافتيريات والمطاعم الموزعة في الجامعات.
والمحيط الخارجي أيضا سيلحق به ذات التأثير السلبي، فالكل يعلم أن العديد من الطلبة يلتحقون بالسكنات الجامعية والخاصة، وما يتبع ذلك من مصاريف حياتية من مأكل وملبس وماء وكهرباء ومحروقات، وبانسحاب هذه الأعداد من الطلبة سيكون من المؤكد التضرر الاقتصادي لهذه القطاعات.
ماذا لو تمت الموافقة على هذا المقترح وأصبح قانونا فعليا؟ ما الخطوات التي من الممكن أن تقوم بها الجامعات الفلسطينية لتعويض هذه الخسائر؟ هل ستتجه لرفع الأقساط( المرتفعة فعلا)؟ أم ستجد حلولا أخرى؟
لا يخفى على أحد الضائقة المالية التي تعاني منها جامعاتنا الفلسطينية، وقد تناولتها في مقالة سابقة، ولن تكون قادرة على مواجهة أزمة جديدة بهذا الحجم، فهل ستكون قادرة على الصمود والاستمرارية؟ أم سنشهد تطورات لم تكن أبدا في الحسبان؟
ومن الواقعية أن نتحدث عن خسائر وأزمات للطرف الآخر أيضا، وهي ما تجعلنا نشكك في إمكانية المصادقة على مثل هذا القانون وإقراره والعمل به، كيف لهم أن يستغنوا عن الكفاءات الفلسطينية، سواء التي تحمل الشهادات من الجامعات الفلسطينية أو من الخارج.
هم يعلمون جيدا أن خريجي الجامعات الفلسطينية من أبناء عرب الداخل المحتل في التخصصات التي يضعون العراقيل أمامهم لدراستها في جامعات الداخل، يجتازون كافة امتحانات المزاولة، بل إن من المعروف أن خريجي كلية الطب من جامعة النجاح قد حققوا أعلى نسبة في امتحان الدولة للطب في إحدى السنوات وكانت 100%، وأن الكفاءة التي يتمتع بها الخريجون تنافس الكفاءات العالمية، ولديهم أعلى مستويات الانجاز في العمل، فكيف سيتم الاستغناء عن كل هذا؟ وما البديل أمامهم؟
من ناحية أخرى، هل سيكون القرار نافذا على السنوات القادمة، أم سيتم تطبيقه بأثر رجعي على كل من يحمل شهادة من حدى الجامعات الفلسطينية؟ إن لجأ القانون إلى كل من حمل هذه الشهادة سابقا، سيضع ذلك دولة الاحتلال في أزمة كبيرة، فمن اين ستأتي بالبديل عن كل من يعمل لديهم ويحمل شهادة من جامعة فلسطينية؟ وما الدور الذي قد يقوم به أهلنا في الداخل المحتل للوقوف في وجه مثل هذه القوانين التي تستهدف بالدرجة الأولى أبناءهم ومستقبلهم.
هل ننتظر قرارهم بشأن الاستمرار في اعتماد الاعتراف بجامعاتنا أم أن هناك ما يمكن فعله كخطوة استباقية لمواجهة مثل هذا القرار؟ ما الذي يمكن لنا أن نقوم به في مواجهة محاولاتهم لتدمير مستقبل أبنائنا في الداخل المحتل؟
يدنا الأولى في تعطيل مثل هذه القرارات هي النواب العرب في الكنيسيت، حيث يفترض أن ينشطوا في مواقفهم ضد اي قرار من شأنه المساس بمصلحة العرب في الداخل ومستقبلهم بشكل عام ومستقبل أبنائهم في هذه الحالة، من خلال تكثيف الجهود لتشكيل جبهة مضادة للوقوف في وجه مقترح هذا القانون، والتركيز على الخسارة التي ستلحق بسوق العمل في الداخل المحتل بشكل عام والقطاع الصحي بشكل خاص الذي يعتمد في جزء كبير منه على خريجي الجامعات الفلسطينية من عرب الداخل والذين ينخرطون في سوق العمل ويظهرون البراعة والكفاءة التي لا يمكن التشكيك أو الانتقاص منها.
كما تجدر الإشارة إلى ضرورة التركيز على عدم قانونية القرار، سواء من الجانب الفلسطيني على أعلى المستويات، أو من جانب الأخوة في الداخل المحتل، فكيف لدولة الاحتلال عدم الاعتراف بشهادة جامعة معترف بها على مستوى العالم، وكيف لها أن تستخدم هذه العنصرية ضد مواطنيها من العرب، فهي من جهة تقلص فرص دراستهم لتخصصات معينة في جامعاتها ومن جهة أخرى تريد منعهم من دراستها في جامعات أخرى( الجامعات الفلسطينية).
إن كان وزير زراعة دولة الاحتلال قد بادر إلى تقديم هذا المقترح، فلا بد من حشد جبهة الرفض بشكل فوري وعدم انتظار نتائج مناقشة مشروع القانون، لتشكيل قوى ضاغطة على الحكومة وتوضيح التبعات الخطيرة لسن مثل هذا القانون.