اطلس:تعتبر دولة الفاتيكان أصغر دولة في العالم من حيث المساحة، وبالرغم من وجودها في روما إلا أنها تعتبر دولة مستقلة عن إيطاليا فهي هيئة ذات سيادة يعترف بها القانون الدولي. حيث أصبحت الفاتيكان دولة مستقلّة رسمياً في عام 1929م بموجب معاهدات اللاتران وذلك في عهد موسوليني
وتنص اتفاقية لاهاي لعام 1954م على حماية الأراضي في دولة الفاتيكان التي تقع تحت سيادتها باعتبارها تراث ثقافيّ عالمي. وقد لعب الكرسي الرسولي دورا كبيرا في العصور الوسطى وكان يسيطر على مناطق واسعة في إيطاليا.
اللغتان الأساسيتان هما اللاتينية والإيطالية والعملة الرسمية هي اليورو. وتعتبر دولة الفاتيكان مقر القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية في العالم. معظم سكان هذه الدولة رهبان وراهبات من مختلف أنحاء العالم ويبلغ عددهم 800 نسمة. دولة الفاتيكان لها علمها وتلفزيون وإذاعة وصحيفة مطبوعة ومواقع للتواصل الاجتماعي. رئاسة الدولة تكون بالانتخاب، حيث ينتخب مجمع الكرادلة البابا لمدى الحياة ويكون مطلق الصلاحية. إلا أنه من الناحية العملية، يترك البابا إدارة الشؤون القانونية والسياسية والاقتصادية لرئيس الوزراء. ويشغل البابا فرنسيس هذا المنصب منذ عام 2013م وحتى الآن، علما أنه استلم الموقع من البابا بنديكتوس السادس عشر الذي استقال طوعاً من منصبه في حينها كبابا الفاتيكان بسبب مرضه، وكان أول بابا يستقيل منذ 600 عام. أما السلطة التشريعية فيمارسها لجنة برئاسة كاردينال، بينما تمارس السلطة القضائية محاكم الفاتيكان وتعتمد في نظامها القانوني على القانون الكنسيّ بشكل كلي. والفاتيكان اليوم عضو مراقب في الأمم المتحدة.
تُعد دولة الفاتيكان واحدة من أبرز الوجهات السياحيّة في أوروبا، ويقع في مركزها ساحة كاتدرائية القديس بطرس التي تعتبر أكبر كنيسة في العالم، لذلك فإن السياحة تشكل الدخل الرئيسي لدولة الفاتيكان بالإضافة لتبرعات العالم الكاثوليكي لهذه الدولة الباباوية. ويوجد لدى الفاتيكان سفارات في الخارج والتي يلعب من خلالها دوراً سياسياً بارزا في العالم. حيث يستقبل البابا رؤساء دول العالم المختلفة، وكذلك يقوم بزيارات بالغة الأهمية للعديد من دول العالم ومناطق يوجد فيها صراعات دينية وإثنية وحروب ليحثهم على السلام ووقف الاقتتال ويصلي لهم ويصلي معه كل العالم. وكانت زيارة قداسة البابا الأخيرة هذا الشهر للعراق الجريح.
يرى البعض أن ممارسة البابا للسياسة هي من باب رعايته لرعاياه حول العالم وحرصه عليهم وعلى سلامتهم وأمنهم. فهو الزعيم الديني لأكثر من مليار مسيحي حول العالم. ومن واجبه وقف أي حرب قد تمسهم وتمس أمنهم، كما أنه رمز للسلام والمحبة والتسامح في العالم، فلا يمكن أن يقبل أن تسفك دماء الأبرياء حتى لو لم يكونوا مسيحيين أو مؤمنين. إلا أن الكثير من المسيحيين وغير المسيحيين اليوم في شتى بقاع الأرض، وخاصة الديمقراطيين العلمانيين والملحدين يعارضون وجود دولة الفاتيكان من ناحية المبدأ لأنهم يعارضون خلط الدين بالسياسة ويعارضون بقوة أي دور سياسي للبابا أو أي رجل دين من أي ديانة أخرى. فالتوجه العلماني الحديث في أوروبا يحترم الديانات ويتقبل وجودها، إلا أنه لا يتقبل إطلاقا فكرة إقحام الدين في السياسة، وما تقبّل دولة الفاتيكان الدينية إلا قبولا استثنائيا كون تلك الدولة تعرف الحدود التي يجب ألا تتخطاها في السياسة وفي الشؤون الدولية. وكونها دولة صغيرة سلمية تدعو للسلام والمحبة ولا يوجد لها جيش أو أعداء في العالم بالرغم من وجود الحرس السويسري الذي أنشأ في عام 1506 لأغراض حراسة البابا وأغراض احتفالية.
لقد تعلم المجتمع الغربي المسيحي دروساً تاريخية قاسية من تدخل رجال الدين الكنسي في مفاصل الدولة وفي مصير الشعوب ودفعوا ثمنا غالياً من أرواح أبنائهم نتيجة تحكم رجال الدين بالدولة ومواردها. ولهذا السبب تحديداً، ثارت الشعوب الأوروبية ضد ظلم الكنيسة وجبروتها في العصور الوسطى ثم أنارت الثورة الفرنسية درب الشعوب الأوروبية بل والعالم بأكمله، ووضعت العلمانية أساساً لأي حكم وإدارة أي دولة في الغرب. وكانت بداية نهضة ديمقراطية علمانية حقيقية نقلت أوروبا من عصر الظلام إلى عصر النور والعلم والتقدم. لهذا ليس من السهل على المسيحيين في العالم قبول تكرار التجربة الأليمة في إقحام الدين في الدولة والحكم، أو إدخال رجال الدين في السياسة كما هو حاصل في عدد من الدولة العربية ذات الأغلبية الإسلامية. فلا يوجد عند المسيحيين من ينادي بالحكم المسيحي إلا شرذمة متطرفة هنا أو هناك ليس لها أي تأثير قوي على المسيحيين في العالم، مثلما هو موجود بقوة عند المسلمين لمن ينادي بدولة الخلافة الإسلامية وموجود أيضاً عند اليهود من ينادي بالدولة اليهودية. إلا أن هناك تحذيرات من تفشي خطابات الأحزاب اليمينية التي غزت أوروبا في السنوات الأخيرة بحجة الدفاع عن “الهوية المسيحية لأوروبا". وللأسف، فإنّ هذه الجماعات المسيحية اليمينية المتطرفة في أوروبا وأمريكا آخذة في التوسع والانتشار، والمصيبة أنها تنتهج نهج داعش في العنصرية والإجرام وفي تسليح أعضائها وتدريبهم على الرماية والقتل. وهذا أخطر ما في الأمر. والمؤسف أنّ بعض هؤلاء العنصريون من رموز اليمين الأوروبي وصل إلى الحكم وإلى البرلمان. والبعض يعزوا ذلك إلى ازدياد هجرة المسلمين إلى أوروبا وازدياد نفوذهم. لهذا، وكما نردد دائما فالعنصرية والتطرف والإرهاب لا دين لهم، وواجب جميع المؤمنين في العالم من مسيحيين ومسلمين وغيرهم مواجهة تلك الآفات عن طريق العمل على نشر المحبة والأخوة والمساواة والسلام.